تتشابك ملامح التوتر في الأراضي الفلسطينية بين مشهدين متوازيين: اشتداد الاعتداءات الاستيطانية في الضفة الغربية خلال موسم قطف الزيتون، وتواصل تداعيات الحرب في غزة مع اقتراب إسرائيل من استلام ما يُعتقد أنه آخر رفات رهائن اختطفوا في هجوم عام 2023. وهذا التداخل بين الميدانين يعكس حالة سيولة أمنية تتسع رقعتها، ويثير المخاوف من أن تؤدي الأحداث إلى تقويض أي هدنة هشة أو فرص لخفض التصعيد. ملف الرهائن وأعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تلقت «بقايا» من الصليب الأحمر يُعتقد أنها تعود لرهائن اختُطفوا في هجوم السابع من أكتوبر2023، تمهيدًا لنقلها إلى الفحوصات الجنائية. وتأتي هذه الخطوة ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار الذي أدى منذ منتصف أكتوبر إلى استعادة رفات 26 رهينة. وتفيد تقارير فلسطينية بأن الآثار عُثر عليها في بلدة بيت لاهيا شمال غزة. وفي موازاة ذلك، تواصلت أعمال القتل في القطاع. إذ أعلنت مستشفى ناصر في خان يونس مقتل مصوّر فلسطيني إثر غارة لطائرة إسرائيلية من دون طيار. كما أصيب فلسطيني آخر شرق البريج. ومنذ وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر، أعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل أكثر من 350 فلسطينيًا، بينما لا يصدر الجيش الإسرائيلي تعليقات فورية على غالبية هذه الوقائع، مكتفيًا بتأكيد أن إطلاق النار يأتي غالبًا بعد استهداف قواته. اتساع الهجمات وعلى جانب آخر، واصل الجيش الإسرائيلي عملياته في الضفة الغربية، معلنًا مقتل فلسطينيين اثنين قالت قواته إنهما نفذا هجمات أو حاولا دهس جنود. وسُجّل مقتل شابين أحدهما يبلغ 18 عامًا من شمال رام الله والآخر 17 عامًا من الخليل. وهذه العمليات تأتي في ظل تصاعد العنف في الضفة منذ عام 2023، إذ يقول الفلسطينيون إن عشرات المدنيين، بينهم راشقو حجارة ومتظاهرون غير مسلحين، قُتلوا خلال العامين الماضيين. وفي الأسابيع الأخيرة، نفّذ المستوطنون سلسلة هجمات شبه يومية على القرى الفلسطينية. نابلس والعقبة وفي سياق موازٍ، هدمت القوات الإسرائيلية منزل عائلة عبد الكريم صنوبر في نابلس بزعم ضلوعه في زرع عبوات ناسفة. كما جرى هدم منزل آخر في بلدة العقبة يعود لفلسطيني متهم بتنفيذ عملية إطلاق نار. وتقدّم إسرائيل هذه الإجراءات باعتبارها وسيلة ردعية، لكن فلسطينيين ومنظمات حقوقية يعتبرونها شكلًا من أشكال العقاب الجماعي. الحدود الشمالية وامتد التوتر إلى جبهات أخرى، حيث شن الجيش الإسرائيلي جولة جديدة من الضربات في جنوبلبنان، متهمًا حزب الله بعدم الالتزام بشروط وقف النار الذي توسّطت فيه واشنطن العام الماضي. وفي سوريا، قُتل 13 شخصًا في غارة إسرائيلية على قرية سورية يوم الجمعة الماضي. ويواصل المسؤولون الإسرائيليون المطالبة بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. كمائن المستوطنين وفي الضفة الغربية، يتصاعد الخوف في القرى القريبة من البؤر الاستيطانية مثل ترمسعيا. ويقول المزارعون إن المستوطنين يستغلون تضاريس الوادي لمهاجمتهم أو نصب كمائن لهم أثناء قطاف الزيتون. ويشير سكان القرية إلى أن الهجمات أصبحت شبه يومية منذ إنشاء بؤرة «عيميك شيلو» هذا العام على أراضٍ فلسطينية خاصة، وفق منظمة «السلام الآن». ويقول المحامي والمزارع ياسر علقم إن القرويين يُهاجَمون فجأة من مستوطنين مسلحين «يتجمعون خلال دقائق ويختبئون بين الأشجار». ويؤكد أنه بات يخشى دخول حقوله، بعدما شهد مستوطنًا يعتدي على امرأة فلسطينية حتى فقدت وعيها. الاعتداء على مسنة وفي حادثة شكّلت صدمة واسعة، تعرضت الجدة عفاف أبو عليا، 55 عامًا، لاعتداء عنيف أثناء قطاف الزيتون، حيث ضُربت بهراوة مسننة، ما استدعى خضوعها للعلاج وإجراء عشرين غرزة في رأسها. ووفق تسجيلات مصوّرة، استمر الضرب رغم سقوطها أرضًا. وخلافًا للنهج التقليدي، وجّهت محكمة إسرائيلية تهمة الإرهاب إلى مستوطن يُدعى أرييل دهاري على خلفية الاعتداء. إلا أن منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية تقول إن هذه الحالات تبقى استثناءً، مشيرةً إلى أن 94 % من ملفات عنف المستوطنين تُغلق دون توجيه اتهامات. البؤر الاستيطانية ويمثل إنشاء بؤرة «عيميك شيلو» نقطة تحول إضافية في فرض السيطرة على الوادي المحيط بترمسعيا. ويقول سكان إن المستوطن عميشاف ميليت، الذي يظهر في مقاطع مصورة وهو يطلب من المزارعين المغادرة «بصفته الجيش»، يجوب المنطقة مسلحًا ويراقب الأراضي القريبة. وتحوّلت البؤرة إلى مركز لنشاط مجموعات المستوطنين الذين يشنون هجمات أو يمنعون المزارعين من الوصول إلى أراضيهم. ووفق شهادات أهالي القرية، تضرر سكان مثل عبد الناصر عواد الذي اضطر لإيقاف بناء منزله بعد استهداف موقع العمل وتكسير معداته. كما رصدت طائرات مسيّرة تحركات المستوطنين في المنطقة، وسط غياب تدخل فعّال من السلطات الإسرائيلية. الدفاع الذاتي وردًا على الهجمات، فعّلت القرى صفارات إنذار داخلية خلال موسم الزيتون، ليتجمع السكان سريعًا في مداخل القرى لتأمين العائلات. كما نشر كثيرون كاميرات في الحقول لتوثيق الاعتداءات، في محاولة لخلق رادع قانوني أو إعلامي. تعديات المستوطنين في موسم الزيتون: • تسجيل معدل ثماني هجمات يوميًا خلال أكتوبر. • توثيق ما لا يقل عن 136 هجومًا حتى 24 نوفمبر. • تدمير مساحات زراعية واقتلاع أشجار. • اعتداءات جسدية مباشرة على المزارعين. • استخدام طائرات مسيّرة لمراقبة الأراضي. • توسع البؤر الاستيطانية فوق أراضٍ فلسطينية خاصة.