في منطقة يوسمتي في كاليفورنيا، في أقصى الغرب الأميركي، وعلى ارتفاع خمسة آلاف قدم، تم اكتشاف أكبر أشجار عملاقة في منطقة تعتبر اليوم من ضمن أهم المعالم السياحية في كاليفورنيا. هذه الأشجار يبلغ عمر أقدمها ثلاثة آلاف سنة. وحين شاهدت أول شجرة عملاقة يبلغ عمرها ألفاً وسبعمائة سنة عرفت لماذا وقعت الأشجار الكبيرة في شرك الأساطير وتلبست بالحكايات الخرافية، وبلغت عند بعض الجماعات الإنسانية مقاماً مقدساً. فهذه الأشجار العملاقة تنشر في قلب متأملها شعوراً بأمومة عظيمة، وتوحي ضخامتها بالعظمة، وبحكمة تراكمت فوق جذعها المتين، الذي ظل شاهداً على طول عمر هذا العالم الغامض. الشجرة الأخرى كان عمرها 2030، وأطول عمر عاشته واحدة من هذه الأشجار لكنها ماتت، كان 3020 عاماً، أي مئة وستين جيلاً، وأعجب مشهد هو رؤية ذلك النُّسْغُ الأحمر الصمغي الذي يشبه الدم، يصبُّ من جذع شجرة مُصابة بقطع في بطن جذعها وأخذت تتعافى ستشاهد على أرض الغابات والأشجار العملاقة آثار الحرائق التي تشب بين الحين والآخر، وتأكل بعض الأشجار، وينجو منها الكثير. بعضها تُصاب في القلب لكنها تبقى قائمة وحية. واحدة من هذه الأشجار أصبح جذعها المحترق والحي مثل «تلسكوب»، تستطيع أن تنظر من قلبها للسماء. وأخرى فتحت الحرائق في جذعها هوة تستطيع أن تمر عبرها سيارة. هذه الأشجار العملاقة لها قصة جميلة فمكتشفها هو مهاجر كندي جاء مع الوفود التي جاءت تبحث عن الذهب في كاليفورنيا قبل نهاية القرن التاسع عشر. وكان يسمع عن إشاعات بوجود أشجار ضخمة، لكنها كانت مجرد إشاعات. وأصيب هذا الكندي بمرض، وقرر الأطباء أنه سيموت بعد ستة أشهر، فقرّر أن يسافر ويجول في هذه الستة الأشهر الباقية ليكتشف سر الأشجار العملاقة. وقد اكتشف عدداً منها وسميت واحدة باسمه، وحفر قبراً بجانب أحدها، وقرر أن يدفن بجانبها. المفارقة أنه لم يمت، بل عاش حتى بلغ ال 96. السياح يزورون هذه المنطقة من كل مكان، من الشرق الأقصى، ومن أوروبا، ومن الأميركيتين الشمالية والجنوبية، لأن هذه الأشجار لا توجد ولا تعيش بهذا العمر سوى في هذا المكان. ولا أحد يعرف لماذا، ولماذا شجرة تطول أكثر من شجرة، مثلها مثل البشر؟ لتصل لهذا المنطقة تحتاج للسفر ست ساعات بالسيارة من لوس أنجليس. وعلى رغم هذا لن تجد مكاناً شاغراً في الفنادق والبيوت القريبة منها. وحين هبطنا من هذه الجبال، وكان يوم سبت، أي عطلة أسبوعية، كان الشارع الصاعد مصطكاً بالسيارات. أتساءل - وأنا أشاهد هذا الإجماع العالمي على تقدير التاريخ وآثار الحضارات والجمال والحياة، والتي لم تكتشف إلا قبل 100 عام فقط - كم من الآثار في العالم تنام تحت أرض الجزيرة العربية التي تسرب لنا بعض الفرق الأجنبية أخبار اكتشافات بسيطة فيها، ولماذا هذه القطيعة مع الحضارات القديمة التي قامت على أرضنا ومكامنها التاريخية وأبعادها الثقافية؟ أسئلة يبعثها الجمال عادة، والحلم بأن يصبح لك أنت أيضاً على أرضك حلماً مثل بقية البشر. [email protected]