كنا باستمرار عندما ترحل قامات سياسية دبلوماسية عربية، وبالذات الذين لهم بصمات في صفحات التاريخ العربي المخضرَم، ومِن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الأمير سعود الفيصل، وشارل مالك، ومحمود فوزي، ومحمد أحمد محجوب، ومحمود فوزي، نتمنى لو أن هؤلاء كتبوا قبْل رحيلهم، على نحو ما فعل محمود رياض، مذكراتهم ونشروها في كُتب، وبذلك يتركون للأجيال ما يفيد من حيث توضيح التباسات كثيرة، والإضاءة على مواقف كانوا فيها مِقْدامين سواء في المحيط العربي، مثل «اتفاق الطائف»، أو في المشاورات الأممية. مِن هنا خيراً فعَل الشيخ جميل الحجيلان عندما كتب القليل من الكثير عن مسيرته الأمينية (مجلس التعاون الخليجي) بعد الوزارية (حقيبة الإعلام)، وبينهما الواجب الدبلوماسي بصفته سفيراً للمملكة لدى دولة الكويت. في السياق نفسه، يدوِّن الدكتور علي عوَّاض عسيري سفير المملكة في أكثر دولتيْن مرهقتيْن لمن يمثِّل بلاده سفيراً فيهما، بعض ذكرياته عن باكستان، وذلك لكثرة التعقيدات المجتمعية والنزاعات السياسية المغلَّفة أحياناً بالمذهبية، فضلاً عن أزمات جوارية تترك تداعياتها على ما يتمناه الشعب من حاكميه. بداية شغَل علي عوَّاض عسيري الواجب الدبلوماسي سفيراً لدى باكستان، ثم تشاء موجبات الحضور الدبلوماسي في لبنان الذي يعيش وضعاً سياسياً بالغ التعقيد كما الحال في باكستان، تعيينه سفيراً لدى لبنان الذي من خلال خبرة سنواته الباكستانية (منذ 2001 إلى 2009) يحاول رتْق ثوب المجتمع السياسي - الحزبي - الطوائفي في لبنان. ولقد بذل في سنواته اللبنانية من المحاولات ما تستحق الإضاءة عليها. وهو افتراضاً سيفعل ما دام دوَّن في كتابه الصادر قبْل أيام وعنوانه «السعودية وباكستان علاقات راسخة في عالم متغيِّر»، وعلى نحو ما سبق من جانب الأمير تركي الفيصل (رئيس المخابرات السعودية الأسبق والسفير الأسبق لدى الولاياتالمتحدة وبريطانيا) تصنيفها (أي العلاقات) بعبارة «ربما تكون إحدى أوثق العلاقات في العالم بين بلديْن دون وجود أي معاهدة رسمية بينهما». وهي عبارة توَّج علي عسيري بها مقدمة كتابه مصنِّفاً العبارة بأنها «أفضل وصْف للعلاقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية». وفي تركيزه على تجربة الأمير محمد بن سلمان يقول في هذا الصدد: «تؤكد رؤية الأمير محمد أن المحرِك الأساسي لسياسة المملكة الخارجية هو ضمان الرخاء المستدام للشعب السعودي، والازدهار والاستقرار للمنطقة، والتوصل للمصالحات وحل الصراعات في الشرق الأوسط، وتتلاقى هنا بمبدأ السياسة الخارجية الباكستانية القائم على إعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات مع الدول الإسلامية»، كما يشير إلى أن «التحالف الاستراتيجي بين المملكة وباكستان شهد تطوراً ونجاحاً كبيراً منذ التسعينات. دائماً هناك رؤى جديدة وتواصُل وتنسيق أحياناً وزيارات متبادَلة». يبقى القول إن كثيرين من جيل الدبلوماسية المعاصرة والتي تليها سيعرفون الكثير من خلال كتاب علي عسيري «السعودية وباكستان» الذي توَّج غلافه بصورة لقاء تاريخي شهده قصر «المربع» في الرياض بين الملك عبد العزيز والرئيس الأسبق لباكستان غلام محمد أثناء زيارته المملكة عام 1953، وهو لقاء من حيث المبادِر الباكستاني بمثل المبادِر الرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت الذي حرص على الاجتماع والتحادث مع الملك عبد العزيز على ظهر طرَّاد في البحيرات المرة يوم 15 فبراير (شباط) 1945، والكثير عن باكستان الذراع الإسلامية غير العربية الأكثر متانة تجاه قضايا الأمة، وفي صدارة هذه القضايا المصير المتأرجَح، والأخذ به للمسألة الأساسية التي هي «الدولة الفلسطينية». وما يلفت الانتباه في هذا الكتاب الذي يجمع بين المذكرات والبحث السياسي أن مؤلفه استند أيضاً في 15 صفحة بالإنجليزية إلى مراجع وأبحاث، وبذلك يحفِّز الباكستاني وغيره من المهتمين أو الفاعلين في سياسة الثنائي العربي - الإسلامي (السعودية وباكستان) على معرفة كُنه أواصر علاقة غير مسبوقة الحدوث بهذه الاستمرارية والتطوير، وبما يحقق للأمتين مع الوقت الأماني المؤجَّلة وهي كثيرة. ويلمس القارئ باهتمام في هذا البحث - الذكرياتي للدكتور عسيري المشاعر الضميرية من جانبه للقيادة السعودية، وبالذات لتجربة الأمير محمد بن سلمان الذي أعطى حديثاً العلاقة بين المملكة وباكستان مزيداً من الصلابة، ويقول في هذا الصدد إن «(رؤية 2030) تتسق مع تركيزها على التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة اتساقاً جيداً مع المصالح الاقتصادية الحالية مع باكستان». كما أن موقع باكستان الاستراتيجي، ومشاركتها في «الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني» يعززان العلاقات المشتركة. ويلمس عسيري حالة فريدة في العلاقة بين السعودية وباكستان يوجزها بالقول: «تتبدل الحكومات بشكل مفاجئ وتتكاثر. في هذه الحالة يهم السعودية أمر باكستان، خصوصاً أن رئيس الحكومة البديل يحافظ على ما سبق، إضافة إلى تمتين الأواصر مع المملكة». وأما محمد نواز شريف الذي شغل منصب رئيس الحكومة الباكستانية ثلاث دورات، فإنه في تقديمه لكتاب صديق باكستان علي عواض عسيري قال في تقديمه: «كانت السعودية هي مَن أنقذت باكستان من الآثار المدمرة للعقوبات الاقتصادية بعدما اتخذت حكومتي الثانية خطوة جريئة لجعْل باكستان القوة النووية الأُولى في العالم الإسلامي...». وهكذا نلاحظ مسحة ضميرية وفائية في كلام الاثنيْن: علي عسيري ونواز شريف. من الشرق الاوسط