لم يخالف المدرب التونسي عبدالمجيد الشتالي الحقيقة وهو يصف محمد نور لاعب وسط الاتحاد بأفضل لاعب كرة قدم سعودي في الوقت الحاضر. وترشيح مدرب منتخب تونس الذهبي في نهائيات كأس العالم في الأرجنتين 1978 لم يأت من فراغ، بل انه وافق رأي غالبية متابعي الكرة السعودية. محمد نور 23 عاماً قدم من الحواري الخلفية في مكةالمكرمة الى جدة، سبقه قبل ذلك شقيقه آدم نور الذي حرس الشباك الاتحادية لفترة غير طويلة. وقبل توجه نور الى جدة حاول الانضمام الى فريق مدينة مكةالمكرمة الشهير نادي الوحدة، كبقية شباب وناشئي هذه المدينة، وحاول أيضاً التسجيل في النادي الآخر حراء، لكن الطرفين رفضاه، ولم يكن لديهما بعد النظرة. وصل نور الى جدة بدافع من شقيقه وسجل اسمه في كشوفات "العميد" العام 1994، لكنه لم يجار اخاه ولم يرتض بمركز الحراسة لأن تطلعات الشاب الأسمر الصغير تدفعه الى هز الشباك من دون حمايتها، ومثّل الاتحاد على صعيد الناشئين والشباب، واختاره المدرب الوطني محمد الخراشي لينضم الى منتخبي الفئتين. وحين وقع نور على كشوفات الاتحاد لم يغير سكنه، وراح يتردد يومياً على جدة وقاطعاً مسافة 150 كلم ذهاباً واياباً بعدما ادمن حب الاتحاد وبات لا يستطيع الا ان يجمع بين معشوقين: الاتحاد وحارته في مكة. وازاء هذا الوفاء "لأول منزل" فإن ابناء "الحارة" لا يزالون يحتفلون بلاعبهم في كل مرة يفوز الاتحاد. ويقول نور "تعودت على الزفة التي يقيمونها اهل الحارة بعد كل فوز، وهو مظهر لا يمكن ان اتخلى عنه اطلاقاً، وهو الذي يجعلني اتشبث بحب مكة. وكان آخر هذه الزفات بعد فوزنا على الأهلي في الدور قبل النهائي من مسابقة كأس خادم الحرمين الشريفين". ومع هذا الحب الجارف المتبادل بين نور وحارته، فإنه في بعض الأوقات ينسى صفته الاحترافية ويشارك حارته في بعض المباريات، وهذا ما جعله عرضة للوم الاتحاديين في أوقات سابقة. طعم الانتصارات وعرف محمد نور منصات التتويج في وقت باكر، عندما قاد ناشئ الاتحاد الى الفوز بكأس اندية دول مجلس التعاون الخليجي 1995. ثم فصلت خمس سنوات فقط بين احلام "ابن مكة" وبين الشهرة، اذ شهد العام 1998 تحولاً كبيراً في حياة نور بعدما ضمه المدرب الداهية البلجيكي ديمتري دافيدوفيتش الى قائمة الفريق الأول للاتحاد الى جانب عمالقة "العميد" الجميل والخليوي والحارس حسن خليفة. واعتمد ديمتري عليه في القيام بمهام لاعب الوسط المدافع امام الثنائي الدولي جميل والخليوي. فبرز نور في شكل لافت، وحقق مع الاتحاد خمسة القاب محلية في غضون موسمين. وبدأ الجميع يتحدث عن نور الموهبة الاتحادية، ما حدا بمدرب المنتخب السعودي وقتها التشيخي ميلان ماتشالا الى استدعائه الى صفوف "الأخضر" للمرة الأولى في مناسبة خوض بطولة القارات الرابعة على كأس الملك فهد التي استضافتها المكسيك 1999. لكن ماتشالا لم يعط الصغير الفرصة كاملة، وعاد نور الى الاتحاد وقدم عروضاً ممتازة، ما اجبر ماتشالا على استدعائه مجدداً، وضمه الى المنتخب الذاهب الى نهائيات كأس أمم آسيا الأخيرة التي اجريت في لبنان، وهي البطولة التي شهدت مولد نور على الصعيد الدولي، حيث قدم عروضاً ممتازة في خط الوسط، وأصحاب الذاكرة القوية يعلمون افتقاد المنتخب خدمات نور في المباراة النهائية امام اليابان. وقد أثّر هذا الغياب في اداء الأخضر، ولا يمكن نسيان ما قاله مدرب المنتخب ناصر الجوهر الذي حلّ بديلاً من ماتشالا عن غياب نور. وبالحديث عن لاعبي الوسط المدافعين، فإن المنتخب السعودي قد تخصص في تقديم مجموعة كبيرة من المميزين في هذا المركز. فالجميع يتذكرون النصراوي هاشم سرور وزميله صالح المطلق والهلالي عبادي الهذلول والأهلاوي يحيى عامر وصولاً الى الشبابي أولاً والنصراوي لاحقاً فؤاد انور، ومعهم الهلالي خميس العويران وأخيراً محمد نور 23 مباراة دولية وهدفان. ويتحدث البعض عن فرص خميس العويران للعودة الى صفوف المنتخب بعد رفع الايقاف عنه، وهل سيجد مكاناً في ظل وجود محمد نور، ويبدأ البعض منهم في ذكر ميزات كل لاعب وبعضهم يرى ان نور يتوفق في الجانب الهجومي والالتحام القوي وتسجيل الأهداف واللعب الطولي، على عكس العويران الذي يفضل اللعب العرضي واجادة تغطية المناطق الخلفية بكل اقتدار. ويعتقد النقاد ان الأفضل هو الاعتماد عليهما سوياً وبذلك يقدمون اقتراحاً فيه الكثير من الصحة لمدرب المنتخب السعودي اليوغوسلافي سلوبودان سانتراتش. مطلب وفي ضوء البروز والتألق اللذين حققهما محمد نور، سلطت عليه الأضواء واتجهت اليه الأنظار، لكنه يرفض كل العروض "لن اترك الاتحاد الى غيره من الأندية المحلية، الاتحاد يتفوق في أشياء اخرى، واذا غادرت الاتحاد فستكون محطتي المقبلة خارج السعودية، وأنا لا انكر أنني أفضل اللعب خارج المملكة والبحث عن عالم جديد وتأمين المستقبل". واذا كان نور متمسكاً بفريقه فإن الاتحاديين ادارة وجماهير ولاعبين يستميتون للاحتفاظ بجوهرتهم، وعملت ادارة النادي على تجديد عقده للسنوات الأربع المقبلة وقد انقضت منها سنة واحدة. مزايا وعيوب ويمتاز الاخطبوط الاتحادي 74 كلغ و81.1م بإجادته الأدوار الدفاعية والهجومية واللياقة البدنية العالية وقوة التسديد ومهارة المراوغة والتجاوز، وقدرته العالية على تخليص الكرات من المنافسين في شكل ممتاز. وحول هذه الميزة تحديداً يقول احد المتابعين لأداء نور "لم أشاهد لاعباً تغلب على نور في أي منازلة ثنائية على الكرة، انه يمتلك قدرة عجيبة على الجري والتحكم بمسار جسمه ومن الصعب اسقاطه على الأرض"، لكن الاحتفاظ بالكرات في أوقات تستدعي التمرير السريع يعيب اداءه، كما ان رأسه "معطلة" تماماً ولا يجيد تسجيل الأهداف بواسطتها، وتغلب عليه النرفزة العصبية. أيام حلوة وتبدو الأيام الحلوة اكثر من نظيراتها السيئة عند محمد نور، فهو لا ينسى هدف التعادل الذي سجله في مرمى ايلهو تشونما الكوري في نهائي كأس الكؤوس الآسيوية 1998، وهدف التعادل امام الاستقلال الايراني في طهران 1999، خلال الدور ربع النهائي من كأس الكؤوس الآسيوية وهو الذي نقل الاتحاد الى الدور التالي، وهدفه في مرمى الأهلي في الدور قبل النهائي وعنه يقول "له طعم خاص في مرمى منافسنا التقليدي، ولأنه جاء في وقت أعيش اضطراباً بسبب احتجاج الأهلي على مشاركتي قبل المباراة".