منذ إنهاء «لجنة ال50» صياغة الدستور المصري، والأنظار تتجه إليها، لمعرفة ردود الأفعال على الدستور الجديد، وتم التصويت عليه منها، لكن ما زال هناك من يعارضه، سواء على مستوى أحزاب أم تكتلات، واتجه بعضهم كجماعة الإخوان المسلمين، إلى أسلوب تعبئة الشارع بالمظاهرات والاحتجاجات، تعبيراً عن الرفض، في محاولة لإرباك عمل الحكومة، وجعلها تبدو عاجزة عن فرض النظام في البلد الذي بدأ يعاني كثيراً من الانقسام بين الفرقاء وعلى المستويات كافة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. بالنظر إلى صياغة الدستور وأعضاء اللجنة التي ضمت تقريباً جميع مكونات الشعب المصري من الشبان والمثقفين والفلاحين والنقابات والطوائف كافة، نرى أن الدستور محاولة جيدة وليست جديدة، فمصر عريقة بتاريخها السياسي، ولديها دساتير سابقة، ولذلك لم يأتِ هذا الدستور من فراغ، لكنه جاء لإكمال وتعديل ما كانت تحويه الدساتير السابقة، إلا أن هناك فئة ما زالت ترفض الاشتراك في صياغته، تعبيراً عن رفضها للحكومة ونهجها، واحتجاجاً على نهجها السياسي الذي تتبناه منذ الإطاحة بحكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي. تم استغلال طلبة الجامعات وحشدهم من بعض المعارضين للدستور وللحكومة الموقتة، واحتجاجاً على خلع الرئيس محمد مرسي، واعتبارهم أن الحكومة الحالية حكومة غير شرعية، وأن الرئيس الشرعي للبلاد ما زال محمد مرسي بحسب اعتقادهم، لكن في الحقيقة يعتقد العديد من المراقبين أن المظاهرات والاحتجاجات لن تعيد الأمور إلى سابق عهدها، بل ستكون فرصة لمن يريد الشر لمصر وشعبها، والخشية أن تستغل للنفاذ إلى الجسد المصري، والنخر به، وإضعافه قدر الإمكان، ومن ثم الإجهاز على مصر والأمة العربية بكاملها، وهي خشية مبررة، لأن المتربصين في مصر من الدول الإقليمية كإسرائيل وإيران وتركيا ينتظرون الفرصة المواتية، إضافة للقوى الدولية الكبرى، لمعرفتهم بموقع ودور مصر في المنطقة العربية والأفريقية، وكذلك على الساحة الدولية. من حق أية دولة أن تفرض القوانين والحفاظ على السيادة والأمن، لكن إقرارها بعض القوانين في وقت محدد قد يؤدي إلى نتائج غير إيجابية. ومن الجانب الآخر تخشى الدولة أن تستغل المظاهرات من بعض القوى التي تستغل هذه المظاهرات من خلال نشر عدم الاستقرار والاعتداء على مقدرات الدولة وضرب استقرارها، ولذلك جاء إقرار قانون منع التظاهر من دون ترخيص في مصر برد فعل سلبي من بعض القوى والفعاليات السياسية الحلية والدولية، علماً بأن الدول الغربية التي تدعي الديموقراطية والحرية، هناك أماكن محددة للتظاهر، وفي حال الطلب لعقد مهرجان أو مسيرة خارج هذه الأماكن، يتطلب الأمر ترخيصاً بذلك، فجاء إقرار هذا القانون ليستغل من بعض القوى المعارضة، لتأجيج التظاهرات ومعارضة الحكومة الموقتة، لاعتقادهم أن هذه المظاهرات والتجمعات ستؤثر في توجه الحكومة، وفي عملية الاستفتاء على الدستور. عملية الاستفتاء على الدستور، ستظهر التباين بين الأطراف السياسية المختلفة في مصر، لكن الاعتقاد السائد والمؤشرات تدل على أنه سيحظى بالتأييد المطلوب، وأن الغالبية أياً كانت نسبتها ستصوت عليه، وسيحظى بالتأييد المطلوب لإقراره في حال كانت المشاركة من معظم المواطنين، سواء المؤيد أم المعارض، ولذلك يجب إتاحة الفرصة للجميع، والشعب هو من يقرره ب«نعم» أو «لا»، والكل يعلم بأن المقاطعة ليست في مصلحته، ولا مصلحة الشعب المصري، فمن خلال نظرة تحليلية إلى توزيع الأحزاب السياسية في الخريطة المصرية، نرى أن الغالبية ستشارك بالاستفتاء، وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة طلبت المقاطعة، لكن حزب النور السلفي سيصوت ب«نعم» على الدستور، وهو ما يشكل نسبة لا بأس بها من القوى الإسلامية، وسيشكل نقطة ضعف على حملة جماعة الإخوان لمقاطعة الاستفتاء، وهو ما يعزز الاعتقاد بأن الغالبية ستشارك في الاستفتاء وتصوت على الدستور. لتعزيز المشاركة في الاستفتاء وكسب ثقة الجميع، نعتقد أن من مصلحة الحكومة المصرية الموقتة أن تطلب مشاركة مراقبين دوليين محايدين، للمشاركة في مراقبة الاستفتاء على الدستور الجديد، وهذه المشاركة إن تمت سيكون لها أثر كبير في كسب الرأي العام الدولي، وستكون دليلاً على بداية الشفافية في توجه الدولة المصرية، وحكوماتها الحالية والمستقبلية، وكذلك قطع الطريق على المشككين في نزاهة الاستفتاء على الدستور، وهو ما يقلل من أهمية المرددين لمقولة إن هذا الاستفتاء سيتم تزويره، وهو الأخطر إن تم، وهو ما يؤجج الأوضاع، ومن الممكن أن تبدأ الناس بفقد ثقتها بالحكومة والقائمين عليها، وهو أمر في غاية الخطورة، لكن ما زال غالب المحللين يعتقدون أن حجم التأييد للدستور الجديد لن يكون أقل من المطلوب، علماً بأن هذا الدستور لن يكون في نسخته الأخيرة في حال إقراره، بل سيخضع مستقبلاً للتعديل، سواء بالحذف أم الإضافة، بحسب ما تقتضي الحاجة بالطرق الدستورية المعتمدة، فالدستور الأميركي والفرنسي وغيرهما من الدساتير ما زالت تخضع للتعديل حتى يومنا هذا، على رغم مرور مئات الأعوام على إقرارها، ولكن من المهم البدء بالاستفتاء والتصويت عليه وإقراره، ومن ثم البدء بالانتخابات التشريعية والرئاسية، ليتسنى للدولة المصرية أن تسير إلى الأمام. لن يكون هناك اتفاق كامل، وتأييد كامل أو معارضة كاملة للدستور الجديد، ولكن المهم أن تسير مصر إلى الأمام، وأن ينظر الشعب المصري إلى مستقبله من خلال التوحد حول أمن مصر واستقرارها، فدستور مصر هو أبناؤها، وحفاظهم على أمنها واستقرارها وتطورها، وحمايتهم لها ومكونات الدولة فيها، والجميع في الوطن العربي والعالم الإسلامي ينظرون إلى مصر بنظرة أخوية، ويريدون لها الاستقرار والأمن، وأن تعود قائدة ورائدة للعالم العربي وفاعلة على الساحة الدولية. * أكاديمي سعودي. [email protected]