قد يمر على أحدنا مصائب ووفيات ويجد نفسه خلالها أو بعدها متماسكاً صلباً إيماناً واحتساباً مع قدرة داخلية على التحمل.. لكن إزاء حدث واحد حتى لو كنت كهلاً متقدماً بالسن صبوراً جلداً يصعب عليك الأمر وكأنك تشعر باليتم والفراق أو كطفل يخشى الفقد يبحث عن أمه!. في إشكالية الفقد تبدو الأمور صعبة جداً حينما يكون المغادر إلى دنياه الأخرى هو من تتكئ عليه بعد كل سقوط وتعتمد عليه حين أي أزمة.. وشخصياً في ظل إخوتي لم أعرف اليتم رغم أنني فقدت والدي -رحمه الله- قبل بلوغي الثالثة من العمر، كانوا جميعاً والدي.. أمّا عبدالمحسن -رحمه الله- فكان كل شيء بجانبه في كل حين، الطعام والممشى وحتى النوم.. حتى حين بلغت مرحلة التعليم كان ورغم الاحتجاز التعليمي له في كلية قوى الأمن.. لا ينتظر رخصة يقفز من سورها ليطمئن ثم يعود!. ليس أخي بل والدي، وكثيرون يشبهونني في ذلك، هي نعمة الأخ التي بدا أن كثيرين في مجتمعنا لا يدركون قيمتها من فرط طمع دنيا أو اختلافات هامشية.. فهل كانت الدنيا تكفي لتسديد ديوني لأخي.. وأعتذر فلم يكن ديناً بل سيلاً من عواطف ومحبة يزرعها الأخوة الصالحون لتكون نبراساً وعوناً لمن حولهم.. هي شدة الفقد التي جعلتني أشعر باليتم من جديد بعد أن مرّ عليّ مثلها بعد وفاة والدتي -رحمها الله- وأنا كهل في الخمسين!. الأخ، كلمة صغيرة في حروفها، كبيرة في معانيها، وإلى أخي -رحمه الله- أقول لقد أحييت ما مات في قلبي، وأنعشت وجداني بحب الخير، استنهضت عزمي على المثابرة والعمل، لم تكن أخي فقط بل توءم روحي ورفيق دربي، أعنتني في محنتي، ووقفت بجانبي، مددتني بالأمل والتفاؤل دومًا، كنت لي أعظم سند، وبك أشدّ ظهري، فيا لعظم مصيبة فقدك يا أخي!. تشبثوا بإخوانكم وأخواتكم فهم القيمة الأعلى مع أبنائكم وبناتكم بعد والديكم.. الأخ أو الأخت ليس مجرد شخص عابر في حياتنا، هو السند والشجرة الوارفة التي لا تتخلى عنك بظلها وثمرها التي لا تميل ولا تنحني مهما عصفت بها الظروف، وهو السور العالي والحصن المنيع الذي يذود عن أخيه مصائب الدنيا، وهو العون على الأيام الكالحة، يجعلها نسمة عليلة تهب على القلب والروح فتُحييها. في عناوين الأخ والأخوة نأسف لأننا في كثير من سنيننا هذه نسمع عن كثير من الشقاق والبغضاء والعداوة والخصام، بين الأخوان، وتلك أمراض مجتمعية، فرضها طمع الدنيا والاعتداد الفارغ بالنفس، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، بل إن سيدنا موسى عليه السلام قد ضرب مثالاً للمعنى الأساسي للأخوة حين خاطب ربه: "واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري".. هو يعني هنا العون والسند الذي لا يخنع ولا يتراجع. ختام القول: كان أخي مختلفاً.. لذا كان أنين الفقد مسموعاً يعلو في أرجائي مصوراً ذكرى القلب الطيب.. وأسأل الله أن يجمعني معه وكل من يقرأ هذه السطور في الفردوس الأعلى.. فتمسكوا بإخوانكم وأخواتكم، فضلوهم على الدنيا وغثائها، فهم السند والعون بل المعنى الحقيقي للمحبة بعد الوالدين ومع الأبناء.