في علم التسويق الذكي هناك ما يسمى المردود العصبي للمتلقي وهو معرفة ما يحدث داخل الخلايا العصبية عند ما يشاهد الشخص الإعلان سواء كان تجاريا أو توعويا، هذا ليس تكهناً أو رجماً بالغيب ولكنه من وظائف جهاز رنين مغناطيسي خاص (fMRI) بقياس نشاط الدماغ عند تعرضه لمحفزات معروفة ومسجلة، ويعطيك فكرة واضحة لما يحدث داخل هذا العقل العجيب، بكل أسف لا أظن أن هناك في جميع الجهات التجارية والحكومية أي حملة ترتكز أو على الأقل تدخل هذا العلم في نتائج وأهداف الحملة لمعرفة وقياس تأثير ما يصرف عليه ملايين كل عام. وهناك أيضا معيار لقياس فترة التركيز (Attention Span) للشخص العادي في المتوسط، ففي عام 2000 كان الشخص العادي يعطي تركيزه بشكل كامل لمدة 13 ثانية، ومن ثم يبدأ التركيز بالتلاشي وذلك بالتفكير بأمور مختلفة قد تكون عن مشاكل الحياة أو حتى الشماغ الذي يلبسه من أمامه!، في عام 2015 تقلصت مدة التركيز إلى 8 ثوان فقط، أي أقل من فترة التركيز لسمكة Goldfish الذهبية الصغيرة وهي 9 ثوان. تخيل معي أنك تفقد تركيزك على أي أمر بعد 8 ثوان، فما هو تأثير ذلك الإعلان الذي رأيته في لوحة ضخمة في الشارع لم تلمحها إلا لثوان قليلة؟ ولماذا برأيك يعاني الطلبة من تذكر ما يتم حشوه في أدمغتهم؟ ولماذا يعاني الجميع من ازدياد النسيان؟ 25٪ من المراهقين ينسون التفاصيل الرئيسية من أصدقائهم المقربين، 7٪ من الناس لا يتذكرون تواريخ أعياد ميلادهم من وقت لآخر، 30٪ من موظفي المكاتب يتفقدون بريدهم الشخصي في كل ساعة، لذلك عهد الإيميل ما زال قائمًا ولكنه في طريقه للانقراض ليفسح المجال نحو وسائل تخاطب عقولنا بسرعة أكبر، وتسعى لتملك تلك الثواني المحدودة من تركيزنا. عند ما يكون هناك مقطع فيديو تريد أن يكون واجهة إعلانية لك في العالم الرقمي فيجب أن تعرف كم المدة التي يستطيع فيها المشاهد إعطاءك من تركيزه لمشاهدة هذا الفيديو قبل أن ينتقل لما بعده، وكيفية البدء بمشاهد تجذب تركيز العميل لتجعله يكمل مشاهدة الفيديو كاملًا حتى تحقق أهدافك من تلك الحملة أو ذلك الإعلان. ينطبق الأمر أيضاً على اللوحات الإعلانية في الشوارع المبالغ في سعرها، والتي من الصعب جداً قياس مردودها وأثرها. كم عدد الكلمات التي يستطيع المار بالطريق قراءتها في ثوان قليلة؟ وما هي الألوان المناسبة لدمجها مع بعضها لتعطي نتيجة تجذب الانتباه؟ هل سيتذكرك عندما يصل لوجهته؟ وكم ستبقى رسالتك عالقة في ذهنه؟ كلها أسئلة تحتاج لإجابات قبل اتخاذ قرار المضي في حملة إعلانية تهدر فيها موارد هذا الوطن بأقل قدر من الفائدة. قد لا يستطيع الجميع الحصول على جهاز fMRI لقياس أدمغة المتلقين، ولكن النتائج التي نشاهدها في عالم التسويق تطرح تساؤلات مهمة عن جدوى الوسائل الحالية، وما هي تلك الوسائل التي يجب أن تُحال للتقاعد غير مأسوف عليها، نحن في جيل المعلومة المكبسلة المركزة، جيل تويتر بذاكرة العصفور، أو ذاكرة سمكة ذهبية صغيرة مصابة بالتوتر.