أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025" يؤكد على الحراك السعودي لتشكيل مستقبل الصناعة عبر جلسات حوارية وعلمية متخصصة    الدبلوماسية السعودية تقود لحظة تاريخية.. شكر عالمي لولي العهد    شركات التقنية العالمية تختار الرياض    الأسهم تنتعش والذهب ينخفض مع تراجع التوترات التجارية..    أمير الشرقية يطّلع على سير المشاريع التنموية بحفر الباطن    مطار المدينة يستقبل أولى رحلات الحجاج النيجيريين    ولي العهد وترمب والشرع يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سورية    مختصون ل«الرياض»: القمة الاستثمارية «السعودية الأميركية» ترسم ملامح تعاون اقتصادي جديد    ولي العهد والرئيس الأميركي يشاركان في أعمال منتدى الاستثمار    عبدالعزيز بن سعد يزف 8400 خريج من جامعة حائل    الشورى يطالب بتفعيل الأطر التشريعية للمحتوى التعليمي الإلكتروني    سعود بن نايف يدشن ملتقى التحول الرقمي 2025    ولي العهد يصطحب الرئيس الأميركي في جولة بحي الطريف التاريخي في الدرعية    برامج توعوية وإرشادية    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطلق برنامج "الطريق إلى كأس العالم 2025"    "مستشفى المانع بالدمام" يُنقذ حياة طفل يُعاني من تسمم في الدم    توقيع عقدين لتطوير المدارج ومواقف الطائرات وأبراج المراقبة بمطار الملك سلمان الدولي    غوميز يريد الثأر من الهلال.. أرقام لافتة قبل اللقاء    كيف نُعبر عن حبنا للرياضة بوعي    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    السعودية ترسم خارطة سلام جديدة في آسيا    عماد التقدم    الكشف عن موعد ومكان سحب قرعة كأس آسيا للسيدات 2026 في أستراليا    انطلاق بطولة منطقة الغربية 2025 للهوكي للرجال والبطولة النسائية الثالثة للهوكي    26 مليارا حجم الاستثمارات الحكومية في قطاع التصنيع الذكي    بتكاتف جهود العاملين في مبادرة "طريق مكة".. إنهاء إجراءات سفر الحجاج خلال دقائق    احتفالات تعم سوريا بعد قرار رفع العقوبات وإشادة بدور الأمير محمد بن سلمان    جامعة أم القُرى تكرِّم 27 فائزًا بجائزة جامعة أمِّ القُرى للتَّميُّز لعام 1446ه    مجمع الحباب بن المنذر يدشن شركات مع عدد من الجهات الصحية    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    أمانة القصيم تكثّف أعمالها لتحسين جودة الطرق ورفع كفاءة البنية التحتية في مدينة بريدة    قطاع القحمة الصحي يُنفّذ عدداً من الفعالية التوعوية    أمير قطر يغادر الرياض    بلدية صبيا والجمعيات الأهلية تثري فعاليات مهرجان المانجو بمشاركة مجتمعية مميزة    "البريك" تهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    ويندام ولو بارك كونكورد تطلقان مشروع فندق100 "سوبر 8" في المملكة ضمن شراكة تمتد لعقد كامل    ترامب وعد وأوفى وستبقى السعودية الوجهة الأولى    المعلّم والتربية الشعبية    "إهمال المظهر" يثير التنمر في مدارس بريطانيا    ضبط 3 وافدين لارتكابهم عمليات نصب لحملات الحج    فناربخشة يعرض مبادلة النصيري ب» ميتروفيتش»    رائد التحدي سيعود من جديد    وسام المواطن الأول.. بمرتبة الشَّرف الأولى    "واحة الإعلام" تختتم يومها الأول بتفاعل واسع وحضور دولي لافت    حسين نجار.. صوت إذاعي من الزمن الجميل    " الإبداع السعودي" يختتم مشاركته في " كتاب بوينس آيرس"    أكد أنه رفع العقوبات عن سوريا بناء على طلبه.. ترمب: محمد بن سلمان رجل عظيم والأقوى من بين حلفائنا    السعودية رمز السلام    بداية إعادة رسم الخريطة الأمنية.. طرابلس تحت النار.. تفكيك مراكز النفوذ    "السيبراني" يعزز جاهزية الجهات الوطنية في موسم الحج    أمير الشرقية يطلع على إنجازات وزارة الموارد في المنطقة    "مؤتمر علمي" لترسيخ الابتكار في السعودية الاثنين المقبل    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم حج (1446ه)    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل لخدمة ضيوف الرحمن    أمير نجران يستعرض تقرير نتائج دراسة الميز التنافسية    تخريج 3128 خريجاً من الجامعة الإسلامية برعاية أمير المدينة    مجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية تُدشّن أول نظام روبوتي مختبري من نوعه «AuxQ»    100 مبادرة إثرائية توعوية بالمسجد النبوي.. 5 مسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية لضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل توقف الأدب الروسي عند "الحرب والسلم"؟
نشر في الحياة يوم 03 - 05 - 2010

بينما تحتفل روسيا بمرور 150 عاماً على ميلاد أنطون تشيخوف 1860 - 1904، قررت جهات روسية الاحتفال أيضاً بمرور 100 عام على وفاة ليف تولستوي 1828 -1910. بل وطالبت هذه الجهات منظمة اليونسكو بإعلان عام 2010 عام تولستوي. وما يثير الدهشة هو أن الروس عادة يحتفلون بيوم ميلاد الكاتب وليس بيوم وفاته. ولكن لا أحد يعرف إلى الآن مغزى هذه الفكرة!
لسنا هنا في معرض التحليل النقدي لأعمال الكاتب. لكن الاحتفالات التي تكاد تعصف بالأوساط الثقافية الروسية وتفقدها عقلها تثير الكثير من الشجون، بخاصة أن مجلة"النيوزويك"الأميركية قامت في تشرين الثاني نوفمبر 2009 باختيار رواية"الحرب والسلام"لتولستوي كأفضل كتاب في كل العصور ولدى كل الشعوب. وجاءت ملحمة تولستوي في المركز الأول ضمن قائمة من عشر روايات تضمنت عملاً لكل من جورج أورويل وفلاديمير نابوكوف وجيمس جويس ووليم فوكنر وفيرجينيا وولف وهوميروس وجين أوستن ودانتي... أي أن الصحافة الأميركية المؤثرة قامت بتوجيه الرأي العام الثقافي في اتجاه أكد جملة من الشكوك والمخاوف التي كنا نتصورها ضمن ما يسمى"نظرية المؤامرة"على الثقافة الروسية عموماً، والأدب الروسي على وجه الخصوص.
لا شك في أن الأدب الروسي الكلاسيكي شكَّل ظاهرة عالمية إلى جانب الآداب الكلاسيكية الأخرى، وكان احدى الساحات الخصبة إلى جانب الأدبين الفرنسي والإنكليزي تحديداً، نظراً الى العلاقات المميزة التي ربطت روسيا القيصرية بفرنسا وبريطانيا. وليف نيكولايفيتش تولستوي يقف إلى جانب ألكسندر بوشكين وميخائيل ليرمونتوف ونيقولاي غوغول ودوستويفسكي وإيفان غونتشاروف وإيفان تورجينيف وتشيخوف شامخاً بأعماله الملحمية الخالدة بالفعل. وليس غريباً على دولة مثل روسيا أن تعيد طباعة الأعمال الكاملة، أو مختارات من أعمال كل هؤلاء الكتاب في شكل دوري يكاد يكون سنوياً، في طبعات فخمة وأنيقة، حتى أن مكتبة أي بيت لا تكاد تخلو من طبعة أو اثنتين. إضافة إلى تدريس الأعمال الكلاسيكية لكتابها الكبار في المدارس والجامعات. بين كل هؤلاء يقف تولستوي شامخاً على رغم ما أصاب روسيا ما بعد السوفياتية من خراب في حقبة التسعينات وانعكاسات كل ذلك على الثقافة الروسية عموماً. ولا يمكن أن نتجاهل إطلاقاً الترجمات الدورية لأعمال الكتاب الروس الكلاسيكيين، من دون مبالغة، إلى كل لغات العالم.
لماذا تحتفل روسيا بيوم وفاة تولستوي وليس بيوم ميلاده كما جرت الأعراف والتقاليد؟ سؤال سيبقى بلا جواب! لماذا اختارت"النيوزويك"ملحمة"الحرب والسلام"كأفضل رواية في كل العصور ولدى كل الشعوب؟ سؤال تختلف عليه الإجابات عموماً، وإجابات الروس بالذات. إذاً، لماذا التركيز على الأدب الروسي الكلاسيكي وكأن روسيا أقفرت إبداعياً في نهاية القرن التاسع عشر؟ سؤال في غاية الصعوبة والتعقيد والمأسوية، إذا جاز التعبير.
في حديث شخصي مع أحد الكتاب الروس الشباب، قال:"لم يتبق لدينا إلا الأدب الكلاسيكي الروسي فقط، إلى جوار النفط طبعاً، كماركة مسجلة عالمية. أدبنا الكلاسيكي يباع جيداً في أوروبا. ولو كنت مكان لجنة التحكيم لوضعت روايات روسية في قائمة العشر الأوائل. لدينا غوغول وبوشكين وليرمونتوف وتشيخوف، ولدينا"الدون الهادئ"لشولوخوف... كل هؤلاء لديهم أعمال تفوق القدرات البشرية. وأنا أرى أن"الدون الهادئ"لشولوخوف هو كتاب كل العصور والشعوب". الكاتب الشاب يرى أن"الحرب والسلام"رواية كتبت منذ أكثر من قرن وفازت بالمركز الأول في قائمة ما. غير أنه أشار بأسى واضح إلى أن 100 عام ليست مدة طويلة. ومن ثم طرح سؤاله الذي اتسم بمرارة واضحة: هل توقفت عجلة الإبداع عند هذا الحد؟ وأجاب:"لا. هناك بلاتونوف وبولغاكوف وشولوخوف وعشرات الكتاب الروس في المرحلة السوفياتية كتبوا روايات أكثر من عظيمة. الفكرة أن غالبية هذه الروايات صدرت في الاتحاد السوفياتي وكان الغرب يأخذ موقفاً معادياً لها".
وأوضح أن الأدب الروسي المعاصر قد يكون في مستوى أدب القرن التاسع عشر. لكن المشكلة تكمن في أن روسيا لم تعد مهتمة بالقضايا الكبرى. ففي القرن العشرين كانت روسيا أحد قطبين، وكان يهمها كل ما يجري في العالم، ويتعلق بمصالحها. أما الآن فهي دولة عادية جداً، مثل دول كثيرة غير مؤثرة. وبالتالي فهذا ينعكس على الأدب والفن والمجالات الأخرى.
ليس غريباً أن تمنح جائزة نوبل للآداب لخمسة من الكتاب الروس خلال الفترة من عام 1933 و1970، بينهم أربعة من المعادين للاتحاد السوفياتي، مثل إيفان بونين وبوريس باسترناك ويوسف برودسكي وألكسندر سولجينيتسين، ولم يحصل عليها من الكتاب السوفيات سوى ميخائيل شولوخوف صاحب"الدون الهادئ"والذي لم يسلم من تشكيك دوائر ثقافية وأدبية معينة نشطت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
اختيار ملحمة"الحرب والسلام"التي كتبت منذ نحو 150 عاماً أثار الكثير من الدهشة والتأمل والاسئلة حول الوضع الحالي للأدب الروسي المعاصر والحديث. هناك من اتفق مع هذا الاختيار الذي تشكل انطلاقاً من ذوق الأميركيين أساساً، لكنه رأى أن هذا الاختيار مناسب تماماً للقرن التاسع عشر. أما الكتاب الأهم في كل العصور ولدى كل الشعوب في القرن العشرين فهو رواية"العجلة الحمراء"للكاتب ألكسندر سولجينيتسين صاحب نوبل 1970. وهناك من رأى أن رواية"الحرب والسلام"رواية جيدة، ولكن هناك كتب وروايات أخرى، مشيراً إلى أن من الصعب تحديد الأشياء في هذا الشكل. بل اعتبر أن الكتاب الذي ينطبق عليه وصف كتاب كل العصور والشعوب هو رواية"الإخوة كارامازوف"لفيودر دوستويفسكي. وأبدى بعضهم دهشته من وضع رواية"لوليتا"لفلاديمير نابوكوف، ورواية"1984"لجورج أورويل ضمن الروايات العشر الأوائل وجنباً إلى جنب. الأساليب والمدارس مختلفة تماماً. فكيف تمكن مقارنة"الحرب والسلام"أو"1984"مع"لوليتا"؟ بأي معايير نقدية يمكن تشكيل مثل هذه القائمة التي تنتمي إلى النظرة الصحفية العابرة والبسيطة والسطحية أكثر من انتمائها إلى النظرة النقدية الرصينة؟
قد نختلف على الترتيب. وقد نفضل هذا العمل أو ذاك. ومع ذلك تبقى ملحمة"الحرب والسلام"واحدة من روائع ليس فقط الأدب، بل وأيضاً السينما والمسرح. توفي ليف تولستوي عام 1910، ما يطرح الكثير من الاسئلة من قبيل: لماذا لم يحصل تولستوي على جائزة نوبل، مثلاً، على رغم أنه رشح لها بالفعل في زمنه؟ ولماذا تقف حركة النقد والرصد الأدبيين في أوروبا والولايات المتحدة عند الأدب الكلاسيكي الروسي؟ ولماذا تحرص دوائر معينة في روسيا على تعميق الهوة بين الأدب الروسي الكلاسيكي والأدب الذي أنتج في الحقبة السوفياتية، علماً أن هذه الدوائر تحديداً هي التي وصفت تولستوي نفسه ب"المختل عقلياً"وراحت تنبش في حياته الشخصية وعلاقته بزوجته وبالخادمات في ضيعته، وهي نفسها التي وصفت دوستويفسكي ب"السكير"و"المجنون"بسبب مقالته الشهيرة"المسألة اليهودية"؟ لكن سخرية القدر كانت لهم في المرصاد عندما خرج ألكسندر سولجينيتسين عن"طوعهم"، هم الذين استخدموا مؤلفاته في انتقاد الاتحاد السوفياتي، عندما قام في نهاية حياته بتأليف كتاب"200 عام معاً"وقد تسبب في عزلته وتجاهل وسائل الإعلام له على مدى سنوات طويلة حتى وفاته.
لعل فكرة الاحتفال بيوم ميلاد الكاتب عموماً، ولدى الروس بخاصة، مرتبطة أساساً بالحياة والإبداع والخلود، والمعتقد الديني أيضاً. ولكن استثناء تولستوي من هذا التقليد يثير اسئلة مشككة كثيرة، وكأنه إصرار على وضع الرجل في دائرة الشك من جديد على رغم أن الشكل الاحتفائي يبدو غير ذلك!
نشر في العدد: 17195 ت.م: 03-05-2010 ص: 26 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.