في لحظة تعيد رسم ملامح الاقتصاد الوطني، جاءت كلمات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عقب إعلان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2026 لتكشف عن عمق التحول الاقتصادي الذي تعيشه المملكة منذ إطلاق رؤية 2030، إذ قال سموه: "إن ما حققته المملكة من تحول هيكلي منذ انطلاقة رؤية 2030 أسهم في تحسين معدلات نمو الأنشطة غير النفطية". تلك العبارة التي تلخص مسارًا اقتصاديًا لم يعد يعتمد على تقلبات النفط، بل يقف على قاعدة صلبة من التنويع والابتكار والاستثمارات النوعية. وتمكنت المملكة بنظر الكثير من الخبراء في الجانب الاقتصادي من صياغة معادلة اقتصادية جديدة، تجاوزت فيها حدود الأنماط التقليدية، لتبني اقتصادًا واسع الأفق، قادرًا على خلق الفرص وتوليد القيمة، ومتصلًا بالعالم في شبكة من المشاريع العملاقة والقرارات الاستراتيجية التي تتقدم بثبات نحو المستقبل، ومع إعلان ميزانية 2026، بدا واضحًا أن المملكة انتقلت من مرحلة الإصلاح إلى مرحلة التمكين، إذ تتكامل القطاعات، وتتسارع وتيرة النمو، وتتأكد قدرة الاقتصاد الوطني على مجابهة المتغيرات العالمية دون أن تتزعزع بوصلته. وفي صلب هذا التحول، شدد سمو ولي العهد على أن مصلحة المواطن في صدارة أولويات حكومة المملكة التي تواصل مساعيها لدعم النمو الاقتصادي والمحافظة على استدامة لمالية العامة، إذ تشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بنسبة 4.6 % مدفوعاً بنمو الأنشطة غير النفطية، فيما واصلت الأنشطة غير النفطية دورها المحوري في قيادة النمو الاقتصادي مسجلة نموا بمعدل 4.8 %، مؤكداً سموه أن صندوق الاستثمارات العامة سيواصل دعم تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 وتنمية القطاعات الاستراتيجية الواعدة وبناء شراكات اقتصادية استراتيجية. ورصدت "الرياض" خمس محددات رئيسة شدد عليها وزير المالية محمد الجدعان تمثلت في أن العجز يختلف بحسب استخداماته بالنسبة للمملكة، إذ كان مستهدفاً في شكل استراتيجي، وأن المملكة مستمرة في الإنفاق التوسعي بهدف عدم مجاراة الدورة الاقتصادية، وأن هناك توقع أن يزيد الانفاق ليصل إلى نحو تريليون و419 مليار ريال عام 2028، وأن أسعار النفط إن اهتزت أسعرها تتأثر الايرادات الحكومية، بيد أننا لسنا في خطر، وأن أغلب النفقات الحالية ستحقق مردودها بعد سنوات وسنستمر بزيادة الإنفاق طالما العائد عليها أكبر من الاقتراض. وتعكس أرقام الميزانية حجم الحركة الاقتصادية، إذ بلغت النفقات 1.312 تريليون ريال، مقابل إيرادات قدرها 1.147 تريليون ريال، فيما بلغ العجز 165.4 مليار ريال، وهو عجز محسوب يأتي في سياق سياسة توسعية تُبنى على رؤية واضحة، وليس على ردود أفعال مؤقتة، وذكر خبراء اقتصاديون أن استمرار قوة الأنشطة غير النفطية يُعد أكبر دليل على نجاح التحول الاقتصادي، وأن المملكة ماضية نحو بناء اقتصاد أكثر مرونة وقدرة على امتصاص الصدمات، وأكثر قدرة على خلق وظائف ونمو مستدام، وأكثر جذبًا للاستثمارات النوعية. وفي قراءة اقتصادية خاصة ب "الرياض" قال الخبير الاقتصادي رجل الأعمال حسين المعلم: "إن الميزانية تعكس نضجًا اقتصاديًا واضحًا، وأن الدولة تتحرك برؤية متقنة، تجعل القطاعات غير النفطية في قلب المعادلة الاقتصادية الجديدة"، موضحا أن هذه الميزانية ليست مجرد أرقام، بل هي رسالة ثقة للمستثمرين، محليين ودوليين، بأن المملكة تبني اقتصادًا متينًا يستند إلى المعرفة، وإلى مشاريع تتجاوز حدود الزمن، مثل المدن الذكية، والقطاع اللوجستي، والابتكار التقني، مشيرا إلى أن الإنفاق الحكومي الموجّه يشكل قاعدة صلبة لتحولات السنوات القادمة، وأن المواطن هو المستفيد الأول من مشاريع التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان، والخدمات، والتي تُصاغ اليوم بمعايير تنافسية عالمية. وأكد ورجل الأعمال م. شاكر آل نوح أن قراءة الميزانية تكشف عن استمرار القوة في القطاعات الاستراتيجية، التي لم تعد مجرد قطاعات مساندة، بل أصبحت قاطرة أساسية للنمو، وأوضح أن البنية الجديدة للاقتصاد الوطني – بما فيها الصناعة، والخدمات اللوجستية، والتقنية، والسياحة – تُعيد تشكيل المشهد الاقتصادي، وتفتح الباب أمام فرص واسعة للشركات المحلية، وتضع المملكة على خريطة الدول المنافسة عالميًا، مضيفا "إن المشاريع العملاقة التي نراها اليوم منجزة، أو تلك التي في طور العمل حاليا ليست مشاريع ترفيهية أو عمرانية فحسب، بل مشاريع اقتصادية ذات تأثير طويل المدى، ستعيد توزيع الفرص، وترفع مساهمة القطاع الخاص، وتدعم تحول المملكة نحو اقتصاد معرفي". وعلى الجانب العقاري، قال الخبير العقاري محمد الحماد: "إن ميزانية 2026 تمثل دفعة قوية للقطاع العقاري الذي يشكل أحد أعمدة التنمية في المملكة"، مضيفا "المشاريع الحكومية، والتوسع في البنية التحتية، والمناطق الحديثة، والتحول الرقمي في القطاع العقاري، كلها عوامل تنعكس إيجابًا على حركة السوق، وترفع مستوى الطلب، وتسرّع وتيرة التطوير السكني والتجاري". وبيّن أن وضوح الرؤية الاقتصادية يمنح المطورين والمستثمرين ثقة أكبر، خصوصًا مع ازدياد المبادرات التي تستهدف تيسير تملّك المواطنين وتطوير الأحياء الحضرية. وأبان بأن الإنفاق الحكومي المستدام سيقود إلى مرحلة أكثر نضجًا في السوق العقارية، وإلى فرص أعلى للنمو خلال السنوات المقبلة، موضحا أن رؤية ولي العهد، وقراءة وزير المالية، وتحليل الخبراء، تؤكدا لنا أن الميزانية 2026 تبدو محطة جديدة في مسار طويل يبني اقتصادًا متنوعًا، مستقرًا، وقادرًا على مواجهة العالم بثقة.. ميزانية تضع المواطن أولاً، والمستقبل أمام العين مباشرة. حسين المعلم م. شاكر آل نوح محمد الحماد