سأبدأ مباشرة دون لف أو تدوير: لم نعد مجتمع رأي... نحن مجتمع يقاد بالريموت. زر واحد في خوارزمية أي منصة كفيل بأن يرفع قضية تافهة إلى مستوى «حوار وطني»، ويسقط موضوعًا مصيريًا تحت أكوام الصمت. المشكلة ليست في الناس، بل في «المحرك» الذي يقرر لنا من نغضب عليه ومن نصفق له. نعيش الآن في دائرة مغلقة: شخص «عادي» يقول رأيًا، منصة تضخمه، الناس تنفجر غضبًا، ثم تعود المنصة لتقول: «انظروا... المجتمع غاضب!». كل شيء مبرمج بدقة، حتى انفعالاتنا لم تعد ملكًا لنا. والأكثر سخرية، أننا نتخيل أننا أحرار. فعلاً... ما أسهل أن تصنع جمهورًا يشعر بالبطولة وهو مجرد وقود لآلة لا تنام. هل لاحظ أحد كيف يسقط المجتمع شخصًا خلال دقائق؟ وكيف يلمع آخر بلا أي سبب منطقي؟ وكيف تصبح قضية هامشية محور نقاش لمدة أسبوع كامل بينما القضايا الجادة تضيع في الزحام؟ هذه ليست مصادفة. هذا «صوت صناعي» وليس «رأي عام». الخوارزميات اليوم لا تعرض الحقيقة... بل تعرض ما يحقق أعلى اشتعال. لا يهمها وعينا، ولا سمعتنا، ولا صورتنا كمجتمع، ما يهم هو زمن المشاهدة، تفاعل، غضب، إلغاء، تشويه... أي شيء يجعل يدك تبقى على الشاشة. المشكلة الأخطر؟ أننا أصبحنا عرضة للتلاعب. أصبح من السهل أن تدار النقاشات من الخارج، وأن يضرب الداخل بالداخل، وأن تشغل العقول بقضايا «مفبركة» بينما القرارات الحقيقية تصنع في أماكن أخرى بارتياح تام. لقد أصبح بعضنا مجرد «أداة مجانية» في يد من يملك أكبر عدد من المتابعين... وأحيانًا في يد من يملك أكبر عدد من الروبوتات. أما نحن؟ فنكتفي بالهجوم والسب وتحليل النوايا، وكأننا لسان المجتمع الوحيد. مع أن البلد أكبر من هذا الضجيج، وأذكى من أن تبني رؤيتها على ترند مصطنع أنشأه حساب مراهق أو شركة دعاية. لكننا لا زلنا نمنح (الترند) قيمة أكبر من المنطق... وللصوت العالي سلطة لا يستحقها. أخيرًا... إذا كان هناك من يستحق اللوم، فهو ليس الناس... بل تلك الخوارزميات التي تعلمت كيف تحرك الغضب أسرع مما تحرك الحقيقة.