شيء في السياسة.والفكر. ( هل تتغيرالخارطة من جديد، !؟) قالوا قديما : من تكلم في غير فنه جاء بالعجائب وسأأتيكم اليوم بالعجائب .. فلست سياسياً ، ولا أحب السياسة ، ولكن لي اطلاع متواضع فيها فأقول : إن المشاهد لخارطة الدول العربية - والتي غالبيتها تعتبر إسلامية حكومةً وشعباً عدا أقليات غير مسلمة تعيش في أوساط المسلمين - ليجد أن الحدود التي رُسمت فيما بينها بعد سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك. وحلول الاستعمار.. باتفاقية سايكس-بيكو-سازانوف عام 1916 والذي كان تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة روسيا على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتم تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال سوريا و لبنان وجزء كبير من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا . كما تقرر أن تقع المنطقة التي اقتطعت فيما بعد من جنوب سوريا وعرفت بفلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنساوروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها)) وبعد ذلك حل الاستعمار ضيفا ثقيلاً ليفرض كل ما يستطيع فرضه على الأمة العربية الإسلامية من ثقافة ، ولغة ، وفكر ، ودين ، تمخض عن ذلك سلب للهوية بكل معانيها وتغيير لملامح السحنة العربية الإسلامية إلى سحنة مهجنة بين اللون العربي الأصيل مع المظهر الغربي الدخيل . لقد أصاب الاستعمار المارد العربي إصابة شديدة أنهكت قواه فظل هذا المارد يتخبط في دمه لسنوات عده . ولقد كلف هذا الأمة الكثير، وما كان للاستعمار أن يمتطي صهوة التسلط لولا تقاعس الأمة عن واجبها ، وتركت الحبل على الغارب ، وطأطأت رأسها لكل من أراد أن يقفز فوقها .. ومع ذلك إلا أن هذا المارد الكبير حاول أن يستعيد قوته ونشاطه من جديد لما يتميز به من قوة روحيه تمتد بامتداد ما يحتويه قلبه العربي المسلم من إيمان بالله تعالى وثقة بنصره فحاول النهوض على قدميه بدمدمة جراحه وتجميع لأشلائه وبعد أكثر من نصف قرن تقريبا طُرد الاستعمار من الأراضي العربية ، واستطاع هذا المارد أن يقوم ... نعم استطاع أن يقوم ولكن بثياب غير ثيابه ، فقد ألبسه الاستعمار بعدما رحل ثوبا بألوان باهته لكل طرف منه لون يختلف عن الأخر فإن هذا الجسد الذي كان يترامى أطرافه شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً ، وضعت بينه الحدود والسدود فوضع معها تاريخ جديد لكل حي من أحياء العرب يختلف عن تاريخ مجاوريه من بيوتات عربية إسلامية كانت تقتسم كسرة الخبز وتلتحف بلحاف واحد . فهذا التقسيم المقيت الذي باتت معه البلاد العربية تتعايش معه وكأنه حقيقة لا مفر منها ، بل أنه أصل من أصول هذه الأرض التي لم يكن أن قد جاء عليها يوم من الأيام وكانت أرضاً واحدة ، زرع فيما بينها الصراع الخفي الذي يحطم كل مبررات الثقة ، حتى أنتقل ذاك إلى الشعوب المقهورة لتعيش نفس الدور الذي تقوم به الحكومات في صراعها . أصبح كل بيت يفاخر بأمجاده وتاريخه وينسف كل مجد وتاريخ لبيت جاره الذي شاركه بناء ذاك الحي القديم الذي عاشوا فيه ردحا من الزمن . لقد نسينا وتناسينا أننا نجتمع في أب واحد ، وأم واحدة ، وأرض واحدة ، وعرق واحد ودين واحد . تنافسنا وتنازعنا حتى في أسخف الأمور في لعبة ترمى بالأرجل وتداس بالأقدام .. أُشهرت الأسلحة ، وجردت السيوف ، وأريقت الدماء ، وتيتم الأطفال ، وترملت النساء ..من أجل لا شيء غير أننا نتنافس والبقاء للأقوى .. ....................................... استطاع الاستعمار أن يزرع الشوك في طريق المحبة ، وقطف كل أزهار الإخاء .. نسمع استغاثات جيراننا حين داهمهم لص ماكر بسلاح فتاك ، وسمعنا صراخ الأطفال وأنين الجدة العجوز . وزفرات البنت المكلومة بعرضها .. فنغلق الأبواب والنوافذ وندخل الصبيان إلى البيوت حتى إذا أصبح الصباح واجتمعنا على الكارثة استرجعنا وتحوقلنا وقلنا يالتنا علمنا عن هذا اللص الغادر ، لما كان حل بهم ذلك ، وكأننا لم نسمع صوتا ولا غوثا ..فقد شغلنا البارحة تسرب مياه السقف وإصلاحه عن سماع شيء خارج الدار . إن الاستعمار بعدما وضع الحدود الأرضية بين البيوت وضع معه حدوداً في القلوب لا تسمح لأحد بأن يمر بين شرايينه ولا أن يستوطن في بواطنه ..إلا ما يحقق لذاته من المصالح الشخصية فقط .. وإن كان الاستعمار قد رحل إلا أنه قد وضع له صوراً وأبواقاً تحاكيه وتقوم بالدور الذي قام به ، بكلفة أقل ونفوذ أقوى ، وذلك بالمندسين بين الصفوف الذين ينخرون في جسد الأمة لتتهاوى من فوق العرش كما تهاوى سليمان عليه السلام من عصاه بعدما نخرت فيه دابة الأرض وهم لا يشعرون .. ولكن قد طال الانتظار عليهم كثيراً ، وملوا طريقة التخفي والاختباء فلم يعد هناك من يخاف منه ولا يخاف عليه . فهاهو الاستعمار يعود من جديد .. ليقسم الكعكة بشكل أصغر من التقسيم السابق لكثرة الشركاء فيها .. فلم تعد بريطانيا وفرنسا فقط . بل جاء الدور لأمريكا وإسرائيل أن تقتسم كما أقتسم غيرها . فلم يكفيهم أن تنفصل العراق عن الشام والجزيرة العربية بل تسعى لتقسيم العراق نفسه إلى أجزاء ثلاثة بين الأكراد والشيعة والسنة . وهاهو السودان يعيش أزمة التقسيم إلى ثلاثة أقسام : دول دارفور الكبرى وشرق السودان وجنوب السودان. كما ترى إسرائيل أن ذلك يحقق الأمن والاستقرار لها . وبعد ذلك - فيا ترى الدور القادم في التقسيم سيكون لمن ؟؟ وهل سوف تتغير الخارطة العربية من جديد ؟؟ كما تغيرت خارطة دول الاتحاد السوفيتي الهالك نداء عاجل : يا أمة العروبة لا تسلب منكم الهوية ، ولا تمزقوها بأيديكم ، أدركوا أنفسكم قبل أن تتهاوى بكم العروش . أعيدوا للأمة مجد الجدود .. أزيلوا كل الحواجز والحدود .. وارفعوا كل الستر والسدود .. أبصروا الطريق بنور المحبة والإخاء .. حطموا كل أسوار الكره والعداء . تذكروا أنكم أهل العزة والإباء . فتاريخكم واحد ، ومجدكم مشترك ، ولا عزة لكم بغيره.. وبالله التوفيق.. محمد بن فرحان العنزي