مكتبة إثراء تصنع بيئة معرفية متكاملة ميل متزايد للنصوص العميقة والتحليلية القراءة ليست هواية، بل طريقة لرؤية العالم توصيةٌ بطباعةِ المحاضرة ونشرِها لتعميم الفائدة بمضامِينها يختتم مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) السبت القادم النسخة العاشرة من مسابقة أقرأ، والتي تُعد من أكبر البرامج الثقافية على مستوى العالم العربي، وهي إحدى مخرجات مكتبة إثراء التي نجحت في جعلها مشروعًا معرفيًا مستمرًا. ولتسليط الضوء على هذا الحدث الثقافي الكبير يشاركنا التفاصيل رئيس مكتبة إثراء عبدالله الحواس في الحوار التالي. - بعد عشر سنوات على انطلاق مسابقة أقرأ، ما الفكرة الأولى التي تأسست عليها، وما التحول الأكبر الذي مرت به؟ انطلقت أقرأ من رغبة واضحة في تحرير فعل القراءة من طابعها المدرسي. كان السؤال: كيف نعيد القارئ إلى موقع الفاعل لا المتلقي؟ مع الوقت تحولت المسابقة من مبادرة محلية إلى منصة عربية واسعة، تتشكل فيها مهارات النقد والكتابة والمناظرة لدى جيل جديد يتعامل مع الكتاب كمنطقة تفكير لا كمادة للحفظ. - تجاوز عدد المشاركين 410 آلاف. كيف تقرأ هذا الرقم من زاوية الأثر؟ الأثر لا يُقاس بالعدد وحده، بل بما يحدث لاحقًا، مثل القدرة على النقاش، وصياغة الرأي، والكتابة الواضحة، والعودة للمشهد الثقافي كمدربين أو كتّاب. هذا الامتداد هو ما يعنيني، وهو ما نراه اليوم بين خريجي المسابقة. - ما أبرز التحولات في اهتمامات الجيل القارئ؟ هناك ميل متزايد للنصوص العميقة والتحليلية، وللأسئلة المرتبطة بالهوية والمعنى والتقنية. الجيل الحالي يبحث عن نص يعرض عليه عالمًا جديدًا، أو يهزّ مسلّماته، أكثر من كونه يبحث عن كتب «مطمئنة». - كيف تشكلت بنية الورش والمناظرات والعروض الإبداعية؟ هذه البنية جاءت كتطبيق عملي لفلسفة المسابقة، القراءة التي لا تتحول إلى إنتاج موقف أو نص تبقى ناقصة، لذلك صُممت المسارات لتدريب القارئ على التفكير، الجدال، الكتابة، والقدرة على تقديم رؤيته أمام جمهور. - هل هناك تجربة بقيت في الذاكرة؟ بقيت تجارب كثيرة، لكن من اللافت أن يعود بعض المشاركين بعد سنوات ليقفوا أمام الجيل الجديد كمدربين. هذا التحول من قارئ صغير إلى صانع محتوى يمثل سلسلة معرفية نادرة في العالم العربي. - ما التحديات الأبرز في ترسيخ المسابقة؟ التحدي الأول كان تثبيت حضورها كمشروع معرفي مستمر، لا فعالية موسمية. ثم جاءت تحديات بناء فريق تدريب محترف، وضمان جودة التجربة عبر الدول، ومواكبة التحول الرقمي دون إضعاف البعد الإنساني للقراءة. - ما الذي يميز النسخة العاشرة؟ هي نسخة مراجعة واحتفال. نعيد فيها النظر إلى عشر سنوات كاملة، إلى ما تحقق وما لم يتحقق، ونقدم عروضًا وحوارات أكثر نضجًا، مع حضور عربي أوسع يعبّر عن انتشار التجربة. - كيف تتصور مستقبل أقرأ؟ نعمل على أن تصبح منصة عربية مرجعية للقراء الشباب، مع تطوير أدوات التقييم، وتوسيع المحتوى الرقمي، وبناء شبكة خريجين ذات تأثير مستمر. مكتبة إثراء ودورها - ما عناصر الحيوية التي تتميز بها مكتبة إثراء؟ لا نكتفي بالكتاب كمنتج نهائي، بل نصنع بيئة معرفية متكاملة، مثل النوادي القرائية، ومسارات كتابة، ومختبرات النقد، والفعاليات التخصصية، وبرامج تدريب ممتدة. والمكتبة فضاء للتكوين الثقافي، لا مجرد موقع لاستعارة الكتب. - كيف انعكست هذه الرؤية على الجمهور؟ تشكل مجتمع قرائي ثابت يعود للمكان باستمرار وينتقل بين مسارات متعددة. هذا التحول من «زيارة عابرة» إلى «انخراط طويل المدى» يعكس نضج التجربة وحيوية بيئتها. - كيف تتحول المكتبة إلى منصة لإنتاج المعرفة؟ عبر بنية تدريبية متماسكة مثل ورش النقد والكتابة، برامج بحثية، وقنوات تواصل مع كتّاب عالميين. الهدف أن يجد القارئ في المكتبة مكانًا يُنمّي لغته ورؤيته، لا مجرد فضاء هادئ للقراءة. - ما دور القراءة في استراتيجية المكتبة؟ هي الأساس. القراءة ليست نشاطًا تكميلًا، بل بوابة تشكيل الوعي. لذلك صممت البرامج لتجعل القراءة قيمة ثقافية واجتماعية مستدامة. الأدباء العالميون ونوبل - ما أثر استضافة كتّاب عالميين وفائزين بنوبل؟ الحضور العالمي يكسر الانغلاق ويمنح الجمهور نافذة واسعة على تجارب إنسانية متنوعة. هذا الاحتكاك يوسع خيال القارئ، ويمنح الكاتب السعودي تصورًا أدق لموقعه داخل المشهد الأدبي الدولي. - ما معايير اختيار الضيوف؟ القيمة الفكرية هي الأساس. نبحث عن أسماء تضيف رؤية جديدة للنقاش: تجارب عميقة، أسئلة إنسانية، ومقاربات أدبية تمنح الجمهور والكتّاب المحليين فرصة للنمو. - كيف تؤثر هذه اللقاءات في القارئ والكاتب السعودي؟ القارئ يكتسب منظورًا جديدًا لعالم الكتب. أما الكاتب الشاب فيتعلم من تجارب كبار الروائيين كيفية بناء اللغة وتشكيل الخيال. هي خبرة لا توفرها القراءة وحدها. - ما أثر هذه الزيارات على حضور المكتبة خارجيًا؟ ترسّخ موقع المكتبة ضمن المؤسسات الثقافية العالمية، وتجعلها وسيطًا معرفيًا بين المشهد المحلي والدولي. الرؤية المستقبلية - ما موقع أقرأ ضمن مستقبل مكتبة إثراء؟ هي بوابة الجيل الشاب إلى المكتبة، والمكتبة تقدّم له المسارات التي تضمن استمرار نموه. العلاقة بينهما تكاملية لا إجرائية. - كيف يمكن توظيف التقنية والذكاء الاصطناعي؟ يمكنها تحسين التدريب وقياس التقدم وتخصيص المحتوى، لكننا حريصون على أن يبقى جوهر التجربة إنسانيًا. - كيف تتصورون حضور المكتبة عربيًا ودوليًا؟ أرى توسعًا أكبر في الشراكات الدولية، وبرامج أكثر تأثيرًا في العالم العربي، ودورًا أوضح في إنتاج المحتوى والسياسات الثقافية. - ما رسالتكم في الذكرى العاشرة للمسابقة؟ إن القراءة ليست هواية، بل طريقة لرؤية العالم. وكل ما بُني خلال عشر سنوات كان موجهًا لترسيخ هذا المبدأ في وعي الجيل الجديد.