مررت على اقتباس يقول: «نحن في عصر لكي نشعر في الحياة نحتاج إلى تجارب عنيفة «، دفعني للتساؤل، لماذا تعتمد السيناريوهات والقصص على المشاعر بشكل كبير؟ حزن، فرح، إثارة، كوميديا، فنتازيا، ورعب، جميعها مصنفات لأفلام ومسلسلات. هل سبق لك متابعة مادة دون أن تترك بداخلك شعورًا صغيراً؟ فمع ما يمر به العالم من تطور مهول في صناعة الأفكار التي تعمل على زيادة الاستهلاك يوماً بعد يوم، ومراكز الإنتاج التي تعمل بكل جهدها على عصر الأفكار من أجل تهييج المشاعر، فحتى تلك المشاعر التي نظنها مجرد شعور نشعر به، أصبحت تستهلك بطرق استهلاكية وهي ما تسمى بمادة المشاعر. هناك صيحة أطلقها الفيلسوف الفرنسي ميشيل لاكروا، قبل أعوام تقول بأننا بحاجة إلى مشاعر حقيقة ليس فقط لإثارة الأدرينالين. كانت من أجل التنبيه حول تلك الأزمة التي يمر بها الإنسان في عصرنا الجاري. وهي أزمة تقديس المشاعر أو كما أطلق عليها عبادة المشاعر، الموسيقى والإعلانات وعلى رأسهم السينما، جميعها تعمل على تحريك تلك المشاعر بقبضة يد صانع تلك المادة والضحية هو ذلك المستهلك المعاصر الذي اعتاد على كل ما يعمل على تفجير تلك المشاعر المختزلة والانفعالات المتهيجة. وذلك على عكس ما كان عليه الإنسان في الماضي، مفعمًا بالهدوء والتأمل في السماء الصافية والشمس المشرقة والطبيعة الخلابة. فأفلام الرعب مثلًا تعمل على استنزاف أكبر قدر من الإثارة، ونجاحها مرهون بكمية الرعب الذي ترك في نفس المشاهد. قمت بعمل تجربة بسيطة لأثبت مدى صحة هذا الكلام، فسألت عدة أشخاص حول أنواع مختلفة من الأفلام فكانت إجابتهم مفعمة بالمشاعر، (ممل ما يحمس، سخيف ما يضحك، يخوف مره لا تشوفينه لحالك). أما بالنسبة للإعلانات التسويقية، فهي تعتمد بشكل كبير على جذب العميل، فكيف لها أن تقوم بالجذب دون إثارة المشاعر، فلا بد لها أن تعمل على لمس خصلة بك، كي تحثك على شراء منتجها، مثل: (شاورما تشبع بطنك، عطر ثباته يدوم طويلًا). فحياة الإنسان أصبحت تبحث بإفراط عن الصدمات والأحاسيس بعيدًا عن الهدوء والتأمل، وهذا أدى إلى ما يسمى بمتلازمة فقدان الإحساس كما قال ميشيل لاكروا، وهي تعمل على نسيان الإنسان إلى كل ما هو طبيعي رغبة في التوهج الدائم والانفعال، مثل البحث عن الحفلات الصاخبة والرياضات الخطيرة والفعاليات المستمرة، وعندما لا يجد شيئًا بمثيلها يصيبه الملل والفتور لأنه وقع في حفرة المشاعر، وأيضًا إلى انهيار العلاقات وإتلافها وغياب الاستقرار.