في محاضراته، نبّه الأديب فلاديمير نابوكوف صاحب الرواية المشهورة"لوليتا" الى مشكلات نقل نص أدبي من لغته الأم الى لغة أخرى. وذهب الى أن أسوأ الترجمات الأدبية هي تلك التي تجرد النص الأصلي من هويته، وتقحم عليه معايير جمال اللغة المترجم إليها ليتلاءم مع ذوق جمهور معين. وعلى رغم محاضراته في أصول الترجمة، لم تكن ترجمة نابوكوف الحرفية لرواية بوشكين"أوجين أونجين"من الروسية الى الإنكليزية أمينة، ولم تحافظ على بنية النص الأصلي. ولا شك في أن الأذواق الأدبية الخاصة بثقافة اللغة المترجم إليها تؤثر في عملية الترجمة، وتترك بصمتها فيها. ففي سبعينات القرن التاسع عشر، بدأت عملية نقل الروايات الروسية الى الإنكليزية. وراعى النقل مفهوم العصر الفيكتوري في"الكتابة القديمة"أو الفصيحة. ونقلت كونستانس غارنيت 1862 - 1946 أبرز الأعمال الروسية الأدبية الى الإنكليزية. وبلغ عددها سبعين رواية. وأضفت غارنيت على الأدب الروسي المترجم الى الإنكليزية أسلوبها النثري، القريب من الذوق الأدبي الانكليزي. وفكرة الناطقين بالإنكليزية عن الأدب الروسي هي تلك التي أنشأتها غارنيت. ولكن ترجمات غارنيت لم تنل رضى الروس. فنابوكوف رأى أن ترجمتها أعمال نيكولا غوغول 1809-1952 باهتة وسطحية. واتهم كورني شوكوفسكي شاعر روسي، 1882 - 1969 غارنيت بتجاهل أساليب الأدباء الشخصية، ومحو الفروق بينهم. فيكاد لا يميز القارئ بين أسلوب دوستويفسكي وأسلوب تورجينييف. وبحسب جوزيف برودسكي شاعر روسي حاز جائزة نوبل للآداب في 1987، لا يقرأ الناطقون بالانكليزية روايات تولستوي أو دوستويفسكي بل روايات المترجمة كونستانس غارنيت. فهي نقلت وجهاً من أسلوب تولستوي الى الانكليزية، هو بساطته ووضوحه. فعلى خلاف بوشكين، ومفردات هذا الأخير ملتبسة المعاني، تبدو لغة تولستوي مباشرة ومختصرة. ولكن أسلوب تولستوي ليس واضحاً فحسب، بل هو متعرج وملتو. ففي"الحرب والسلم"يتجاهل تولستوي أصول القواعد اللغوية، ونظام تعاقب الكلمات، لينقل وقع الألفاظ المحكية الى اللغة المكتوبة. ويستخدم الروائي تراكيب لغوية مختلفة. فيجمع لغة المستشارين وموظفي الدولة القديمة واللغة اللاتينية ? الألمانية السائدة في الأدب الروسي في القرن الثامن عشر، الى اللغة الشاعرية السائدة في صالونات بدايات القرن التاسع عشر. وتكرار الكلمات والجمل هو من أبرز سمات أسلوب تولستوي الأدبي. فعلى سبيل المثال، يكرر تولستوي في"الحرب والسلم"صفات بعض الشخصيات. فنظرة الأميرة ماريا على الدوام"مشرقة"، ويدا نابوليون"صغيرتان وبشرتهما بيضاء". وفي جملة واحدة، يستعمل تولستوي كلمة"مكور الشكل"خمس مرات. وفي مشهد وفاة الأمير أندريه، يتواتر فعل"بكى"سبعاً. ويميل صاحب"الحرب والسلم"الى المباني اللغوية المركبة والمعقدة، المؤلفة من الأسماء والأفعال والصفات وحروف الجر والإشارة. وترجمة ريتشرد بفير ولاريسا فولخوفسكي"الحرب والسلم"، الصادرة أخيراً، هي مرآة أسلوب تولستوي الأدبي الأمينة. فهي لم تحذف الكلمات المكررة، ولم تستعض عنها بمفردات تشرح اللفظة، على غرار الترجمات الأخرى. ولم تحرف المعاني عن وجوهها ومقاصدها. فعلى سبيل المثال، جاء في ترجمة غارنيت"الحرب والسلم"أن"العم يعارض الخدمات العامة والتقديمات الاجتماعية"، في حين أنه ينكر، في النص الروسي، التعيينات في الإدارات العامة. وتقول غارنيت ان الأمير أندريه يقبل يد شقيقته ماري، وأن هذه الأخيرة تقبل يده بدورها. وفي ترجمة بفير وفولوخنسكي، يكتشف القارئ أن الأمير يأخذ يد شقيقته ويقبلها. عن أولندو فيجس أستاذ التاريخ في جامعة بيركك اللندنية، "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية، 22/11/2007