لم تكد تبلغ السنة الجارية تمامها حتى استعادت التلفزة السورية دأبها المتواصل منذ سنوات، على التغيير، إذ حلّ عبد الفتاح عوض مديراً عاماً للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بدلا من سلفه ماجد حليمة الذي لم يبق، بدوره، في هذا المنصب أكثر من سنة ونصف السنة. هذه التغييرات التي تطاول المفاصل الأساسية في التلفزيون السوري تفصح عن رغبة نحو تطوير الأداء، غير أنها تشير كذلك إلى أن بلوغ هذا الهدف ليس سهل المنال. والواقع أن التغيير في المناصب الإدارية لا يمكن أن يبدل من واقع الحال، فالمعضلة الرئيسة التي يعاني منها التلفزيون السوري، شأنها في ذلك شأن كل المحطات الرسمية الموجهة، هي أنها تعمل ضمن سقف سياسي محدود لا يمكن تجاوزه. ولسنا هنا في صدد الدعوة إلى"قلب البديهيات"التي تقول ان التلفزيون التابع لوزارة الإعلام كجهة حكومية، يتعين عليه بالضرورة أن يعبر عن أهداف هذه الوزارة، وبالتالي عن طموحات وأهداف ومنهج الحكومة والقيادة السياسية. ولكن علينا، والحال كذلك، أن نعترف، أيضاً، بأن التطلع إلى التطوير والتغيير يكون صعباً ضمن آلية كهذه، والنتيجة المنطقية في ضوء هذه المعادلة هي أن المحاولات والنيات الطيبة ليست سوى"عمليات تجميل"محدودة الفعالية. لكن المسؤولين في التلفزيون السوري يقفزون فوق هذه الحقائق، ويصوغون جملاً طموحة لدى حديثهم عن محطتهم التي تعمل ضمن آليات وسياسات تعد حقاً مشروعاً لها، ففي ميدان الإعلام لا أحد ينكر على الجهة الممولة حقها في التعبير عن مواقفها. ديانا جبور مديرة التلفزيون تقول، رداً على سؤال حول المشهد التلفزيوني السوري في العام المنصرم، ان"التلفزيون دعم الإنتاج الدرامي السوري عبر شرائه بأسعار متميزة، وعرضه"، مشيرة إلى"توجه المحطة نحو البرامج التفاعلية والمباشرة سياسية كانت أم خدمية اجتماعية، وعدم الاتكاء على مانشيتات ومفردات ثابتة، للحؤول دون التعاطي السهل مع المادة الإعلامية". وتضيف جبور ان"التلفزيون السوري حاول مواكبة ظروف الشرائح الواسعة للمجتمع السوري عبر برامج تتبنى قضاياها وبلغتها، كبرنامج"للشباب رأي"مثلاً، وكذلك سلط التلفزيون الضوء على حراك المجتمع السوري، وسعى إلى المصالحة بين التسلية والجدية في آن، فجدية التلفزيون السوري لا تعني تجاهله للترفيه. وتشير الى ان الإنجاز الرئيس لهذا التلفزيون يتمثل في"سرعة تعاطيه مع الشؤون المحلية". والتدقيق في مثل هذا الكلام يقود إلى استنتاج مفاده ان جل ما قيل يقع ضمن خانة الأمنيات لا الوقائع الملموسة. فالتلفزيون السوري الذي لا يمكن التشكيك في صدق نيات القائمين عليه وسعيهم إلى التطوير، لم يستطع أن يترجم تلك الطموحات، ويجسدها من خلال برامج. ولا يحتاج الأمر إلى كثير عناء كي يعرف أن التلفزيون السوري لا يحتل المراتب الأولى في نسب المشاهدة لدى الجمهور السوري، خصوصا ذلك المشاهد المهتم بالقضايا السياسية. وعلينا ألا ننسى ان المحطات الفضائية العربية الخاصة والمستقلة التي انتشرت بأعداد كبيرة حققت قفزات نوعية على صعيد المشهدية البصرية، والبذخ الإنتاجي بغية استقطاب المشاهد، وبالتالي جلب المعلن وتحقيق الأرباح الذي يمثل الهدف الرئيس وراء إنشاء تلك المحطات. أما الفضائيات التي تتبع القطاع العام، والتلفزيون السوري منه، فإن هدفها مغاير تماماً، ذلك أن غايتها هي الترويج للموقف السياسي لهذه الدولة أو تلك، لا البحث وراء تحقيق الأرباح، فهي محطات مؤدلجة، وتختار موظفيها، غالباً، على أساس هذه الأيديولوجيا، وهؤلاء يؤدون وظيفة محددة تفتقر إلى روح المبادرة والإبداع والاجتهاد، وهذه أيضا عقبة تعترض طريق التطوير المرتجى. على رغم هذا كله، يمكن القول ان الفضائية السورية حققت تقدماً جزئياً عبر توسيع شبكة المراسلين الخارجية، وأنجزت عدداً من البرامج في محاولة لجعل هذه الوسيلة الإعلامية جسراً بين الجهات التشريعية والتنفيذية من جهة، وبين القاعدة الجماهيرية من جهة أخرى، وهي ما زالت تحافظ على نسبة مشاهدة عالية خلال شهر رمضان. ولعل الأمر الجدير بالاهتمام هو القيام، بشكل متواصل، بمحاولات للارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي، ولئن هي أخفقت في الوصول إلى الأهداف المرسومة، فان"شرف المحاولة"يبرر التعثر.