قد تُحاطُ بِقَرابةٍ تتشابهُ بها الأسماءُ أكثرَ ممّا تتشابهُ الأرواحُ. هو الدمُّ ذاته، ولكنَّ الرّوحَ بعيدةٌ. كثيرًا من الإخوةِ يجيئون قَدَرًا؛ تُفرَضُ مرافقتُهم كما يُفرَضُ الاسمُ والملامحُ. أمّا الأصدقاءُ فنُصافِحُهم بالاختيار، نُنقِّيهم من غبارِ الطريقِ، فنجدُ فيهم صورةً صادقةً لنا، ظلًّا نطمئنُّ إليه، ولهذا يحدثُ أن يكون الصديقُ أبرَّ من أخٍ، وأقربَ إلى الروحِ ممّن تربطُنا بهم صِلةُ الدمِ. الوحدة في هذه الحياة ليست في ألّا يكون لك أخٌ، ولكنَّ الوحدة التي لا تُشبه سواها أن يخلو البيتُ من ضحكةِ طفلٍ تدوّي فيه، أو نداءِ صغيرٍ يوقظُ في الأشياءِ معناها.. الأبناءُ ليسوا فقط لحديثِ "الامتداد" ولا لحسابِ "نسبٍ" باردٍ. الأبناءُ بسماتٌ للروحِ، حُبٌّ بلا شروطٍ، بسمةٌ من ثغرِ طفلٍ تتسبّبُ في إضاءةٍ تملأُ المكانَ، هم رائحةُ الصباحِ حين تُفتِّشُ الحياةُ عن سببٍ لتُشرقَ، وهم اليدُ الصغيرةُ التي تُصالِحُ العالمَ مع قسوتِه. ليس خوفًا من عزلةِ المجالسِ، بل شوقًا إلى بسمةٍ تُعيدُ ترتيبَ المعنى، إلى حُبٍّ يُقيمُ في البيتِ، إلى ضحكةٍ تُشفي بها الذاكرةُ. هم البراءةُ التي لا تَشيبُ، وهم النداءُ الذي يُبقي الروحَ يقِظةً. هم الدرسُ الأوّلُ في معنى التضحيةِ، والفَرحُ الذي يُداوي الجروحَ. هم الصدى الذي لا يَخبو، والظلُّ الذي يَبقى حتّى بعد غيابِ الجسدِ. فإذا حُرِمَ القلبُ منهم، بقي فردًا مهما ازدحمَ حولهُ الناسُ، ومهما امتلأت الغرفُ بالأصواتِ. الأبناءُ هم الحُلمُ الذي يصيرُ لحمًا ودمًا، هم الزهرُ الذي ينبتُ في تُربةِ العُمرِ فيمنحُه خُضرةً لا تذبلُ. ومن أجلِهم، يرفعُ العبدُ صوتَهُ بالدعاءِ، أن يرزقَه الله تلك البسمةَ، وتلك اللذّةَ، وتلك الروحَ التي تجعلُ للحياةِ معنًى لا ينقطعُ. وحين تشتدُّ الحاجةُ إلى هذا النورِ، يَهمسُ القلبُ بما دعا به نبيُّ الله زكريا عليه السلام، قال تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ (سورة الأنبياء، الآية 89) الأطفالُ هم الزهرةُ التي تتفتّحُ في حدائقِ العُمرِ، ونعمةٌ لا تَخبو بمرورِ الأيّامِ؛ فلنصُن براءتَهم، ونغمرهم بالرّحمةِ، فهم الهديّةُ التي تُضيءُ حياتَنا من ربٍّ كريمٍ. بقلم/ حصة الزهراني ماجستير في العلاقات العامّة والاتصال المؤسّسي