ليأذن لي أخي معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة في أن أعبر له عما يجول في خاطري، بأن أتناول واحدا من أهم معوقات تطوير الصحة في بلادنا ألا وهو المركزية. أقول هذا بعد تجربة ما يقارب أربعة عقود من العمل في المجال الصحي، وجدت من خلالها أن المركزية هي أكبر قيد يقيد الإبداع والتطوير في الرعاية الصحية ليس عندنا فحسب ولكن في البلاد العربية قاطبة. الخطوة الأولى التي أقترحها هي أن يتم الاتفاق بين معالي وزيري الصحة والمالية على تخصيص ميزانية مستقلة لواحدة فقط من مديريات الشؤون الصحية الثلاث عشرة. وإذا ما نجحت التجربة يمكن تعميمها تدريجيا في بقية المناطق الصحية. هذا الاتفاق بين الوزيرين لا شك أن ولاة الأمر في بلادنا سوف يباركونه إذا ما استيقنوا من انه كفيل بالارتفاع بمستوى الخدمات الصحية. وكلنا نعرف مدى اهتمامهم بها ورعايتهم لها. الخطوة الثانية هي أن تختار وزارة الصحة بضعة لا تزيد على خمسة من مدريري الشؤون الصحية ومثلهم من مديري المستشفيات وبضعة من كبار المسؤولين في الوزارة. تبعثهم جميعا في دراسة استطلاعية لمدة شهر أو شهرين إلى بلد يتمتع بقدر كاف من اللامركزية مثل بريطانيا أو فنلندا، يدرسون ويتأملون ويتناقشون مع نظرائهم في هذا البلد حول جوانب الإدارة الصحية مثل التخطيط ووضع البرامج والقيادة والتفويض والمتابعة والتقييم ونظام الحوافز، والعلاقات المتداخلة بين العلاج والوقاية والتطوير، وبين مستويات الرعاية الصحية الأولية الثانوية والمتقدمة، وأساليب مشاركة المجتمع في الرعاية الصحية، وبرامج التدريب المستمر للعاملين الصحيين. بعد أن يعودوا من الدراسة الاستطلاعية يختار من بينهم فريق عمل يعطى مسؤولية إدارة الرعاية الصحية في إحدى مديريات الشؤون الصحية. وبعد أن تحدد لهم الأهداف تخصص لهم ميزانية مستقلة ويعطون صلاحيات التنفيذ دون الرجوع إلى الوزارة. وتظل الوزارة داعمة لهم. وفي نهاية العام يقارن أداؤهم بأداء المديريات الصحية في المناطق الأخرى. في يقيني أن نتائجهم ستكون أفضل لأنهم سيصرفون كل جهدهم وطاقتهم ووقتهم للعمل الفني والتطوير والإبداع، وبخاصة إذا عرفوا أنهم سيكافأون على جهودهم ويحاسبون على تقصيرهم. من أهم عوامل نجاح التجربة هو الإعداد المسبق الذي ستقوم به الوزارة بما في ذلك تحديد الأهداف، ووضع نظام للحوافز والعقوبات وتقويم الأداء، ومشاركة المجتمع في التخطيط والمتابعة والتقويم. هذا الحديث يذكرني بموقف وقفته ذات يوم مع معالي الشيخ جميل الحجيلان متعه الله بالصحة والعافية يوم كان وزيرا للصحة وكنت في بداية حياتي العملية مديرا للتخطيط في الوزارة. قلت يومها بحماس الشباب لمعاليه.. مشكلتي مع معاليك أنك وزير وأنا موظف لديك. ابتسم معاليه، وقال.. قل ما عندك.. قلت أتدري أن العديد من المرضى في المنطقة الشرقية بذهبون للعلاج في البحرين (كان ذلك قبل نيف وثلاثين عاما) قال كيف ذاك وإمكاناتنا أفضل.. قلت لأن البحرين على صغر حجمها وقلة عدد سكانها يدير شؤونها الصحية وزير، ولو قدر لمدير الشؤون الصحية في المنطقة الشرقية عندنا أن تكون لديه صلاحيات الوزير لكنا في وضع أفضل، هذا ما آمنت به يومذاك وما أعتقده اليوم.