لدى الحديث عن حصاد العام 2008 على صعيد الإعلام المرئي في سورية، وتحديداً الفضائي منه، من الصعب أن تعثر على مفاجآت أو انعطافات حادة او طارئة في مسار هذا الإعلام الذي يسير بحذر، وهدوء، غير مكترث بالإيقاع المتسارع الذي يميز عالم البث الفضائي. فالتلفزة السورية التي بدأ بثها صيف عام 1960 تطورت كثيراً لجهة التقنيات، غير أن الخطاب الإعلامي لم يتطور بما يواكب تلك التطورات التكنولوجية الهائلة، ولم يكن منتظراً من الفضائية السورية الرسمية أن تحقق، والحال كذلك، قفزة نوعية خلال عام منصرم، بل بقيت مطمئنة لشعارها"شاشة تجمعنا"، وظلت وفية لهويتها ودورها كفضائية حكومية"موجهة تعمل وفق ضوابط، وآليات لا يمكن لأحد خرقها أو تجاوزها، شأنها في ذلك شأن جميع الفضائيات الرسمية في العالم العربي، من دون استثناء، على رغم وجود تباينات طفيفة. ثمة رأي آخر لدى أصحاب الشأن، فمديرة التلفزة السورية ديانا جبور ترى ان هذا التلفزيون"كان مواكباً لأحداث كبرى شهدتها سورية من قبيل القمة العربية، كما قامت بتغطية زيارات شخصيات مهمة لدمشق مثل زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وكان التلفزيون حاضراً، كذلك، لنقل الأنشطة المختلفة التي أقيمت في إطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة، فضلا عن المهرجانين السينمائي والمسرحي". ولم يتخلف التلفزيون السوري، كما تضيف جبور، عن تغطية"أحداث مؤلمة شهدتها دمشق مثل التفجيرات الإرهابية. ومن دون الخوض في الجزئيات، والتفاصيل، ومراجعة حصيلة عام كامل من البث كان حافلا بالأحداث السياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية، نستطيع القول ان الفضائية السورية كانت وسيلة مهمة لنقل ما ينتظره المشاهد السوري، وركزنا على ما اعتقدنا أنه يعنيه". وكان وزير الإعلام السوري محسن بلال، أعلن، قبل أشهر، عن عزم وزارته إطلاق فضائية متخصصة بالدراما ستبدأ البث مطلع العام المقبل، فضلا عن إطلاق فضائية تربوية خاصة بالبرامج التعليمية، وموجهة للطلبة. والملاحظ أن الحديث عن استعدادات جارية، هنا وهناك، لإطلاق فضائيات سورية خاصة طغى على المشهد الفضائي. ففي حين أن تجربة فضائية"الشام"الخاصة لم يكتب لها النجاح في سورية، ما اضطر القائمين عليها إلى تعليق البث لفترة، ومن ثم استئنافه من دولة عربية أخرى، فإن فضائية"الدنيا"الخاصة، التي بدأت البث، بصوت خافت، خلال 2007، استطاعت أن تحقق حضوراً جيداً عبر تقديم مادة إعلامية مغايرة للإعلام الرسمي. وعلى رغم أن توجهها السياسي لا يختلف، في المنظور العام، عن التوجه الرسمي، تمكنت من خوض معارك مع الفضائية الرسمية، واستطاعت أن تثير غضب القائمين عليها، فعندما بثت فضائية"الدنيا"خبراً عن"اعتقال خلية إرهابية"، طلب وزير الإعلام السوري"معاقبة القناة"، وفق خبر نشره، آنذاك، موقع إيلاف. وقبل نهاية العام الحالي، بأسابيع قليلة، نشبت معركة أخرى بين المحطتين إثر بث القناة الخاصة حواراً مع رئيس"تكتل التغيير والإصلاح"في لبنان النائب ميشال عون"استهجنه التلفزيون الرسمي"، بحسب مقال لمدير المحطة الخاصة فؤاد شربجي. وإذ تردد ان هذا الموقف"السلبي"تجاه القناة الخاصة ينبع من أن هذه القناة تكشف، من خلال هذا النشاط، عن تقصير الأداء الإعلامي الرسمي، فإن ديانا جبور تنفي، جملة وتفصيلا، وجود أية معارك، وتؤكد"أننا في التلفزيون الرسمي نشجع أي قناة خاصة لأن ذلك يرفع سقف المنافسة، ويدفعنا إلى تطوير أدواتنا، وآلية عملنا، وكلنا في النهاية نخدم هذا الوطن". والواقع أن التشجيع الذي تتحدث عنه جبور يتجسد شيئاً فشيئاً على أرض الواقع، فاللافت أن أصحاب رؤوس الأموال يتوجهون إلى الاستثمار في البث الفضائي. وثمة عدد من الطلبات المقدمة إلى وزارة الإعلام للحصول على رخص لإنشاء فضائيات خاصة، ولعل الفضائية التي استكملت جميع الاستعدادات، وستنطلق بعد أيام قليلة مع مطلع السنة المقبلة، هي فضائية"المشرق"التي يقول بعض العاملين فيها انها"ستقدم نفسها بقوة"، بل تصل بهم الحماسة إلى حد تصنيفها في المرتبة الثانية بعد مجموعة"إم بي سي". الفضائية الخاصة الجديدة هذه، تتبع مؤسسة"لايف بوينت"التي يملكها رجل الأعمال السوري، المقيم في الإمارات، محمد غسان عبود الذي يتطلع إلى إنشاء محطة موجهة للأسرة العربية"تعنى بشؤون المشهد العربي في المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، ويأمل في أن تكون محطته"قادرة على تقديم مواد إعلامية مختلفة عما هو قائم في غالبية الفضائيات العربية". ورداً على سؤال حول طبيعة الاختلاف الذي تنشده الفضائية الوشيكة، يقول المدير الإقليمي للمؤسسة عدنان عبد الرزاق ان"الاختلاف سيتأتى من احترام ذوق المتلقي الذي تغفله الفضائيات عبر طرحها المتساهل، ومنطقها الفج"، ويضيف:" لقد أنجزنا عدداً من البرامج استعداداً للانطلاق، وأخذنا بالاعتبار تنوع الجمهور، وطبيعة اهتماماته، كما راعينا مستوى ثقافته، وطريقة تفكيره"، مشيراً إلى أن المحطة ستعمل"بخلاف القاعدة السائدة التي تفيد بأن القائمين على الفضائيات يبثون ما يناسبهم، ولا يهتمون بما يتناسب مع ذائقة المتلقي". وصحيح أن اهتمام المحطة سينصب، جغرافياً، على المشرق العربي، لكن ذلك لا يعني إغفال الأحداث الكبرى التي قد تحدث خارج المنطقة. والمحطة، التي ستبث من دبي،"لن تتمرد أو تخرج عن ثوابت السياسة السورية"، كما يقول عبد الرزاق الذي يوضح ان"هذا الأمر لا يعني، كذلك، الالتزام المطلق كما لو أننا محطة رسمية، بل سنلتزم بالمعايير المهنية فحسب، ويجب ألا ننسى أن هذه المحطة هي بمثابة مشروع استثماري، ولا بد له من أن يأخذ الربح كذلك بالاعتبار. لكن الأهم هو أن المحطة ستحتضن، أيضاً، الكفاءات الشابة التي تملك ثقافة إعلامية نظرية، بينما لم يتح لها تطبيق هذه الثقافة في الميدان العملي". نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 30 ط: الرياض