في لحظة مفصلية لمسار وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فلوريدا، وسط مساعٍ أمريكية لإعادة ضخ الزخم في هدنة توصف بالهشة، مع اقتراب الانتقال إلى مرحلة ثانية شديدة التعقيد قد تحدد مصير الحرب أو تعيدها إلى نقطة الصفر. ويأتي اللقاء، المقرر عقده في منتجع مارالاغو، بينما تتصاعد التحذيرات من أن التفاهمات التي صمدت نسبياً خلال المرحلة الأولى تواجه مخاطر حقيقية، سواء بسبب الخلافات السياسية أو الترتيبات الأمنية والإنسانية غير المحسومة، أو بفعل تباين الأولويات بين واشنطن وتل أبيب وشركائهما الإقليميين. صمود هش وبدأت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في أكتوبر، بعد الذكرى السنوية الثانية للهجوم الذي شنته حركة حماس على إسرائيل وأسفر عن مقتل نحو 1200 شخص. وخلال هذه المرحلة، أُطلق سراح معظم الرهائن الذين جرى أسرهم آنذاك، سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، مع بقاء استثناء واحد فقط. وبرغم التزام نسبي من الطرفين، تباطأ التقدم في الأسابيع الأخيرة، مع تبادل الاتهامات بخرق التفاهمات، واستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في بعض مناطق القطاع، ما أثار تساؤلات حول جدية الانتقال إلى المرحلة التالية، التي تتطلب تنازلات سياسية وأمنية أعمق بكثير. العقدة السياسية والمرحلة الثانية، وفق الخطة الأمريكية المكونة من 20 نقطة والتي حظيت بموافقة مجلس الأمن، تهدف إلى إنهاء حكم حماس في غزة، وإنشاء ترتيبات إدارية وأمنية جديدة تحت إشراف دولي. إلا أن هذه الرؤية تصطدم بتحفظات إسرائيلية معلنة وأخرى غير معلنة، فضلاً عن اعتراضات فلسطينية ومخاوف عربية وأوروبية. وتشير تقديرات مراكز بحثية أمريكية إلى أن نتنياهو لا يدعم عدداً من بنود المرحلة الثانية، بل يعارضها صراحة، بخاصة تلك المتعلقة بنزع السلاح، وطبيعة الإدارة الفلسطينية المقترحة، والدور الدولي في الإشراف على الأمن وإعادة الإعمار. ماذا لو فشلت؟ وفي حال تعثر المرحلة الثانية أو فشلها بالكامل، يبرز سيناريو مقلق يتمثل في بقاء غزة في حالة هدنة غير مستقرة، بلا أفق سياسي واضح. وهذا الفشل قد يؤدي إلى تجميد طويل الأمد، تستمر خلاله العمليات العسكرية المحدودة، ويتراجع الاهتمام الدولي تدريجياً، مع غياب آلية تنفيذية لإعادة الإعمار أو تحسين الأوضاع الإنسانية. وقد يؤدي التعثر إلى تعميق الانقسامات بين الولاياتالمتحدة وحلفائها العرب، الذين يطالبون بخطوات متزامنة تشمل الانسحاب الإسرائيلي، ونزع السلاح عبر التفاوض، وإطلاق مسار سياسي للفلسطينيين، مقابل رؤية أمريكية وإسرائيلية تميل إلى البدء بخطوات أمنية وإدارية أحادية. مجلس السلام وتنص الخطة الأمريكية على إنشاء هيئة دولية تعرف باسم مجلس السلام، تتولى الإشراف على غزة لمدة عامين قابلة للتجديد، بموجب تفويض من الأممالمتحدة. ويُفترض أن يدير الفلسطينيون شؤونهم اليومية عبر لجنة تكنوقراطية غير سياسية، تعمل تحت إشراف هذا المجلس. كما تتضمن الخطة إنشاء قوة استقرار دولية متعددة الجنسيات، تضطلع بمهام أمنية، من بينها مراقبة وقف إطلاق النار، ودعم نزع السلاح. غير أن هذه القوة لم تُشكّل بعد، ولا تزال ولايتها موضع خلاف، إذ تخشى دول محتملة المشاركة أن تتحول إلى قوة احتلال فعلي. فجوة في الرؤى وتكشف الاجتماعات الأخيرة التي عقدها مبعوثو واشنطن مع مسؤولين من مصر وقطر وتركيا عن وجود فجوة كبيرة في فهم طبيعة المرحلة الثانية. فبينما تصر الولاياتالمتحدة وإسرائيل على منح قوة الاستقرار دوراً قيادياً في نزع السلاح، تفضل دول إقليمية وأوروبية مقاربة تدريجية قائمة على الحوافز السياسية والاقتصادية. وتطرح بعض الدوائر الأمريكية فكرة تقديم حوافز مالية مقابل تسليم أو تجميد الأسلحة، في حين تعلن حماس استعدادها لمناقشة تخزين ترسانتها، مع تمسكها بما تسميه حق المقاومة طالما استمر الاحتلال. إعادة الإعمار ودمرت الحرب أحياء كاملة في غزة، وحولت مساحات واسعة إلى ركام. وفي هذا السياق، تتباين الطروحات حول إعادة الإعمار. فبينما تضغط دول عربية على ربط الإعمار بانسحاب إسرائيلي أوسع وترتيبات سياسية واضحة، تطرح واشنطن أفكاراً للبدء بمساكن مؤقتة في مناطق جنوب القطاع الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية. وتشير معلومات إلى مقترحات أمريكية إماراتية لإنشاء مجمعات سكنية مؤقتة، إلا أن هذه الخطط لا تزال في إطار النقاش، دون التزامات معلنة أو جدول زمني واضح، وسط غموض بشأن الشروط السياسية والأمنية المرافقة لها. لقاء فلوريدا ويُنظر إلى لقاء ترمب ونتنياهو باعتباره اختباراً لقدرة الرئيس الأمريكي على استخدام علاقته الشخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لدفعه نحو تنازلات صعبة. لكن نجاح هذا المسعى يبقى رهناً بمدى استعداد الطرفين لتحمل كلفة سياسية داخلية، في وقت تتشابك فيه ملفات غزة مع قضايا إقليمية أخرى، أبرزها إيران ومستقبل التوازنات في الشرق الأوسط. ماذا لو فشلت المرحلة الثانية: • انهيار تدريجي لوقف إطلاق النار وعودة التصعيد المحدود • استمرار الغارات والعمليات العسكرية في مناطق متفرقة من غزة • تجميد مسار إعادة الإعمار وغياب التمويل الدولي • تعثر تشكيل مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية • بقاء الإدارة المؤقتة لغزة دون غطاء سياسي واضح • تصاعد الخلاف بين الولاياتالمتحدة وحلفائها العرب • تعميق الأزمة الإنسانية واستمرار النزوح الداخلي