في عالم تسارعت فيه وتيرة الحياة، وتكاثرت فيه الضغوط النفسية والمادية والاجتماعية، بات البحث عن «الهدوء» حاجة ملحّة أكثر من كونه رفاهية. ومع انتشار الحديث عن المكملات الطبيعية التي تساعد على التخفيف من التوتر والقلق، بدأ كثير من الناس يلجؤون إلى مكملات مثل نبتة الأشواجاندا، المغنيسيوم، والميلاتونين وغيرها، بحثًا عن لحظة راحة في عالم مضطرب. ولكن، ما يبدأ أحيانًا بشكل منظم وتحت إشراف طبي أو من خلال الصيدليات، لا يلبث أن يتحول عند البعض إلى استخدام عشوائي، يتطور تدريجيًا ليصل إلى الاعتماد، وربما الإدمان النفسي، وجرعات متزايدة لا تخضع لأي معيار طبي. وهنا غالبًا ما تكون البداية بريئة، نتيجة معاناة من أرق مزمن، قلق مستمر، أو ضغط نفسي نتيجة العمل أو مشاكل الحياة. يتوجه الشخص إلى صيدلية، فيُرشح له الصيدلي منتجًا طبيعيًا مثل الأشواجاندا أو مكمل مغنيسيوم. ويبدأ في استخدامه ضمن الجرعة الموصى بها. وفي البداية، يلاحظ تحسنًا حقيقيًا نومٌ أفضل، هدوء نفسي، وتراجع في نوبات القلق. هذه النتيجة السريعة تزرع نوعًا من الثقة العمياء في هذه المكملات، وتخلق اعتقادًا بأنها الحل السحري الذي كان ينقصه طوال الوقت. ثم ننتقل لمرحلة يصبح الحل هو المشكلة فمع استمرار الضغوط اليومية، يبدأ مفعول الجرعة العادية في التراجع. يلاحظ الشخص أن المكمل لم يعد يعمل كما كان، فيزيد الجرعة من تلقاء نفسه ثم يبحث عن منتج أقوى ثم يجمع بين أكثر من مكمل في الوقت ذاته. وهكذا، تبدأ رحلة الانزلاق غير الواعي نحو الإدمان النفسي على هذه المواد، رغم كونها في الأساس «طبيعية» وغير خاضعة للرقابة الصارمة مثل الأدوية. لكن «الطبيعي» لا يعني «آمنًا دائمًا»، خاصة عند سوء الاستخدام. المشكلة الكبرى في الاستخدام العشوائي للمكملات ليست فقط في الأعراض الجانبية أو الاعتماد النفسي، بل في تطبيع فكرة الهروب الكيميائي من الضغوط. حين يعتاد الإنسان على تهدئة نفسه من خلال قرص أو مكمل، يبدأ بمرور الوقت في تصديق أن الحل دائمًا في «مادة خارجية» تريحه وهنا تكمن الخطورة الحقيقية فما بدأ بمكمل طبيعي من الصيدلية قد لا يكفي لاحقًا، فيبدأ البعض بوعي أو بدون وعي البحث عن شيء «أقوى». ربما دواء نفسي بدون وصفة.. ثم حبوب مهدئة يُتداولها البعض سرًا.. وربما، لا قدّر الله، يقودهم هذا إلى ممنوعات حقيقية ومخدرات كانوا في يومٍ من الأيام يرونها خطًا أحمر. هذه السلسلة لا تحدث فجأة، بل تنزلق خطوة خطوة، مثل كرة ثلج تبدأ صغيرة، ثم تكبر... وتكبر، حتى تخرج عن السيطرة تمامًا. ضغوط الحياة قد تدفع الإنسان للبحث عن أي طوق نجاة، وهذا طبيعي وبشري. لكن ما هو ليس طبيعيًا، هو أن يتحول هذا البحث إلى حل زائف يقودنا إلى الاعتماد الخفي على مواد لم نكن نحتاجها بهذا الشكل. الوعي، والاستشارة الطبية، والتوازن النفسي، هي الطريق الحقيقي للراحة. المكملات قد تساعدك... لكن لا تجعلها تقودك.