تكشف ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2026م عن تحول نوعي في فلسفة التخطيط المالي، قائم على أن الإنسان هو المحرك الأساسي للنمو المستدام، وأن الاستثمار في المعرفة والمهارات والابتكار هو الطريق الأجدى لتعظيم القيمة الاقتصادية. ويعكس هذا التوجه انتقال الدولة من إدارة الموارد بمعناها التقليدي إلى إدارة القيمة، حيث يصبح رأس المال البشري هو العنصر الأكثر قدرة على خلق اقتصاد متنوع ومتين. وتأتي الأولويات المعلنة في الميزانية من التعليم والصحة إلى التقنية والطاقة النظيفة ضمن إطار استراتيجي يعزز كفاءة الإنفاق ويركز على القطاعات القادرة على إنتاج أثر اقتصادي طويل المدى. وهو نهج يتقاطع مع التجارب الدولية التي اعتمدت الإنسان قاعدة للنمو، مثل فنلندا التي بنت اقتصاد المعرفة عبر التعليم النوعي، وكوريا الجنوبية التي جعلت الابتكار بوابة لعبور اقتصادها إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة. ومن زاوية تحليلية، يمكن القول إن ميزانية 2026 تمثل استجابة استراتيجية للتحولات العالمية؛ ففي ظل تباطؤ الاقتصادات الكبرى وتقلبات الطاقة واضطراب سلاسل الإمداد، تسلك المملكة مساراً يقوم على تعزيز مرونة الاقتصاد وتقليل المخاطر عبر تنويع مصادر الدخل وتمكين القطاع الخاص ورفع الإنتاجية. وهو مسار يشبه توجه ألمانيا بعد الأزمة المالية 2008، حين جعلت الابتكار والصناعة المتقدمة حلا لتحديات النمو. كما تعكس الميزانية تكاملاً واضحاً مع رؤية المملكة 2030 وأهداف التنمية المستدامة من خلال تحسين جودة التعليم، وتمكين العمل اللائق، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وبناء مدن مستدامة، وتوسيع استثمارات الطاقة النظيفة. وهذه المحاور ليست برامج قطاعية متفرقة، بل منظومة تنموية متكاملة تصوغ نموذجاً اقتصادياً عصرياً يرتكز على الإنسان وقدرته على الابتكار. إن ميزانية 2026 ليست إعلاناً مالياً فحسب، بل هي خطوة جديدة في بناء اقتصاد سعودي أكثر تنوعاً واستدامة وقدرة على مواجهة التحديات، واقتصاد يصنع مستقبله من خلال الاستثمار في الإنسان أولاً. * خبير الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. ayedhaa @x: