على رغم محاولة نادي الدمام الأدبي استقطاب الشباب، خصوصاً رواد التقنية من شبكات التواصل الاجتماعي ك«فيس بوك» و«تويتر» عبر استضافة أحدهم كمحاضر يحاكي فكرهم، إلا أنهم فشلوا وللندوة الثانية على التوالي أن يتجاوزا مشكلة تقنية وهي مشكلة الصوت، إذ تم تأخير المحاضرة خمس وأربعين دقيقة على أمل إصلاح الصوت، وبعد محاولات عدة من أجل تلافي هذه المشكلة اضطر المحاضر أن يتحدث بصوت مرتفع ومن دون أن تسمعه القاعة النسائية، حتى جاء الفرج متأخراً ولكن ظلت مشكلة التشويش مستمرة في ظل استخدام لاقط وحيد للضيف والمقدم والجمهور أيضا! وهذا بدوره أثار سخط الحضور وطالبوا النادي بالاستعداد بشكل جيد في المرات المقبلة. والمحاضرة والتي أقيمت مساء الاثنين الماضي، بعنوان «قصة الحداثة من الغرب إلى الشرق» لمصطفى الحسن، والتي قدمها الزميل عبدالوهاب العريض استهلت بسرد تاريخي عن الحداثة، إذ ذكر المحاضر «أن الحداثة كمصطلح لم تظهر إلا في القرن 19 وهي وصف زمني للقرون الخمسة الأخيرة، وهي خليط سبب لدينا التباساً نحن كمتلقين، فأصبحت الحداثة الغريبة رأسمالية واشتراكية واستعمار للشعوب وهي أيضاً حقوق الإنسان، أي هي خطوط متقاطعة ومتشابكة مع بعضها البعض وهذا يجعل فكرة استخراج نموذج واحد للحكم على الحداثة أمراً صعباً وقد يكون مستحيلاً». ثم أورد المصطلح عبر فهم الكتب العربية له فقال: «تأخذ أكثر من معنى، فمن ضمن هذه المعاني، العلمانية والديموقراطية وطلب الجديد والعقلنة وقطع الصلة مع التراث. وهذا الفهم الأخير هو ما سأبني عليه ورقتي». وقال: «فأوروبا عندما قامت بها الحداثة أوجدت هذا الأمر وهو الانقطاع عن التراث، وذلك من خلال أخذهم أجزاء من التراث وترك أجزاء منه، علماً بأن كل أمة لها تاريخ لا تستطيع الانفكاك عنه، فالترك بالكامل معدوم الحدوث». ويضيف: «ولكن من ضمن المشكلات التي قد تواجهك بعد هذه القطيعة هي عدم قدرتك على القفز إلى التراث مباشرة إلا عبر وسيط، وهو قام بدوره بعملية انتقاء للتراث، وبالتالي كأنه امتلك التراث كما حدث مع أوروبا عندما انتقلت إلى اليونانية». ويستشف الحسن من نتائج هذه القطيعة «قمع الشعوب معرفياً وكذلك عنصرياً، بحيث ارتبطت المعرفة بما تم انتقاؤه للناس وأفرز ذلك عنصرية جعلت من الأوروبيين ينسبون لأنفسهم كل الاجتهادات والابتكارات العلمية والفكرية والفلسفية، حتى انهم نسفوا التاريخ القديم بأكمله، وقالوا ان أول متأمل، أي فيلسوف، كان هو طالس المالطي ثم الثلاثي المشهور سقراط وأرسطو وأفلاطون». وتطرق الحسن إلى الحداثة العربية، وذكر أنها نقلت لنا في البداية عبر صدمة حضارية، «كذلك حينما جاء نابليون إلى مصر حاملا معه إرثاً ثقافياً متجاوزاً للوضع المصري آنذاك، وهذا جعل المثقفين وقتها يسألون سؤالهم الشهير كيف ننهض؟ وتمخض عن هذا السؤال إرسال البعثات والعمل على قيام نهضة توازي ما رأوه، ولكن ظلت مشكلة توطين الحضارة الغربية في عمق شرقي أمراً مقلقاً وسبباً من أسباب تأخر هذه النقلة النوعية والفكرية، لذلك ترتب على ذلك انقلاب دور المستشرقين من معرفة الإسلام إلى تصحيح مفهوم الإسلام لدى أهله، عبر آليات جديدة تتعامل مع النصوص وفق الأدوات الغربية». وذكر المحاضر أن من عيوب الحداثة العربية «هو فوضويتها واهتمامها بالجزيئات، لذلك هي تعاني من التعميم والإقصاء، ناهيك عن أنها مستسلمة للبطء المعرفي، ما اخر مواضيع كثيرة كان لها أن تنحل في سنة واحدة، فأصبح حلها متوقفاً عشرات السنين». كما وصف الحداثة السعودية بأنها «حداثة أدبية غير مثقلة بالأيديولوجيا لذلك هي ليست قريبة من الهموم الفلسفية، وعليه نجدها أنها لم تترك أثراً عميقاً في المجتمع».