علاقتنا بالبنوك ليست مجرد تعامل مالي عابر، بل هي انعكاس مباشر لمدى قدرتنا على إدارة أموالنا والتخطيط لمستقبلنا. في كثير من الأحيان، نلجأ للبنوك عند أول ضائقة مالية، وكأنها الحل السهل والجاهز، دون أن نبذل محاولات جادة لإيجاد بدائل أو حلول ذاتية. وفي المقابل، تسعى البنوك بدورها لاجتذاب العملاء وتطوير منتجات تمويلية تلبي احتياجاتهم المتنوعة. لكن، ما الذي يجعل هذه العلاقة متكررة بين الرغبة، الحاجة، والمعاناة سواء على مستوى الأفراد أو الشركات؟ الجواب يكمن في أن كل هذه القرارات يقودها الإنسان بدوافعه وظروفه، ثم تأتي التشريعات لتضع إطارًا ينظم العلاقة ويحفظ حقوق الأطراف. في السعودية، تحدد مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) -البنك المركزي- القوانين والسياسات التي تضبط العلاقة بين البنوك والعملاء، سواء كانوا أفرادًا أو شركات. وتبقى البنوك الطرف الرئيس الذي يعمل تحت مظلة هذه التشريعات. عند الحصول على منتج تمويلي من بنك ما، تنشأ علاقة ائتمانية قائمة على التزام واضح بين الطرفين. هذه العلاقة تختلف باختلاف طبيعة العميل: الأفراد: تخضع علاقتهم للمتابعة عبر شركة سمة الائتمانية، ويُدار بعضهم عبر "مديري علاقات" في البنوك، خصوصًا في فئات معينة. الشركات: تُصنف بحسب حجمها وطبيعة نشاطها (شركات صغيرة ومتوسطة، تجارية، أو ضخمة مثل أرامكو)، ويُقيّم كل بنك المخاطر المتعلقة بالفئات السابقة وفق معاييره الخاصة. معلومة مهمة: كلما ارتفعت إيرادات الشركة وتنوعت قنوات بيعها، وازدادت قاعدة عملائها بين القطاع الحكومي والخاص، انخفضت المخاطر، وبالتالي تنخفض تكلفة التمويل (الفائدة). وبالمثل، بالنسبة للأفراد: من يعتمد فقط على راتب واحد يختلف تقييمه الائتماني عن موظف حكومي لديه راتب عن الذي بالقطاع الخاص أو عن موظف ولديه نشاط تجاري أو عن الذي لديه راتب ونشاط تجاري وعقارات بالتالي تقل المخاطر ويزداد حجم التمويل الممنوح على حسب تنوع مصادر الدخل. العلاقة الائتمانية تشبه إلى حد كبير الزواج التقليدي؛ فهي التزام طويل الأمد يقوم على الثقة والوضوح. صحيح أن بعض القروض الاستهلاكية مرنة في استخدامها (مثل السفر أو شراء سيارة)، لكن القروض العقارية أو التمويلات الاستثمارية يجب أن تُستخدم في الغرض الذي مُنحت من أجله لسلامة هذي العلاقة. أما في عالم الشركات، فالأمر أكثر حساسية. فالبنك يحرص من خلال إدارة العلاقة على أن يتم استخدام التسهيلات الائتمانية حسب الهدف المحدد: قصيرة الأجل: مثل تمويل رأس المال العامل (الرواتب، المخزون، فواتير الموردين). طويلة الأجل (2–10 سنوات): مثل شراء معدات، أصول عقارية، أو أساطيل سيارات. وضوح الالتزام هنا شرط أساسي لاستمرار العلاقة وتحقيق الفائدة للطرفين. المطلوب من البنوك ألا تقتصر جهودها على تسويق منتجات التمويل فقط، بل أن تستثمر أيضًا في نشر الوعي المالي، خصوصًا لرواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ فالعلاقة الائتمانية الناجحة لا تُقاس فقط بكمية القروض الممنوحة، بل بمدى وعي العميل باستخدامها بالشكل الصحيح، بما ينعكس إيجابًا على استقرار الشركة واستمرارية البنك في آن واحد. في النهاية، العلاقة بين البنوك والأفراد والشركات هي علاقة توازن مصالح: الأفراد والشركات يبحثون عن حلول لمشكلاتهم المالية وتلبية احتياجاتهم. البنوك تبحث عن عملاء جادين يضمنون استمرارية العلاقة، والجهة المنظمة (ساما) تعمل على حماية الطرفين وضبط التوازن. وكلما كان الوعي والالتزام أوضح، تحولت هذه العلاقة من مجرد "حاجة" إلى شراكة حقيقية مستدامة.