أن يقوم المسؤولون بزيارة مشروع من مشاريع الدولة فأعتقد أن ذلك خطوة عملية.. تعطي للقارئ أو المستمع فكرة جديدة مليئة بالتفاؤل.. والبشرى.. إذ إن ذلك يعني الرغبة الأكيدة لدى أي مسؤول واعٍ أن يكون رسول خير لبلاده ومشاريعها سواءً في داخل بلاده أو خارجها.. وبالتالي يعطي الفكرة عن الإحساس الصادق لدى ذلك المسؤول بما يعمله الآخرون - زملاؤه في المسؤولية -.. ونحن ولله الحمد في بلادنا الكبيرة نلتحم رأياً وقلوباً نحو أهمية الواقعية في التحدث عن أي مشروع إنمائي من مشاريعنا العديدة.. ونحاول بقدر الإمكان أن نجسد الشيء البعيد للقراء أو المستمعين الذين لا يمكنهم الوقوف على ذلك المشروع. .. ومشروع كمشروع حرض للتوطين.. أو مشروع الري والصرف بالأحساء.. أو أي مشروع آخر من مشاريع الدولة المختلفة بودي لو أن كل مواطن وقف عليه.. ولمسه على الطبيعة، وقد كنت من ضمن الذين زاروا مشروع التوطين بحرض في العام الماضي بمعية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية.. وكانت أرضه الجرداء لا تختلف عن أي أرض صحراوية يراها المسافر بسيارته.. أو في القطار أو يراها الأعرابي القابع في خيمته.. كل ما هنالك قنوات ممتدة عبر تلك الصحارى.. وآبار صامته صائمة ومحطة تجارب زراعية، ومحطة كهرباء.. ولم تكن ذلك الوقت النظرة محدودة من قِبل الزائر.. ولم يكن الرأي محدداً. واليوم صحبت المسؤولين الذين دعتهم وزارة الزراعة والمياه لزيارة المشروع وهم: صاحب السمو الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز مدير عام رعاية الشباب وصاحب السمو الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز مدير عام الرعاية الاجتماعية، وسعادة الشيخ عبد الله السديري وكيل شؤون البلديات، وسعادة الأستاذ تركي السديري نائب رئيس ديوان الموظفين، والدكتور فيصل عناني خبير هيئة التخطيط المركزية.. وسعادة الأستاذ طاهر عبيد وكيل وزارة الزراعة والمياه وعدد من رجال الصحافة ووزارة الإعلام. وكدت لدى وصولنا حرض لا أعرف المستقبلين من رجال وزارة الزراعة والمياه ممن كنت أعرفهم بلباس المكتب، وقد فاجأوني بلباس الميدان.. وهنا برز حد فاصل بين العمل الميداني.. وعمل المكتب.. وأدركت أن ثلاثة أرباع التطور والبناء يكمن في الميدان.. وكان في استقبالنا رئيس هيئة المشروع الأستاذ هاني عقاد.. ورفاقه في العمل. وبعد تناول الغداء.. كان علينا أن نقوم بجولة على أربعين كيلاً من المشروع.. وهذه الأربعون كيلاً هي المساحة المراد استغلالها.. وهدف المشروع كما قلنا التوطين، وقد بدأ فعلاً بالمحاولة الأولى للاستثمار الحيواني.. وقد أصبح المشروع أرضاً خضراء تمتد أمام النظر.. والمقارن يجد فرقاً شاسعاً بين العام الماضي وهذا العام. وقد رأينا ما يقارب من عشرة آلاف رأس من الغنم ترعى في أماكنها وبعضها مع أطفالها الصغيرة.. التي لم تلد سوى هذه الأيام.. ويقول رئيس الهيئة الأستاذ هاني عقاد عن عملية التوليد، إنهم الآن يواجهون خمسين إلى ستين ولادة يومياً.. ويسعى المشروع إلى إنتاج مائتي ألف رأس من الغنم - كما قال معالي الشيخ حسن المشاري في مؤتمره التلفزيوني منذ أيام - وقد اتضح هذا القول في الخطة القائمة والسليمة من أجل تحقيق الإنتاج الحيواني الجيد. ولا شك أن هذا الإنتاج الحيواني سيتم خلال السنوات الخمس القادمة.. حيث تبدأ الوزارة بعد ذلك في إنتاج مائة ألف رأس من الغنم كل عام.. ومن ثم تبدأ بتصدير ستمائة رأس من الغنم للأسواق يومياً.. ولا شك أن هذه الأغنام من الأغنام الجيدة المرباة تربية سليمة، حيث يصل معدل وزن الخروف إلى خمسة وعشرين كيلاً وخمسين كيلاً.. ويركز المشروع الآن على هذه الخطة.. إذ هو يسعى الى تربية الغنم وإنتاجها.. وقد اشترت الوزارة هذا العام ما يقارب العشرة آلاف رأس من الغنم. وسيبدأ التصدير بشكل قليل بعد أربعة أشهر.. والهدف أيضاً من المشروع التوطين.. ويرى المسؤولون أن عملية استخدام أبناء البادية في الزراعة وتدريبهم على الأدلة الحديثة خير وسيلة لترغيبهم.. وفعلاً فلدى المشروع الآن ما يقارب الخمسين عاملاً مدربين على آلات الحرث وما إليها.. ولن يتمكن المشروع من تصدير الأعلاف الكثيرة التي تأخذها المساحات الكبيرة - 40 - كيلاً.. لكنها ستستخدم للتعليف.. أما الفائض فيخزن على هيئة بالات.. وقد شاهدنا نوعاً من هذا.. كما أن المشروع ينتج بعضاً من الحبوب المختلفة. وبالمشروع كما قلنا 52 بئراً ارتوازياً عمقها يصل إلى 250 متراً، وإنتاجها 1200 جالون في الدقيقة، ولدى المشروع من الأعلاف المخزونة حوالي 3000 طن كما أن به 300 كيلو قنوات صرف و300 قنوات ري، و200 كيلو شوارع. ولا شك أن المشروع يُعتبر نموذجاً حياً للتنمية الزراعية وهو واحد من مشاريع الدولة المختلفة الذي يسعى إلى اكتمال النمو العام.. ويعتبر مشروع حرض من المشاريع المُغْفلة إعلامياً.. ولم يأخذ نصيبه من تسليط الأضواء أو إيصاله إلى الناس.. وحبذا لو قدم عنه فيلم ناطق يفسِّر خطوات المشروع وعرضه بالتلفزيون إذ إنه جهد عظيم من جهود حكومة جلالة الملك المعظم. وقد سر الوفد بما رأى وسجل انطباعاته.. ولا شك أن بعض الوفد قد تغيرت نظرته تجاه هذا المشروع وبعضهم أحب لو يجد الفرصة لتملك أرض يستثمرها زراعياً. وقد تحدث سمو الأمير فيصل بن فهد عن المشروع فقال: في اعتقادي أنه من مبررات سعادة الإنسان أن يرى مشروعاً حيوياً للتنمية يقوم على أيدٍ سعودية شابة تساهم في بناء وطنها.. وقد سررت للغاية وشعرت بالفخر والاعتزاز لما رأيته.. وأرجو من الله التوفيق للجميع. كما صرح سمو الأمير فهد بن سلطان مدير عام الرعاية الاجتماعية فقال: (في الحقيقة كانت الفكرة الثابتة في عقليتي - وعلى ما أظن أن هذا ينطبق على عقليات الكثيرين سواء من المسؤولين أو غيرهم - هذه الفكرة لم تكن حسب ما أملاه الواقع الذي شاهدناه خلال زيارتنا لمشروع حرض.. فالمجهود والتحدي الكبير المبني على الإيمان بالله ثم بالأيدي السعودية الشابة قد غيَّر هذه الفكرة تماماً وجعلتني وبكل اختصار فخوراً جداً). وقد تحدث الشيخ عبد الله السديري فقال: (لا شك أن المشروع في هذه المدة البسيطة قد قطع خطوات هامة وبخاصة في مجال الإنتاج الحيواني.. ولا شك أنه سيشجع التجار للمساهمة مع البنك الزراعي في إيجاد مشاريع إنمائية أخرى مثل هذا المشروع في أماكن أخرى من المملكة.. كما أنه لا يجب أن يقف إنتاج هذا المشروع بحيث يقصد به السعي إلى تحقيق الحاجة الداخلية بل لا بد من السعي إلى التصدير إن شاء الله..). وقال الأستاذ تركي السديري في حديث عن المشروع: (لا شك أنه مشروع عظيم.. وهو تجربة موفقة.. ولا شك أن اهتمام وزارة الزراعة والمياه وجديتها ساعد في نجاح هذه الخطوات التي شاهدنا.. وأعتقد أن هذه الخطوات الناجحة ستشجع على مضاعفة الجهد حتى يستطيع المشروع المساهمة في التنمية الاقتصادية إن شاء الله). وكان للدكتور فيصل عناني وجهة نظر فقال: (إن تحويل الصحراء إلى مناطق للتوطين ولإنتاج بعض المنتجات الزراعية حلم يراود الكثيرين منذ قديم الزمن.. ولقد أثبت مشروع حرض نجاح الفكرة وتأكيد الأمل.. وإن دل على شيء فإنما يدل على أن العزيمة تحقق المعجزات.. وعلى كل فرد منا أن يفخر بذلك المشروع).. وأخيراً.. أقول إن كل شيء يقوم على تخطيط سليم وتنظيم مدروس لا شك أنه سينال الرضا وسينجح.. ومشروع حرض للتوطين نموذج لذلك.