كثير من الناس يقضون حياتهم وهم يحاولون التخلّص من القلق، والأرق، ونوبات الخوف، والتوتر المتكرر، وكأنهم يقطفون أوراقًا تتساقط من شجرة لا تتوقف عن النمو. قد تهدأ الأعراض قليلًا عندما نهدّئ ما نشعر به على السطح، لكننا سرعان ما نكتشف أنها تعود من جديد، وأحيانًا بشكل أقوى وأكثر إرباكًا، السبب ببساطة أن المشكلة ليست في الأوراق.. بل في الجذور. تخيّل أن لديك شجرة كبيرة، أوراقها هي كل المظاهر التي تظهر عليك: فرط اليقظة، الكوابيس، ذكريات الماضي، نوبات الهلع، الخدر العاطفي، أو اللجوء للأكل أو السهر أو حتى المواد المخدرة لتجنّب ما تشعر به، هذه ليست المشكلة الأساسية، بل إشارات يطلقها جسمك ونفسك لتقول: هناك شيء عالق في الأعماق يحتاج إلى أن يُسمع. وما يجعل الشجرة تستمر في النمو ليس قوة الصدمة نفسها، بل وجود عوامل تُبقي الألم دون معالجة: الخوف من الوصمة، عدم توافر علاج مستنير بالصدمة، التشخيص غير الدقيق، أو شعور داخلي بأن ما مررت به «كان يجب أن تتجاوزه وحدك»، هذه الحواجز تجعل الشخص يستمر في الدوران داخل نفس الحلقة دون حلول طويلة المدى. أما الجذور.. فهي التجارب الأصلية التي لم تُعالَج بالطريقة التي يستحقها الإنسان، قد تكون لحظات مؤلمة في الطفولة لم يجد فيها الطفل حماية كافية، أو تجارب إهمال، أو أحداث صادمة، أو حوادث مفاجئة، أو فقدانًا كبيرًا، أو مشاهد عنف، أو تمييزًا وضغطًا عاشه الشخص لسنوات، الصدمة ليست دائمًا حدثًا كبيرًا، لكنها دائمًا أثر يبقى في الجسد والعقل إذا لم يجد طريقه للمعالجة. الدراسات الحديثة تشير إلى أن أكثر من 70% من الناس مرّوا بشكل من أشكال الصدمة، وأن تهدئة الأعراض فقط تشبه وضع لاصق على جرح لم يُنظّف بعد: يهدأ قليلًا.. ثم يعود الالتهاب من جديد، لهذا لا تكفي معالجة ما يظهر على السطح إذا كانت الجذور ما تزال تواصل إرسال رسائل استغاثة صامتة. الشفاء الحقيقي يبدأ عندما نقترب بحذر ولطف مما حدث، عندما نفهم كيف أثّر الماضي على حاضرنا، وكيف تشكّلت ردود أفعالنا ومخاوفنا وطريقة تفاعلنا مع الحياة، العلاج المستنير بالصدمات لا يركز على الأعراض فقط، بل يعالج ما وراء الأعراض، ويعيد بناء الإحساس بالأمان والاتصال بالنفس من الداخل.. هل أنت مستعد لتتوقف عن قطف الأوراق.. وتبدأ بالاعتناء بالجذور؟، الشفاء ليس سريعًا، لكنه ممكن، وأعمق وأهدأ مما تتخيله عندما يبدأ من المكان الصحيح.