لدى الحديث عن أداء التلفزيون السوري خلال السنة المنقضية، يصعب العثور على محطات نافرة تربك الإيقاع العادي السلس والهادئ لهذه التلفزة التي انطلقت مطلع ستينات القرن الماضي، وظلت مثابرة على دورها ومكانتها من دون أن تشهد تغييراً يمكن وصفه ب «الجذري». لكن هذا الإيقاع البطيء والخافت لا يمكنه أن يلغي، في كل الأحوال، التطور التدريجي الطبيعي لهذه الوسيلة الإعلامية سواء على المستوى التقني - الفني أو على مستوى المضامين والأداء، ومع ذلك ثمة في كل سنة مساحة للجديد وإن كان قليلاً. ولعل الملح الأبرز للتلفزيون السوري خلال السنة المنصرمة هو احتضانه أعمالاً تلفزيونية أثارت جدالاً واسعاً، مثل مسلسل «ما ملكت أيمانكم» لنجدة أنزور الذي طرح قضايا حساسة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالدين، ما أدى إلى ظهور تباينات حادة في التعاطي مع هذا العمل، وسط ظهور دعوات لمنع عرضه، وأخرى تؤيده. وتكرر الأمر ذاته، وإن بدرجة أقل، مع مسلسل «لعنة الطين» لأحمد إبراهيم أحمد الذي خاض في مسائل سياسية مرتبطة بالوضع السوري، الأمر الذي خلق لدى المتابع انطباعاً بأن الرقابة بدت متساهلة أكثر مع أعمال جريئة تطرح قضايا شائكة كان الاقتراب منها يعد خطاً أحمر. ويندرج تحت هذا الإطار، كذلك، مسلسل «تخت شرقي» للمخرجة رشا شربتجي، الذي استطاع، بدوره، أن يبوح بمكنونات الأنثى ورغباتها على نحو بدا متجاوزاً لما هو معتاد. ولم يكد ينقضي العام حتى أعلن أخيراً، عن بدء البث التجريبي للقناة الإخبارية السورية التي جرى الحديث عنها طويلاً، لكنها لم تر النور إلا مع نهاية هذه السنة. «الإخبارية السورية»، وبحسب التعريف الرسمي، «قناة مستقلة تبث من دمشق، تتمتع بالموضوعية والانحياز للناس كأفراد وأمة ولا تنحاز للحكومات إلا بمقدار تبنيها للمصالح وحقوق الناس كأفراد وأمة». بمعزل عن هذه التعابير الطنانة، فإن إطلاق هذه القناة يعد، بكل تأكيد، إنجازاً لوزارة الإعلام السورية، غير أن الحديث عن الموضوعية والاستقلالية يضع هذه القناة الوليدة في وضع حرج، ذلك أن مثل هذا الطرح يبدو ساذجاً في ظل تمسك كل القنوات، وخصوصاً الإخبارية، بتوجهات سياسية معينة تتناغم مع وتكرّس توجهات الممول ذاته سواء كان دولاً أو حكومات أو شركات أو أحزاب أو حتى شخصيات. لا يمكن، إذاً، هذه القناة الإخبارية السورية أن تشذ عن هذه القاعدة التي تتحكم في اللعبة الإعلامية على مستوى العالم على رغم وجود بعض التفاوت، وأي حديث مفرط في التفاؤل بما يوحي بأن هذه القناة ستحقق قفزة إعلامية تعد سابقة، سيدحضه أداء القناة سريعاً. ولعل أقصى ما يمكن التعويل عليه هو التقيد بالمهنية، والحرفية والاعتماد على كوادر إعلامية ذات خبرة في هذا المجال. فنجاح القناة التلفزيونية لا يتوقف على «المنحى السياسي» فحسب بل يمكن التغلب على هذا الشرط عبر الاهتمام بجوانب أخرى كثيرة قد تساهم في جذب المشاهد. باستثناء القليل الذي سبق، فإن التلفزيون السوري بدا، في هذه السنة والسنوات السابقة، أميناً لصورته العتيدة كتلفزيون «رسمي موجه» يعبّر عن السياسة السورية الرسمية كما حال التلفزيونات الرسمية العربية قاطبة. ولم ينس القائمون على هذه التلفزة تكرار النغمة القديمة الجديدة المتمثلة في النوايا الجادة نحو التطوير والارتقاء بأداء الإعلام السوري، وخصوصاً التلفزيون الذي يعكس صورة البلاد للآخر. لكن اللافت أن هذه النوايا الطيبة والطموحات الكبيرة لا تترجم عملياً على أرض الواقع، فهي تبقى في إطار الأماني العصية على التحقيق، وفي سياق التنظير الطموح الذي لا نرى ما يماثله على الشاشة الوطنية، التي تشكو من هروب مشاهديها المفترضين نحو أقمار وقنوات أخرى، بحثاً عن مادة إعلامية تتمتع بالجاذبية وتزخر بالمعلومة في آن. ويبدو أن الجمع بين هذين متعذر في التلفزيون السوري حتى إشعار آخر.