الأستاذ الدكتور محمد علي العقلا عميدًا لكلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم وكيلاً للجامعة ثم رئيسًا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالعطاء العلمي والإداري، وسيرةٍ عُرفت بالنبل والاستقامة ورفعة الخُلُق. لقد ترك - رحمه الله - أثرًا مشهودًا في خدمة العلم وأهله، وبصمة واضحة في الميادين التي عمل فيها، ونال محبة وتقدير كل من تعامل معه؛ لما عُرف عنه من تواضع وكرم وتفانٍ وإخلاص في العمل، عامل الجميع بلطفه وتواضعه -رحمه الله- وإن تعاقب الألسن بالثناء عليه والدعاء له لهو من عاجل بشرى آيةً في التواضع ولين الجانب وسماحة النفس، لم يتعلق بالمظاهر والبهرجة ولم يتعالَ على غيره بمنصبه الكبير. شاركت قبل عشرين سنة في معرض (الفن التشكيلي المعاصر) الذي نظمته جامعة أم القرى وكان وكيلها وكنت ضمن المتميزين ومِمَّن تم تهنئتهم وتكريمهم لي بصفة خاصة منه ودعمه الدائم لي. وبعد الحفل دُعيت إلى تناول طعام العشاء بفندق الإنتركونتننتال، وكانت هناك مائدتان الأولى للوكلاء والضيوف والثانية للطلاب المتميزين، فوجئت بالجلوس معنا، ويترك الموائد الخاصة وقال لي «أنا جئت لأجلكم»، ولا أنسى النصائح والتوجيهات المثمرة والتي كانت دافعاً لي في مسيرتي العلمية والعملية. ومن ذاكرة الأيام وأنا أصلي بالمأمومين صلاة العشاء بمسجد الحي صلَّى معنا وبعد الانتهاء من الصلاة تقدم بكل تواضع جم وكأنه الأب الحاني وهمس في أذني: ما رأيك أن تكون إماماً رسمياً في أحد المساجد؟ فقلت بأن وقتي ضيق جدا لمواصلة دراستي الجامعية واهتمامي بها، فرد قائلاً: استعن بالله ولا يمنع ذلك. وسأكتب تزكية ونرفعها إلى مدير عام الأوقاف والمساجد بمكة المكرمة آنذاك فوافقت على طلبه. وفي أحد الأيام كنت أتوضّأ لصلاة الظهر في متَوَضَّأ قرب قاعات الكلية وكان فيه حشد من الطلاب، ولما خرجت بصُرت أمامي برجل مشمّرٍ عن ذراعيه بعد فراغه من الوضوء وهو يتحدث في جواله، ولما تجاوزته إذا هو محمد العقلا، ولولا معرفتي به لظننته من صغار الموظفين. لم يكن -رحمه الله- يعبأ بأن يُنظَر إليه، ولا بأن يلاحقَه المصورون، ويتمسّح به المتقربون، ولم يكن يجعجعُ ولا يسمحُ بأن يُجعجَعَ له. أحر التعازي للأسرة الكريمة ولأبنائه وبناته. أسأل الله العلي القدير أن يتغمّده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم، ويلهم أهله ومحبيه وذويه الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.