القيادة تعزي ملك مملكة البحرين    أمير الرياض يتفقد المجمعة ويدشّن مشروعات تنموية    السعودية تعزز شراكتها الإستراتيجية مع المملكة المتحدة في مجال الحكومة الرقمية    رسمياً .. الهلال بطلاً لدوري روشن    ضبط 19710 مخالفين للإقامة والعمل وأمن الحدود    وصول المنتخب السعودي للعلوم إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    لولوة الفيصل ترعى حفل جائزة الشيخ محمد بن صالح بأربعين فائزاً وفائزةً في دورتها ال18    طلاب وطالبات تعليم الطائف يؤدون غدًا اختبارات "نافس"    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    إسرائيل تجبر عشرات الآلاف على النزوح في رفح    الأفكار المولدة للسلوك أصلها ديني    علاج جيني يعيد لطفلة صماء السمع    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الحزم وتحقيق لقب دوري روشن    الهاجري يتوج «الرياض» بكأس كرة الطائرة من الجلوس    رابطة العالم الإسلامي تدشّن «مجلس علماء آسْيان»    الجوف: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    «سدايا».. تقدم خدمات تقنية وممكنات رقمية ضمن مبادرة طريق مكة لعام 1445ه    محامي: في هذه الحالة يمكن لمطعم همبرقيني مقاضاة الشركة المصنعة للمايونيز المتسمم    بتوجيهات ولي العهد.. الدبلوماسية السعودية تنتصر لفلسطين    دعم وتطوير العلاقات بين المملكة وغانا    إختتام مهرجان المنتجات الزراعية الثآلث في ضباء بعد 4 أيام    ارتفاع عدد قتلى الفيضانات في جنوب البرازيل إلى 136    الأمن العام يدعو لتجنب الإعلانات المضللة بمواقع التواصل    كريسبو مدرب العين واثق من الفوز بدوري أبطال آسيا رغم الخسارة باليابان    جفارديول يقود سيتي للصدارة بفوز كبير برباعية على فولهام    الصومال والسعودية.. توافق الرؤى ومتانة العلاقات    "الوطنية للإسكان" و"طلعت مصطفى" تضعان حجر أساس "مدينة بنان"    الأمير سعود بن نهار يدشن أكبر مجمع "قرآني تعليمي نسائي "على مستوى المملكة    محافظ جدة يشرف أفراح الغامدي    أروقة الشعر بين علم الاجتماع والنفس    المياه الوطنية تُكمل الاختبارات التشغيلية لمخطط درب الحرمين بجدة    الأرض تشهد أقوى عاصفة مغناطسية منذ 21 سنة    جازان تسجّل أعلى كمية أمطار ب 55.1 ملم في سد بيش    "رئاسة الشوون الدينية" تستقبل طلائع الحجاج بالهدايا    تعليم عسير يُعرّف ب«نافس» تعليمياً ومحلياً.. و8 ميداليات ومركزان في الأولمبياد الوطني للتاريخ    99% من مسكنات الألم بها مواد مخدرة    التدريب التقني والمهني" ينظم معرض "مبتكرون 2024" بالشرقية غداً    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    تدشين خدمة الرعاية الطبية المنزلية بمدينة الجبيل الصناعية    الجامعة العربية: القمة العربية تنعقد في ظرف استثنائي    جدة تشهد الملتقى التدريبي لفورمولا1 للمدارس    الفياض: نستثمر في التكنولوجيا لمعالجة التحديات الصحية العالمية    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    حظر الأظافر والرموش الصناعية بالمطاعم ومتاجر الأغذية    "الصحة" توضح الوقت المسموح للجلوس أمام الشاشات    مدير ناسا يزور السعودية لبحث التعاون الفضائي    العطاوي: سنكمل نجاحات غرفة الرياض التجارية ونواكب المرحلة وتطلعات القيادة    جمعية الرواد الشبابية تنظم دورة "فن التصوير" في جازان    الهلال ينهي تحضيراته للحزم    وزير الشؤون الإسلامية يدشن المنصة الدعوية الرقمية في جازان    رومارينهو: الخسارة بهذه النتيجة شيء ⁠محزن .. و⁠⁠سعيد بالفترة التي قضيتها في الاتحاد    «سلمان للإغاثة» ينتزع 719 لغماً عبر مشروع "مسام" في اليمن خلال أسبوع    سورية: مقتل «داعشي» حاول تفجير نفسه في السويداء    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    القيادة تعزي رئيس البرازيل إثر الفيضانات وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص الصيف - قرش ممسوح
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 2009

وقف أمام المرآة في غرفة الملابس يفحص هندامه. خلع رباط العنق وأعطاه للخادم المنتظر وراءه. قال «يا جعفر تُوجد علبة على المنضدة إلى جوار النافذة. اخرج منها رباط العنق الموجود فيها وأحضره لي».
عاد إلى فحص نفسه في المرآة. «لا بأس. قوامه لم ينحن على رغم اقترابه من الخامسة والستين، لكن لا بد أن يُعاود السير على قدميه في شوارع الضاحية. وزنه زاد قليلاً. أخذ رباط العنق من يد الخادم الممدودة، وأدخله تحت ياقة القميص. تأمل لونه الفيروزي اللامع. قالت «عبير» إنه سيصنع «كونتراست» مع نسيج ستراته الداكنة. «الكرافتات» الزاهية اللون أصبحت موضة. ألم يُلاحظ أن مذيعي قناة «الجزيرة» صاروا يرتدونها، وأن «كرافتات» أوباما أصبحت هى أيضاً زاهية؟ تضحك: «الأزمة جعلت الحياة قاتمة، فقرروا أن يرتدوا أربطة العنق الزاهية». لم يُعلق. وضع الملفات في حقيبة اليد، وهبط على السلالم إلى السيارة المنتظرة في الحديقة.
كان طريق المحور مزدحماً بالسيارات كعادته في هذه الساعة من النهار. أطل من النافذة على الحقول. خطر في باله أنها ستتحول إلى كتل من الحجر، ثم خطر له أنه مع الأزمة ستنحسر حركة البناء. تُرى من أين تستقي كلامها؟ نحى الجريدة جانباً. سأله السائق: «أفتح الراديو يا بيه؟». لا بد أنه يفحصه في المرآة. تجاهل السؤال. قال: «إنتبه للطريق»، ونظر إلى ساعته. إذا وصل الوزير قبله لن يفوت اليوم على خير. لماذا يهمه مزاج الوزير؟! سار شوطاً بعيداً في الحياة. وكيل الوزارة الأول، ومستشار لشركات عدة. عندما يخرج على المعاش ستنهال عليه العروض. زواجه من عبير أضفى على حياته رونقاً افتقده مع أم الأولاد، الله يرحمها، فلماذا هذا الضيق؟ لماذا تُطارده صورة ذلك الرجل النحيل الذي أحرقته شمس الصحراء؟
بالأمس دخل عليه مدير مكتبه وأبلغه أن هناك شخصاً يُريد مقابلته. سأله: «هل تحدد له موعد؟» فقال: «لا». إذن تخلص منه. قال المدير أن هذا هو ما حاوله لكن الرجل ظل جالساً، ورفض أن يتزحزح من مكانه. يقول إنه كان زميل حضرتك في الجامعة، وأنكما تخرجتما في السنة ذاتها. سأله عن اسمه فأجاب المدير: «عزت المرشدي».
تذكره على الفور؟ الشاب الأسمر النحيل الذي جاء من الصعيد. ظل يُعطّش الجيم على رغم سنين قضاها في العاصمة. إذا تكلم بدا عليه الخجل. وجهه رغم السمار كان نضراً كأن الغيطان غذته بهوائها. أحياناً كان يجلس في المدرج إلى جواره، مع ذلك لم يتحدثا إلا نادراً. في مرة سأله عن مصطلح. كان متقدماً في الدراسة فعُين مدرساً، لكن بعد سنة اختفى. قال البعض إنه سافر إلى الخارج مع امرأة إيطالية أحبها، وقال آخرون إنه قُبض عليه في قضية سياسية وأُرسل إلى المعتقل، وأضاف عالمون ببواطن الأمور أنه تمكن من الهرب. انضم إلى قافلة سلكت «طريق الأربعين» إلى السودان، وبعد ذلك ليس من المعروف إلى أين ذهب.
تأمل ملامح المدير احتقنت من الغضب وقال: «ادخله». بعد قليل اصطحبه المدير إلى الغرفة وتركهما. إنهمكا في الحديث عن أشياء مضت، فمر الوقت من دون أن يشعر به. تنبه فقط عندما سمع نقراً على الباب. دخل المدير وأبلغه أن الساعة قاربتْ على العاشرة فأذن له بالإنصراف، واستمرا جالسيْن في الملحق تُطل نافذته على «جزيرة الذهب». أثناء الحديث اتصل بزوجته «عبير» وأبلغها أنه سيتأخر في العمل.
عندما عاد إلى المنزل كانت ساعة الصالة تدق الثانية والنصف. لم يُرد أن يُوقظها فرقد على أريكة في غرفة المكتب. في الصباح وهما يتناولان طعام الإفطار سألته عما جرى في الليلة السابقة. عبرت عن انزعاجها لتأخره في العودة إلى المنزل، وعن دهشتها لنومه في حجرة المكتب بدلاً من أن يرقد إلى جوارها.
قال: «زارني زميل كان معي في الكلية اسمه عزت المرشدي. عاش حياة غير عادية. ظل يحكي لي ذكرياته إلى ساعة متأخرة. سأحكي لك قصته عندما أعود في المساء، فلا بد أن أتوجه الآن إلى العمل».
قالت: «لا بد أن الحديث كان شيقاً حتى تسمع له طوال هذه الساعات؟»
قال: «فعلاً».
«وهل ظل يتحدث عن نفسه؟ ألم يسألك شيئاً عن حياتك أنت؟»
«سألني».
«وماذا قلت؟»
ظل صامتاً ينظر أمامه، فكررت سؤالها. قال:
«لا شيء.. أحسست أن ليس لدي ما أقوله له .. أنني كالقرش الممسوح».
روائي مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.