يوفر مقر العمل مكانا مناسبا لمن يريد النفاذ إلى أعماق البشر، للتعرف على وجهات نظر مختلفة، ثقافات متنوعة وقناعات موروثة. لذا فإن ثقافة التعامل الراقية تعتمد على العمل المؤسسي المحترف، أكثر من اعتمادها على علاقات شخصية وتحيزات في غير محلها. فكلنا يعلم أن الإدارة مهارة وأخلاق. التحزب أمر وارد وشائع في بيئات العمل الحالية. ويصبغ بيئة العمل بصبغة سلبية، ومواجهات حادة تصل في بعض الأحيان إلى انخفاض الأداء، ويخلف انحدارا في الإنتاجية متلازما مع سلالة من الإجهاد الانفعالي، مؤديا للإضرار بالمصلحة العامة. مع اعتقادنا بأزلية الواقع المعاق في بيئة العمل، لكن لن يتوقف الموضوع عند هذه النقطة !. السؤال هنا كيف لك كموظف أن تتعايش مع هذه البيئة ولا تؤثر في عطائك وإنتاجيتك وتقبلك لمكان العمل. وكيف لك أن تكسب ثقتهم لاكتساب الفائدة العلمية. الأحزاب في بيئة العمل تتشكل عند توافر قدر من القيم المشتركة لدى بعض الموظفين، فينجذبون لبعض، وينجحون بالتجمع داخل حزب أو شلة تعطيهم قوة وهيمنة !. وقد يكون ما وراء كواليس التحزّب من تسليط أسلحة ذات طابع فسادي، وغير ظاهرة على السطح نحو أشخاص معينين، له من التأثير المؤلم، الشيء الكثير. ويمكن القول إن هذه الأحزاب لا تصمد في العادة، لأنها تتقاطع مع بعض المصالح، فتلقي بظلالها السلبية على بيئة العمل. لذا فإن الحيادية والدبلوماسية تلعب دورا فعّالا وناجحا في الحياة العملية، فيمكن أن يخرج الإنسان بأقل الخسائر. الحل الأمثل هو التعامل معهم في الجزء المشترك بينك وبينهم، وعدم التدخل في باقي الأجزاء. فالتعاون ينبني على تحقيق المصلحة، وعدم الانخراط في صراعات حادة، أو بسط نفوذ أو هيمنة، حيث إن العمل الإداري يقوم على التشاركية والتعاون. الحقيقة، أن وجود مثل هذه التكتلات في العمل شيء طبيعي، لكن هنا يأتي دور القائد، في تفعيل عمل كل الأحزاب بجانب الأخرى، دون تهميش أو تقليل من شأن أحد. الأحزاب تنشأ عادة عندما تكون الإدارة مهزوزة أو هشّة. لذا حسن اختيار القائد المناسب المتطلع للمصلحة العامة للمنظمة وليس للمصالح الشخصية، صاحب فكر وخبرة ويملك ذكاء عاطفيا، هي من الأصول القيّمة للتطوير المهني المستمر، فيستطيع من خلال تلك الأجندة أن يقود المنظمة إلى ما فيه مصلحة، وتحقيق الأهداف المرجو تحقيقها. أيضا، يجب على القائد تبني القيم العالية، والعمل على التخفيف من حدة انتشار مثل هذه المعكرات، بإزالة جميع الممارسات غير الصحية في بيئة العمل، ومساواة في معاملة الجميع، لخلق بيئة عمل جاذبة وليست طاردة، وصدق بابليوس سيري حين قال «أي شخص يمتلك القدرة على القيادة عندما يكون البحر هادئا»، لكن عند الهيجان تتباين قدرات القادة!. أخيرا، من الجميل أن تكون بيئة العمل، دافئة خالية من الفساد الإداري والفساد السلوكي والاحتراق الوظيفي، لأن تفشي مثل هذه الآفات، مؤشر على مرور المنظمة بأزمة من الممكن أن تؤدي بها إلى التدني، وتصيبها بفشلٍ على المدى الطويل.