يدخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس مرحلة شديدة الهشاشة، إذ تتبدد مكتسبات المرحلة الأولى سريعًا، بينما تبقى المرحلة الثانية عالقة في تفاصيل الأمن والسياسة والميدان. ففي الوقت الذي تضغط فيه واشنطن لإكمال ترتيبات الهدنة، تصطدم الوساطة بتعنت إسرائيلي في ملف المحاصرين داخل رفح، وتباين مواقف الأطراف حول مستقبل الحكم والأمن في غزة. ومع اقتراب العد التنازلي لنهاية المرحلة الأولى، يكشف المشهد عن اتفاق بلا ضمانات، ومفاوضات عالقة بين رغبة أمريكية في إحراز تقدم، ورفض إسرائيلي لإطلاق سراح المحاصرين أو السماح لهم بالخروج الآمن. المرحلة الأولى لا تُظهر عمليات التبادل أي إنجاز سياسي أو أمني يمهد للمرحلة التالية، بل بقيت المرحلة الأولى محصورة في تبادل الرفات دون فك عقد الملفات الكبرى. حيث إعادة إسرائيل رفات خمسة عشر فلسطينيا إلى قطاع غزة، بعد إعلان تسلمها جثة الجندي الإسرائيلي هدار غولدين الذي قُتل في حرب عام 2014. جاءت الخطوة ضمن آخر بنود المرحلة الأولى من الاتفاق الذي ركز على وقف القتال وتبادل الرهائن والرفات، وتعزيز دخول المساعدات الإنسانية. وقالت وزارة الصحة في غزة، إن الصليب الأحمر سلم الجثث من معبر رفح، ليرتفع إجمالي الرفات المستردة منذ بدء الاتفاق إلى 315 جثة. ومن بين هذه الجثامين، تم التعرف على هوية 91 شخصًا فقط بسبب نقص معدات فحص الحمض النووي، مما دفع الوزارة لنشر صور الرفات أملا بتعرف العائلات عليها. الخبراء المستقلون يعتبرون سجلات الوزارة موثوقة رغم ظروف الحرب، ما يجعلها المرجع الوحيد في توثيق أعداد القتلى والرفات المجهولة. المرحلة الثانية تتمحور المرحلة الثانية من خطة وقف إطلاق النار التي وضعتها واشنطن حول تشكيل هيئة حاكمة لإدارة غزة، ونشر قوة دولية لضبط الأمن، ثم إدماج هذه القوة بمهام نزع سلاح حماس تدريجيًا. غير أن هذه البنود لا تزال غير موقعة ولا نهائية، فيما ترفض إسرائيل تقديم أي التزامات مكتوبة قبل استعادة بقية الرفات وضمان حرية عمل جيشها داخل قطاع غزة. ووصل جاريد كوشنر، مبعوث البيت الأبيض وأحد مهندسي الخطة، إلى القدس والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لمناقشة مصير المرحلة الثانية. وقالت مصادر أمريكية، إن كوشنر عرض ترتيبًا يسمح بخروج ما بين 150 و200 مسلح من حماس من منطقة الأنفاق في رفح، مقابل تسليم أسلحتهم في إطار عملية نزع سلاح تدريجية بإشراف دولي. لكن حماس لم تؤكد قبولها أو رفضها، بينما اعترفت بوقوع اشتباكات داخل هذه المنطقة التي تعتبر نقطة اشتعال ميدانية. وواشنطن ترى أن إخراج هؤلاء المقاتلين في إطار اتفاق إنساني قد يشكل نموذجًا تجريبيًا لخفض تسلح حماس، إلا أن إسرائيل عادَت لتضع قيدًا جديدًا: لا خروج للمحاصرين قبل إنهاء استعادة كل الرفات. وهذا الشرط يعيد المفاوضات إلى النقطة الأولى، ويُبقي أي تقدم رهينة لاعتبارات سياسية داخل إسرائيل. ملف العالقين على طاولة اجتماع نتنياهو مع كوشنر، تصدر ملف المحاصرين في أنفاق رفح. ورغم أن حماس أعلنت استعدادًا للتعامل الإيجابي، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة تل أبيب لا تعتزم السماح بخروج المحاصرين في الوقت الراهن. وقدم نتنياهو طلبًا رسميًا لتعليق جلسة محاكمته ليتفرغ للقاء الأمريكيين ومناقشة مستقبل غزة، في إشارة إلى الأهمية السياسية للملف داخليًا. وكشفت مصادر لإحدى القنوات الإخبارية أن نتنياهو يسعى للحصول على ضمانات أمريكية تتيح له حرية التدخل الأمني في غزة حتى بعد تشكيل قوة متعددة الجنسيات. ويسعى إلى ربط هذه الضمانات بنص القرار الأممي حول مستقبل القطاع، وهو ما يعني أن إسرائيل تريد بقاء اليد العليا في المجال العسكري رغم وقف إطلاق النار. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن كوشنر سيقترح ترحيل مقاتلي حماس مؤقتًا إلى دولة ثالثة مقابل تعهدهم بوقف العمل المسلح. لكن حماس أعلنت رسميا أن إسرائيل ترفض السماح بخروج المحاصرين، وكشفت عن اتفاق سابق مع مصر لتشكيل لجنة إدارة غزة من ثمانية أعضاء برئاسة أمجد الشوا، لكن إسرائيل عطلت التنفيذ. وقد دعت الحركة الوسطاء إلى الضغط لبدء المرحلة الثانية، معتبرة أن وقف إطلاق النار لن يصمد دون نقل المسؤوليات إلى قوة دولية وإدارة مدنية معترف بها. هدنة بلا ضمانات ما بين تبادل الرفات، وتعثر المفاوضات، ورفض تل أبيب خروج المحاصرين، تبدو المرحلة الأولى وكأنها تُستنزف دون أن تفتح الطريق أمام الثانية. وواشنطن تواصل الضغط، لكن إسرائيل تضع الشروط، وحماس تصر على عدم الاستسلام أو تسليم نفسها، وسط واقع إنساني متدهور داخل القطاع. والنتيجة أن اتفاق وقف إطلاق النار يقف اليوم على حافة فراغ سياسي. فغياب القوة الدولية، وتعليق ترتيبات الحكم، واشتراط إسرائيل استكمال استعادة الرفات قبل أي تقدم، يعيد المشهد إلى مربع العرقلة ذاتها التي أفشلت هدنة يناير 2025. البنية المعقدة للهدنة: المرحلة الأولى استنزفت في تبادل الرفات دون تقدم سياسي. المرحلة الثانية غير موقعة ولا تحظى بضمانات تنفيذ. إسرائيل تشترط استعادة بقية الرفات قبل أي تحرك جديد. غياب اتفاق واضح حول القوة الدولية داخل غزة. تمسك حماس بعدم الاستسلام أو تسليم نفسها. ضغوط أمريكية دون أدوات إلزام حقيقية على الأطراف.