الحياة ليست كتابًا نطوي صفحاته، ولا فصلًا نحاضر داخله، بل هي مدرسة متنقلة تمتد قاعاتها على امتداد العمر، وتتنقل معنا حيث نمضي، تعلمنا دون طباشير، وتختبرنا دون إنذار، وتمنحنا الدروس بالمجان في لحظات لا نتوقعها. دروس تأتي بهيئة البشر، والمواقف في هذه المدرسة العجيبة، قد يأتيك المعلم على هيئة صديق يمر كنسمة ويترك أثره كالنقش، أو قد يأتيك في هيئة موقفٍ صغير يشبه شرارة توقظ داخلك وعيًا عميقًا. أحيانًا يكون المعلم هو الألم نفسه في ضغوط الحياة أو الفشل الذي يكسرك ليعيد بناءك بطريقةٍ أقوى وأجمل. رحلة لا تستقر.. وتجارب تولد من الرحيل وبما أنها مدرسة متنقلة، فإن قاعاتها ليست جدرانًا، بل طرقات نسيرها، ووجوه نصادفها، وليل نختلي به مع أنفسنا. تتشكل خبراتنا من المدن التي نزورها، ومن الأشخاص الذين يعبرون حياتنا كالعابرين في فصل الرياح.. بعضهم يرحل سريعًا، وبعضهم يبقى أثره طويلًا، لكن الجميع بقصد أو دون قصد يسهمون في صقل أرواحنا في هذي المدرسة. لا رسوب فيها.. تعلمك طول حياتك في هذه المدرسة، لا يسجل أحد راسبًا، لأن السقوط نفسه هو الدرس. كل عثرة هي باب جديد للوعي، وكل خطأ ندفع ثمنه من حياتنا وليست غرامة مادية. من يفهم هذه الحقيقة يتعلم أن يقف كل مرة بثباتٍ أكثر، وأن يحول جراحه إلى قوة، وخيباته إلى حكمة. النجاح.. أن تنتصر على نفسك أولًا تعلمنا الحياة أن النجاح ليس ضجة ولا أضواء، بل هو لحظة صادقة مع النفس، أن تفهم ضعفك وتتصالح معه، أن تبتسم بعد الخيبة، أن ترى نورًا صغيرًا رغم ظلمة كثيفة. النجاح الحقيقي هو الرحلة، لا المحطة، وهو الارتقاء الداخلي قبل أي مظاهر خارجية. الحياة مدرسة لا تغلق أبوابها، ولا يرفع فيها الجرس. تمتحننا بلا موعد، وتمنحنا الدروس بلا مقابل. ومن يقرأ إشاراتها جيدًا يسير أثقل خبرة، وأعمق فهمًا، وأجمل روحًا. فليست الحكمة أن نعيش حياة بلا أوجاع، بل أن نحمل نورًا يرشدنا بين منعطفات هذه المدرسة.. الحياة الطويلة نفسها.