ملتقى لقادة الفكر والاستثمار والتقنية والابتكار يشهد العالم اليوم تحوّلاً غير مسبوق في خريطة الاستثمار العالمي، إذ تتسارع المتغيرات الاقتصادية والتقنية والجيوسياسية لتعيد تشكيل موازين القوى الاقتصادية وتوجهات رؤوس الأموال نحو قطاعات جديدة قوامها الابتكار والتقنية والاستدامة. ومع هذه التحوّلات المتسارعة، برزت المملكة العربية السعودية كقوة استثمارية صاعدة ومركز جذب عالمي بفضل سياساتها الطموحة وإصلاحاتها الاقتصادية الجذرية التي أطلقتها في إطار رؤية المملكة 2030. فبينما تعيد الاقتصادات الكبرى تقييم استراتيجياتها في ظل الأزمات المتلاحقة – من جائحة كورونا إلى اضطرابات سلاسل الإمداد وتحديات المناخ – والمملكة تسير بخطى واثقة نحو تنويع مصادر الدخل الوطني وتحرير الاقتصاد من الاعتماد على النفط، معززةً مكانتها كمحور رئيس في مشهد الاستثمار العالمي. لقد تحوّلت الرياض خلال السنوات الأخيرة إلى وجهة لصنّاع القرار والمستثمرين العالميين الذين يتطلعون إلى أسواق أكثر استقرارًا ووضوحًا في الرؤية، وبيئةٍ تحتضن الابتكار وتدعم الاستدامة. وفي هذا الإطار، جاءت مبادرة مستقبل الاستثمار كإحدى أبرز المنصّات الفكرية والاقتصادية التي تعكس التحوّل النوعي في مكانة المملكة الدولية. فهي ليست مجرد مؤتمر سنوي، بل حركة فكرية واستثمارية عالمية تجمع القادة والخبراء والمستثمرين لمناقشة حلول المستقبل وتحديات الاقتصاد الجديد. ومن خلال هذه المبادرة، أصبحت المملكة لاعبًا مؤثرًا في رسم مسارات الاستثمار المستقبلي، حيث توظّف إمكاناتها الاقتصادية والبشرية والموقع الجغرافي الاستراتيجي لتكون منصة عالمية لصناعة القرار الاقتصادي ووجهةً تستقطب الابتكارات والمشروعات الكبرى في مجالات الطاقة المتجددة، والتقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية المستدامة. مستقبل الاستثمار وتُعدّ مبادرة مستقبل الاستثمار التي تُنظَّم سنوياً في العاصمة الرياض إحدى أبرز المنصّات العالمية لاستشراف ملامح الاقتصاد الدولي الجديد وصناعة المستقبل. فمنذ انطلاقتها عام 2017م، تحوّلت المبادرة إلى ملتقى لقادة الفكر والاستثمار والتقنية والابتكار من مختلف دول العالم، حيث تُسهم في رسم خريطة التحوّلات الاقتصادية وتمكين فرص الاستثمار المستدام. وتجسّد هذه المبادرة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في بناء اقتصاد متنوّع قائم على الابتكار والتقنية والمعرفة، وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للتفكير في الحلول المستقبلية للتحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. ومن خلال نسخها المتعاقبة، نجحت المبادرة في أن تكون جسر تواصل بين الشرق والغرب، ومنصّة لإطلاق الشراكات النوعية والمشروعات الاستثمارية التي تدعم التحوّل العالمي نحو اقتصاد أكثر استدامة وعدالة. واستطاعت المملكة، عبر سلسلة من المبادرات الاستثمارية الرائدة، أن تتحوّل من مستثمر تقليدي إلى محرّك عالمي للتغيير الاقتصادي المستدام، واضعةً في صلب رؤيتها مبدأ العدالة في توزيع الفرص وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الإنسان والبيئة. فمن خلال مبادرة مستقبل الاستثمار، أطلقت المملكة حوارًا عالميًا حول إعادة تعريف الثروة والقيمة في الاقتصاد الحديث، بحيث لا تُقاس الأرباح بالعوائد المالية فقط، بل بقدرتها على إحداث أثر إيجابي على المجتمعات والبيئة. وهذا التوجّه تجسّد في مئات الجلسات التي ناقشت مستقبل الطاقة النظيفة، والذكاء الاصطناعي المسؤول، وتمويل الابتكار في مجالات الصحة والتعليم والغذاء والتقنيات الخضراء. كما شكّلت استثمارات المملكة عبر صندوق الاستثمارات العامة نموذجًا عمليًا في دعم التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال مشروعات الطاقة المتجددة (نيوم، مشروع السودة، ومدينة ذا لاين)، واستثمارات النقل المستدام، والتقنيات منخفضة الانبعاثات، والاقتصاد الدائري للكربون الذي تبنّته المملكة عالميًا. شراكات عالمية ولم تقتصر هذه المبادرات على الداخل، بل امتد تأثيرها إلى الخارج عبر شراكات واستثمارات في الأسواق النامية، بهدف تحقيق العدالة الاقتصادية ومساعدة الدول على بناء اقتصادات مستدامة قائمة على الابتكار والتقنية. وهكذا أصبحت المملكة أحد أعمدة التحوّل العالمي نحو اقتصاد أكثر شمولًا وعدالة، يجمع بين الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية البيئية والإنصاف الاجتماعي، في نموذج يُحتذى به ضمن مسار التحوّلات الكبرى التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين. ومن الأمثلة البارزة على الشراكات الدولية التي عقدتها المملكة عبر مبادراتها الاستثمارية عالمياً، صندوق الاستثمارات العامة مع عدد من الشركاء مثل: «شركة بلاك روك» أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم. ومضمون الشراكة توقيع مذكرة تفاهم لإطلاق منصة استثمارية متعددة الأصول في العاصمة الرياض، بتمويل يصل إلى خمسة مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة. والهدف تحفيز نمو الأسواق المالية السعودية وجذب الاستثمارات الأجنبية في مجالات البنية التحتية، والأسهم الخاصة، والأسهم العامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذه الشراكة تعكس سعي المملكة لدمج رأس المال العالمي في مشاريعها التنموية وتعزيز الربط بين الاقتصاد السعودي والأسواق العالمية. وشركة «ألات» وهي إحدى الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، والشركاء الدوليون، «مجموعة سوفت بنك» اليابانية. و»شركة داهوا تكنولوجي» الصينية و»شركة تحكّم التقنية الأمنية» السعودية. والهدف، إقامة تحالفات استراتيجية لتطوير التصنيع المستدام، وتقنيات خفض الانبعاثات الكربونية، وإنتاج مكوّنات الأجهزة الإلكترونية والذكية محليًا. وتمثل هذه الشراكات انتقال المملكة من دور المستورد إلى دور المطوّر والمصنّع للتقنية، بما يدعم اقتصاد الابتكار والاستدامة. وكذلك «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي» (SDAIA)، والشركاء الدوليون، عدد من الشركات والمؤسسات العالمية مثل: «شركة غوغل كلاود» (Google Cloud) و»شركة IBM» و»المنتدى الاقتصادي العالمي» (World Economic Forum). ومجالات التعاون، الذكاء الاصطناعي، وأمن البيانات، والتحول الرقمي، وتمكين الكفاءات البشرية السعودية في مجالات الثورة الصناعية الرابعة. قيادة إقليمية وتُسهم هذه الشراكات في جعل المملكة مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي والبيانات، وتدعم بناء اقتصاد معرفي مستدام. والمبادرات البيئية العالمية، «المبادرة السعودية الخضراء» (Saudi Green Initiative) و»مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» (Middle East Green Initiative) والشركاء، منظمات بيئية وتنموية دولية، وصناديق تمويل من الأممالمتحدة والبنك الدولي، إضافة إلى حكومات من آسيا وأوروبا وإفريقيا. والهدف، التعاون في مشروعات الطاقة المتجددة، والتشجير، وخفض الانبعاثات، وإدارة المياه. وهذه المبادرات جعلت من المملكة قائدةً إقليمية في العمل المناخي، وشريكًا فاعلاً في الجهود الدولية لتحقيق الحياد الكربوني وانعكاسات الشراكات على مكانة المملكة في الاقتصاد العالمي 2025 ، وأثمرت هذه الشراكات النوعية عن تحوّل استراتيجي في موقع المملكة الاقتصادي على خريطة العالم، لتغدو الرياض خلال عام 2025 مركزًا متقدّمًا لاتخاذ القرار الاستثماري، ومختبرًا عالميًا للنماذج الاقتصادية الجديدة، التي توازن بين النمو والتنمية المستدامة. وقد نجحت المملكة، عبر مبادراتها الاستثمارية ومنصاتها الدولية، في تحويل رؤوس الأموال من الاقتصادات التقليدية إلى قطاعات المستقبل مثل: الطاقة النظيفة، والتقنيات الرقمية، والصناعات الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والفضاء، والاقتصاد الدائري للكربون. وهذا التحوّل لم يكن نتاج السياسات الاقتصادية فحسب، بل ثمرة رؤية قيادية واعية جعلت من الاستثمار أداة لبناء الشراكات الإنسانية قبل التجارية، إذ تبنّت المملكة خطابًا اقتصاديًا عالميًا يدعو إلى العدالة في توزيع فرص النمو ودعم الأسواق الناشئة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لتكون شريكًا في التنمية لا متلقّيًا للمساعدات. وفي ظل هذا الزخم، أصبحت المملكة تُدرَج في تقارير المنظمات الدولية – كصندوق النقد والبنك الدولي ومنتدى دافوس – باعتبارها قوة استثمارية صاعدة تسهم في استقرار الأسواق المالية، وتقدّم نموذجًا جديدًا لاقتصاد متوازن بين الكفاءة والإنسانية. كما أضحت مبادرة مستقبل الاستثمار منصة سنوية ترصد منها المؤسسات العالمية اتجاهات رأس المال الذكي، وتُستشرف عبرها ملامح التحوّل نحو اقتصاد عالمي أكثر عدالة وشمولًا. وهكذا، فإن عام 2025 يمثّل مرحلة نضج للمملكة في مسارها الاقتصادي العالمي؛ حيث تجاوزت دور «المصدّر للنفط» إلى «المصدر للأفكار والمبادرات والسياسات» التي تُسهم في صياغة مستقبل الاقتصاد العالمي بروحٍ سعودية منفتحة ورؤيةٍ تنموية شاملة. رصدٌ وتحليل وقد سجلت منصّة مبادرة مستقبل الاستثمار النسخة الثامنة في الرياض في (أكتوبر 2024) اتفاقات معلنة تتجاوز 70 مليار دولار، مثبتةً دور المنصّة كمحرك صفقات إقليمي وعالمي ومستشرف لاتجاهات رأس المال الذكي. وقوة الذراع السيادي، وارتفع صافي الأصول المُدارة إلى نحو 1.15 تريليون دولار في 2024 وفق تقديرات Global SWF، مع استمرار تنويع أدوات التمويل وإصدارات الدين. خيث أصدر الصندوق في أكتوبر 2025 أول سندات خضراء مقومة باليورو بقيمة 1.65 مليار يورو على شريحتين وبنسبة طلبات تجاوزت ستة أضعاف. والتصنيع عالي التقنية (ALAT) من خلال خطة استثمارية حتى 2030 بنحو 100 مليار دولار لبناء قدرات تصنيع مستدامة وشراكات تقنية عالمية. والطاقة المتجددة والهيدروجين، حيث تم إغلاق مالي لمشروع الهيدروجين الأخضر في نيوم بقيمة 8.4 مليار دولار في (مايو 2023) مع عقود تمويل غير رجعي واسعة. والمشروع يمثل ركيزة لسلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر. ووتيرة طرح المشاريع المتجددة، تم توقيع SPPC اتفاقيات شراء كهرباء لثلاثة مشاريع شمسية بقدرة 5.5 جيجاواط بقيمة 12.3 مليار ريال، ضمن مسار سنوي لطرح 20 جيجاواط وصولًا إلى 100–130 جيجاواط بحلول 2030. والمعادن الحرجة وفي سلاسل الإمداد، فقد أكملت منارة المعادن (Ma'aden + PIF) شراء 10% من Vale Base Metals مقابل 2.5 مليار دولار؛ وتدرس الاستحواذ على 10–20% من مشروع ريكو ديق للنحاس في باكستان لتعزيز أمن توريد المعادن الانتقالية. وهدف الطاقة النظيفة المحلي التزام رسمي بأن تُولّد 50% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030 ضمن برنامج الطاقة المتجددة الوطني و»السعودية الخضراء». والتحليل كالآتي: تحوّل بوصلة الصفقات نحو «الاقتصاد العميق». حيث تتجه المملكة إلى تسريع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، الإلكترونيات المتقدمة، والتصنيع المستدام (ALAT) لتخفيض الاعتماد على مشاريع البناء الثقيلة وحدها، وإطلاق قطاعات ذات إنتاجية وصادرات أعلى. وتمويلٌ أخضرٌ يوسّع قاعدة المستثمرين. وإصدار اليورو الأخضر من PIF ليضيف عملة تمويلية جديدة ويوسّع قاعدة المستثمرين الأوروبيين، ما يخفض تكلفة رأس المال لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين. ومن «مشروع» إلى «منظومة، تم إغلاقات الهيدروجين واتفاقيات الشراء المتجددة تعني انتقالًا من مشروعات مفردة إلى سلاسل قيمة تشمل التوليد والتخزين والشبكات والتصنيع المحلي للمكونات. وتم تأمين مدخلات التحول الأخضر، ودخول منارة المعادن في أصول نحاس ونيكل عالمية (Vale Base Metals، ريكو ديق) يخفف المخاطر الجيوسياسية لمشروعات البطاريات والشبكات والطاقة المتجددة داخل المملكة. وكمقياس لمزاج السوق تراكم اتفاقات تتجاوز 70 مليار دولار في دورة واحدة يرسّخ المنصة كمؤشر على شهية المستثمرين ويعطي إشارات مبكرة لتخصيصات رأس المال في المنطقة.