في عالم يزداد اضطرابًا، تطفو بين الحين والآخر مشاريع سياسية تتزين بشعارات كبرى، بينما تخفي في جوفها أطماعًا صارخة، ومن أخطر هذه المشاريع ما طرحه مؤخرًا رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»، وهو تصور توسعي يقوم على ضم أراضٍ عربية، وفرض واقع استيطاني بالقوة، في تحدٍّ واضح للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، واستباحة لسيادة الدول، وتهديد مباشر للأمن الإقليمي والدولي. الرد العربي على هذه الرؤية لم يكن مجاملة، بل جاء صريحًا وقويًا، مجمعًا على أن هذه التصريحات تمثل تصعيدًا استفزازيًا خطيرًا، وانتهاكًا صارخًا لقرارات الشرعية الدولية، ومحاولات لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة؛ وجاء الموقف السعودي حازمًا وواضحًا: «تدين المملكة العربية السعودية بأشد العبارات التصريحات الصادرة عن رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي حيال ما يسمى (رؤية إسرائيل الكبرى)، ورفضها التام للأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.. وتحذّر المجتمع الدولي من إمعان الاحتلال الإسرائيلي في الانتهاكات الصارخة التي تقوض أسس الشرعية الدولية، وتعتدي بشكل سافر على سيادة الدول، وتهدد الأمن والسلم إقليميًا وعالميًا».. الطرح الإسرائيلي الأخير ليس موقفا فكريا أو تاريخيا عابرا، بل خطة عملية إن تُركت دون ردع ستفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع، وتغلق أي أفق للسلام؛ ولهذا تبرز أهمية الكتابة والإجماع على أن الأوهام العبثية التي تتحدث عن اقتطاع أجزاء من أقاليم عربية لن تنتقص من الحقوق المشروعة للشعوب، وأن استمرار مثل هذه السياسات لن يقود إلا إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، وتأجيج الأزمات والصراعات؛ وهنا أعيد وبكل تأييد، نصا للأمير تركي الفيصل، في مقابلته الأخيرة: «نتنياهو» يتحدث عن صورة (توراتية) من نوع ما لإسرائيل، وهو لا يخفيها، بل حتى يظهرها على الخرائط، وأنها ستكون من النهر إلى النهر؛ من النيل إلى الفرات.. هو يسعى لاحتلال أراضٍ سعودية وسورية ولبنانية وعراقية إلى جانب فلسطين ومصر.. إنه شخص مهووس، يهتم فقط بمنصبه وعدم سجنه.. كيف يمكن لأحد أن يتوقع من المملكة العربية السعودية التطبيع مع مجرم أو مختل كهذا؟».. مواجهة اجترار رئيس حكومة الاحتلال لماضي قومه، وتأييده للجذور الأيدلوجية «التلمودية»، وتبنيه لما تبناه اليمين الإسرائيلي المتشدد، واستنادهم إلى «سفر التكوين»، تدعو لتوسع حدودهم لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، وأن «الأرض الموعودة» تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، ومواجهة الأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستوجب مع بيانات الإدانة، خطوات عملية كبرى من جنس إعادة تقييم العلاقات السياسية، وتفعيل الأدوات القانونية الدولية، وبناء جبهة دبلوماسية موحدة، واستثمار كل المنابر لفضح هذه السياسات؛ فحماية السيادة ليست خيارًا، بل هي واجب وطني وقومي وإنساني. محبو السلام في العالم يعلمون يقينا أن السلام لا يمكن أن يقوم على الغطرسة وفرض الأمر الواقع، والعالم، إذا أراد الاستقرار، عليه أن يواجه السياسات الشاذة لا أن يسايرها، وأن يتعامل مع السيادات الوطنية لا كبند قابل للمساومة، لأن السيادة خط أحمر، وليست مجرد حدود على الخريطة، بل هي ضمانة لكرامة الشعوب واستقرارها ومستقبلها؛ والتاريخ شاهد أن الذي يفرّط في سيادته اليوم، يوقّع على غربته غدًا، ومن يسكت اليوم على انتهاك سيادة غيره، سيجد نفسه غدًا ضحية الانتهاك ذاته، ومن يساوم على حقوق غيره، سيفتح الباب لمن يساوم على حقوقه؛ ولهذا لا بد أن يبقى «العهد» ثابتًا على أن الموت دون تراب الوطن حياة، والتفريط فيه جبن ونذالة.