إنتاج 58.7 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030 توطين تقنيات تصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح تعد المملكة العربية السعودية من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، إلا أن التحديات البيئية والاقتصادية العالمية دفعتها إلى تبني سياسات طموحة نحو تنويع مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة. وقد تسارعت هذه الجهود بشكل ملحوظ منذ انطلاق رؤية السعودية 2030. وكانت البدايات ما قبل عام 2010 حيث لم تكن الطاقة المتجددة محورًا رئيسيًا في سياسات الطاقة السعودية، وكانت الاستخدامات محدودة ومحصورة في مشاريع بحثية صغيرة أو مبادرات فردية. ومن أبرز المراحل المبكرة كانت بين أعوام 1970-1980 وكانت تجارب محدودة على استخدام الطاقة الشمسية في الأبحاث الأكاديمية ومراكز الأبحاث. ومنذ عام 2000 وحتى عام 2010 كانت بداية تأسيس مراكز بحثية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST) التي دعمت مشاريع أولية في مجال الطاقة الشمسية. والانطلاقة الحقيقية جاءت ما بعد عام 2010 وتأسيس مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة حيث وضعت المملكة خريطة طريق لاستغلال مصادر الطاقة المتجددة والنووية، وسعت لتقليل الاعتماد على النفط في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه، وكانت انطلاقة رؤية 2030 تمثّل نقطة تحول رئيسية. وتضمنت أهداف الرؤية في هذا المجال إنتاج 50 % من الكهرباء من مصادر متجددة ونظيفة بحلول 2030، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة المحلية، وتمكين القطاع الخاص من الاستثمار في الطاقة المتجددة. وفي عام 2017 أطلق برنامج تطوير الطاقة المتجددة تحت إشراف وزارة الطاقة، بهدف تنويع مزيج الطاقة الوطني، وتنفيذ مشاريع ضخمة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. «الطاقة المتجددة» وفي إطار رؤية السعودية 2030، أطلقت المملكة عدة مبادرات وبرامج وطنية في مجال الطاقة المتجددة تهدف إلى تنويع مزيج الطاقة، لتقليل الاعتماد على النفط، وتحقيق الاستدامة البيئية. ومن أبرز المبادرات والبرامج الوطنية في الطاقة المتجددة، البرنامج الوطني للطاقة المتجددة (NREP)، والجهة المشرفة وزارة الطاقة، والأهداف هي: إنتاج 58.7 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030 (40 جيجاواط شمسية، 16 جيجاواط رياح)، وخفض انبعاثات الكربون، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع الطاقة. وكان أول مشروع مستقل للطاقة الشمسية في المملكة، محطة سكاكا للطاقة الشمسية والتي افتتحت 2021 بقدرة إنتاجية: 300 ميجاواط. وتُعد أول مشروع للطاقة المتجددة يتم تشغيله ضمن برنامج الطاقة المتجددة الوطني في المملكة العربية السعودية. وتمثل خطوة بارزة في مسار التحول نحو الطاقة النظيفة. وقد وفرت الطاقة ل 75 ألف منزل، وعدد الألواح الشمسية أكثر من 1,200,000 لوح شمسي. والأثر البيئي في ذلك خفض انبعاثات الكربون بحوالي 500 ألف طن سنويًا، أي مايعادل إزالة أكثر من 100 ألف سيارة من الطرق سنويًا.وهذا المشروع يشكل نموذجًا ناجحًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الطاقة، ويعزز من موثوقية وفعالية الشبكة الكهربائية في شمال المملكة، ويُستخدم كنموذج يُحتذى به في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة الأخرى في مناطق مختلفة من المملكة. والثاني كانت محطة دومة الجندل لطاقة الرياح أول مشروع تجاري لطاقة الرياح بقدرة إنتاجية: 400 ميجاواط. وتعد أحد أكبر مشاريع طاقة الرياح في الشرق الأوسط. والثالث مشروع «نيوم»المدينة الذكية التي تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة. وتلتزم نيوم بتوفير 100 % من احتياجاتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مستفيدةً من موقعها الجغرافي المثالي في شمال غرب المملكة العربية السعودية. «الهيدروجين الأخضر» وتحتضن نيوم أكبر مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم. ويهدف المشروع إلى إنتاج 600 طن يوميًا من الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة المتجددة، مع استثمار يُقدّر ب8.4 مليارات دولار، وتم إنشاء مشروع «الهيدروجين الأخضر» مع شركاء عالميين. ومن أبرز المستهدفات إنتاج 4 جيجاواط من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2025. وتهدف مدينة نيوم ومبادرة "إنوا" (ENOWA) إنشاء أول شبكة طاقة تعتمد بالكامل على مصادر متجددة من خلال عدد من المشاريع منها: مشروع الهيدروجين الأخضر (600 طن يوميًا بحلول 2026)، وتوفير الطاقة الشمسية والرياح لجميع مناطق نيوم. والرابع مشروع السعودية الخضراء وتم إطلاقه في 2021، ويهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة. لتسهم في خفض انبعاثات الكربون بأكثر من 4 % من المساهمات العالمية، والعمل على تعزيز إنتاج الطاقة النظيفة. وسيسهم مشروع السعودية الخضراء بشكل كبير في خفض انبعاثات الكربون من خلال مجموعة مبادرات بيئية وطبيعية وصناعية، أبرزها: التشجير الواسع النطاق، وزراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة خلال العقود القادمة. وتمتص الأشجار كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، ما يساهم في تقليل التلوث وتحسين جودة الهواء. وحماية واستعادة الغطاء النباتي الطبيعي وترميم المراعي والغابات الطبيعية يسهم في امتصاص الكربون من الغلاف الجوي وتقليل التصحر، ما يحد من انبعاثات الغبار والحرارة. كما سيسهم في التحول إلى الطاقة النظيفة ورفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 50 % من مزيج الطاقة بحلول 2030، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وسيتم استبدال محطات الطاقة التقليدية بمصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما أن خفض الانبعاثات الصناعية يسهم بالاستثمار في تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCS) من الصناعات الكبرى، وتحسين كفاءة المصانع والمنشآت الصناعية لتقليل استهلاك الطاقة والانبعاثات الناتجة. والحد من انبعاثات قطاع النقل بالتوسع في النقل العام والقطارات الكهربائية، وتشجيع المركبات الكهربائية والتقليل من السيارات التي تعمل بالوقود. «تعاون دولي» وسيسهم التعاون الإقليمي بإطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر لزراعة 50 مليار شجرة في المنطقة، ما يعزز التأثير الجماعي في خفض الكربون. وترتبط جهود المملكة في الطاقة المتجددة والتعاون الدولي بارتباط وثيق بمبادرة السعودية الخضراء، وتُعد ركيزة أساسية لتحقيق أهدافها البيئية والمناخية. ودور الطاقة المتجددة في دعم السعودية الخضراء تقليل الانبعاثات الكربونية، والطاقة المتجددة (كالشمس والرياح) لا تنتج ثاني أكسيد الكربون، ما يساهم في تحقيق هدف السعودية الخضراء بخفض الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول 2030، وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري. والسعودية تخطط لتوليد 50 % من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2030، ما يعني تقليل حرق النفط والغاز، وتعزيز كفاءة الطاقة، الطاقة النظيفة التي تُستخدم في تشغيل المشاريع الزراعية (مثل التشجير) ومحطات التحلية، ما يعزز استدامة موارد المياه والغطاء النباتي. كما سيسهم التعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة في نقل المعرفة والتقنية، من خلال شراكات مع دول مثل الصين، ألمانيا، وكوريا الجنوبية، وستستفيد المملكة من تقنيات متقدمة في إنتاج الطاقة الشمسية والرياح وتخزين الطاقة ، واستثمارات وشركات عالمية. كما أن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها السعودية لتوحيد جهود الدول الإقليمية في مجال التشجير والطاقة النظيفة، سيوجد جبهة مناخية موحدة تسرّع الوصول إلى الأهداف البيئية. فالعلاقة الجوهرية مع السعودية الخضراء أنها ليست فقط مبادرة بيئية، بل هي استراتيجية تحول اقتصادي ومناخي، والطاقة المتجددة هي عمودها الفقري. ومن دون هذا التحول في مزيج الطاقة، لن يكون ممكنًا تحقيق الأهداف الطموحة للمبادرة في خفض الانبعاثات وتحسين جودة الحياة. كما ستهدف مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون (CCE) التي أُطلقت في قمة مجموعة العشرين بالرياض (2020) إلى تقليل وإعادة استخدام واحتجاز وتخزين الكربون ، واستخدام الطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون جنبًا إلى جنب. «أبحاث ودراسات» وتولي المملكة العربية السعودية أهمية كبيرة للبحث العلمي والدراسات في دعم سياسات الطاقة المتجددة، وقد أنشأت بالفعل عدة مراكز أبحاث متخصصة تعمل على تطوير وتوطين التقنيات النظيفة، وتعزيز الاستدامة ومن أبرز هذه الجهود مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة (K.A.CARE) التي تعد من أهم الجهات البحثية السعودية في مجال الطاقة، وتعمل على وضع الأطر والسياسات الوطنية للطاقة المتجددة. وتقود جهود البحث والتطوير في الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة الذرية السلمية. كما تحتضن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (KACST) مراكز بحثية متقدمة في مجالات الهيدروجين الأخضر، البطاريات، وكفاءة الطاقة، وتدعم المشروعات التجريبية ومبادرات الابتكار بالتعاون مع الجامعات والشركات المحلية والعالمية. ويتوقع أن يلعب مركز الملك سلمان للطاقة المتجددة (قيد التخطيط / التنفيذ ضمن رؤية 2030) دورًا محوريًا في توجيه سياسات الطاقة المستقبلية. ويهدف إلى تعزيز الأمن الطاقي وتقديم توصيات علمية لصنّاع القرار. وهناك اشراكات بحثية مع العديد من الجامعات العالمية مثل: التعاون بين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) وجامعات عالمية في تطوير تقنيات تخزين الطاقة والهيدروجين النظيف. وهذه الجهود تسهم في نقل وتوطين المعرفة وبناء القدرات البشرية الوطنية. وسيكون أثر هذه المراكز على سياسات الطاقة المتجددة توفير بيانات دقيقة ومحلية تدعم اتخاذ قرارات مبنية على العلم، واقتراح تشريعات تنظيمية وتشجيعية مثل تعرفة التغذية للطاقة الشمسية. ورسم خرائط الموارد المتجددة وتحديد المواقع المثلى للاستثمار، وتقييم الأثر البيئي والاقتصادي لمشاريع الطاقة النظيفة. «تحديات وإنجازات» ورغم التقدم الملحوظ، تواجه المملكة عدة تحديات ومنها: البنية التحتية كتطوير الشبكة الكهربائية لاستيعاب الطاقة المتجددة. والاستثمار الخاص والحاجة لتسهيل دخول المستثمرين من القطاع الخاص. كما أن من التحديات نقص الكوادر الوطنية: في المهارات المتخصصة بتقنيات الطاقة المتجددة. كما الربط الإقليمي بحاجة إلى استراتيجيات تصدير فائض الطاقة المتجددة للدول المجاورة. وهناك مؤشرات وإنجازات حتى 2025 فأكثر من 3 جيجاواط من الطاقة المتجددة تم تشغيلها أو التعاقد عليها. وهناك انخفاض كبير في تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية (أقل من 2 سنت / ك.و.س). وهناك أيضاً تطور واضح في استراتيجيات تنويع مصادر الطاقة وفتح المجال أمام المطورين والمستثمرين. والمملكة دخلت قائمة الدول الأسرع نموًا في مجال مشاريع الطاقة النظيفة. ومستقبل وأهداف الطاقة المتجددة في المملكة مابعد 2025 إنتاج أكثر من 58.7 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030، وتوطين تقنيات التصنيع الخاصة بالألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وتصدير الكهرباء والهيدروجين الأخضر لدول أوروبا وآسيا. ومن الأهداف أيضا إتاحة فرص الاستثمار بفتح الأسواق أمام الشراكات الأجنبية، وإنشاء مشاريع في قطاع الهيدروجين، وتخزين الطاقة، والتقنيات الذكية، ودعم الابتكار المحلي والبحث العلمي. وتُعد المملكة الآن في موقع استراتيجي واعد في مجال الطاقة المتجددة، حيث نجحت في الانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ الفعلي للمشاريع، ومع استكمال أهداف رؤية 2030، ومن المتوقع أن تصبح السعودية لاعبًا رئيسًا عالميًا في تصدير الطاقة النظيفة.