الذين يستوعبون بوضوح خصوصية العلاقات السعودية - الأميركية يدركون أنها لا تؤطر في ثنائية "النفط - الأمن"، وهذا قولُ قديم للجاهلين في كينونتها، والغارقين في الماضي الطويل. صاغت الرياضواشنطن شراكة تاريخية تتجاوز 9 عقود كرّست عبرها أسس التعاون السياسي، والمعرفي، والاقتصادي بتوسيع رقعة الاستثمارات المتبادلة، وفرص العمل المشتركة، كذلك مكافحة التطرف ما تزال ضمن إطار الأولويات، حتى بات البلدان أساس عناوين الأمن واستقرار أسواق الطاقة أيضاً. يتضاعف ذلك النجاح التاريخي في ثنائية العلاقة بمخرجات قمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً، إذ تضمنت: "اتفاقات اقتصادية ضخمة بمئات مليارات الدولارات، وتوقيع شراكة دفاع استراتيجية تمنح الرياض قدرة الردع، وأخرى في الذكاء الاصطناعي، والرقائق الإلكترونية، والتعليم". تؤكد المعطيات الراهنة تجدد حيوية اللحظة السياسية السعودية - الأميركية بعناصرها الجوهرية، جدير بالنقاش اليوم تأثير السعودية في أميركا، عبر توسيعها دائرة صناعات واشنطن الدفاعية على إثر توقيع الاتفاقية الاستراتيجية التي جعلت المملكة الحليف الأكبر لأميركا خارج الناتو، لتصبح قوة ردع إقليمية بنفوذ عسكري إضافي، إذ تردع السعودية عبر الشراكة الدفاعية بؤر تهديدات المنطقة، هذا بحد ذاته استثمار في الاستقرار يحمل تأثيرات كبرى إيجابية في الأمن القومي الأميركي أيضاً. تنظر واشنطن للرياض بأنها الضامن الأهم في معادلات الإقليم، والعاصمة الفاعلة في تشكيل السياسات، فلا ترتيبات أمنية أو سياسية تحدث في الشرق الأوسط والعالم دون الاتصال بالرياض، أو المصافحة الحارة لقادتها الكبار، إذ تراكمت نجاحاتها الدبلوماسية عبر تأسيس منصة حوار أميركية - أوكرانية - روسية، فضلاً عن مساعي تكريس الاستقرار في سوريا، وإنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، بجانب القدرة على نسج التحالفات الدولية، سواءً مع الصين، أو باتفاقها الدفاعي مع باكستان، والعلاقة مع إيران، والأهم البراعة المذهلة في إدارة التوازنات، بالتوازي مع ملف إمدادات الطاقة. تستفيد أميركا أيضاً من التوزان السعودي وهو عنوان بارع لدبلوماسية الرياض الذي جعلها تمتشق دوراً أكبر في المعادلة الدولية، عبر تعزيز تحالفاتها، وإعلاء قيمة الحوار بصفته مفتاح الحلول، وتزايد دور الوساطة، نستحضر مثلاً جلوس الوفد الأميركي مع "الأوكرانيين والروس" في جدة ، لتقريب وجهات النظر، والبناء على مخرجات اجتماعات الدرعية وصولاً إلى لقاء ترامب بالرئيس الروسي بوتين في قمة شهيرة بقمة آلاسكا، كل هذ لم يحدث لولا حالة الإدراك الأميركي نحو تصاعد الدور السعودي في تكريس الاستقرار، وبالتالي الرياض عنصر مؤثر لواشنطن. في سياق مغاير، يتجدد تأكيد ذلك التأثير بالالتزام الأميركي الواضح تجاه تسوية جذور أزمة السودان، بناء على طلب الأمير الشاب محمد بن سلمان الذي زار واشنطن حاملاً هموم الإقليم، لتفرض الرياض واقعاً جديداً في تحقيق معادلة الأمن الإقليمي، وصوغ مقاربات أكثر واقعية لإنهاء الأزمات مثل السودان راهناً، كما فعلت في دمشق. قدر الشرق الأوسط البقاء بحالة غير مستقرة نسبياً دون ملامسة وجه الشروق، غير أن الرياض كانت الضامن الوحيد للاستقرار بفعل تأثير قيادتها السياسي ومشروعها التنموي، فضلاً عن الالتزام بثبات المواقف، فمثلاً إقامة دولة فلسطينية وتعزيز مبدأ حل الدولتين الذي حشدت السعودية له جهداً عظيماً.. موقف سعودي راسخ معروف، إذ تلتزم المملكة بهذا المبدأ دون تنازل أو حياد، هذا يعني على أقل تقدير لصناع السياسات الأميركية أو حتى مراكز التفكير ذاتها أن التزام الرياض تجاه مواقفها يرسخ فكرة موثوقيتها كشريك حقيقي، في عالم متغير، وهذا تأثير آخر. تتضاعف معطيات التأثير السعودي في أميركا عبر عنصر مؤثر فاعل يكمن في روح فرص التعاون المعلنة في القطاعات المهمة، إذ ترسخ حضور السعودية بصفتها شريك استراتيجي يملك معطيات القوة، خاصة مع نمو أرقام استثمارات المملكة في أميركا لتصل إلى التريليون دولار!. الخلاصة: حالة التأثير السعودية في واشنطن نتيجة رصيد تراكمات مواقف الرياض الواقعية المتزنة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، فضلاً عن براعة دبلوماسية الرياض في اجتراح حلول للمشكلات المتأزمة عالمياً، واحتوائها، وقدرتها على ضبط إيقاع أسواق الطاقة. الواقع نسجت زيارة الأمير محمد بن سلمان إطار مختلف للعلاقات يمكن قراءة أبعاد الأمر بعنصرين: تكثيف أوجه الشراكة الأميركية - السعودية لضمان استقرار الشرق الأوسط، عبر الاتفاقيات الدفاعية، والاستفادة الأميركية من توازن الرياض مع بكين وموسكو حتى طهران، بفضل تنويع التحالفات. جدير بالاهتمام استثمار دول المنطقة حيوية اللحظة السياسية الراهنة بين واشنطنوالرياض في خلق فرص ازدهار أكبر. أخيراً.. من أراد فرص السلام والاستقرار عليه ضبط ساعته بتوقيت الرياض.