ترامب: أي دولة تهرب المخدرات لأمريكا معرضة للهجوم    ولي العهد يستقبل الأمراء وجمعاً من المواطنين في قصر الخليج بالدمام    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    2.3 % تضخم منخفض بالسعودية في 2025 مقارنة بالمعدلات العالمية    الأخضر يقهر عمان في كأس العرب    مصدر هلالي: لا صحة لعرض نونيز على ريفر بليت    تعليم الطائف يتأهل بتسعة طلاب إلى المعارض المركزية لأولمبياد إبداع 2026    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    التعادل يحسم مواجهة مصر والكويت في كأس العرب    كفاح من أجل الحلم    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    أبها المدينة الصحية استعدادات وآمال    جدة تستضيف الجولة الختامية من بطولة السعودية "تويوتا للباها 2025"    مساعد وزير الإعلام يبحث مع سفير موريتانيا التعاون بالإذاعة والتلفزيون    فيصل بن مشعل يرعى توقيع مذكرة تعاون بين إسلامية القصيم وجمعية التنمية الأسرية    بوتين: الهجمات على ناقلات النفط قرب تركيا «قرصنة»    خبراء: رفع الإنفاق البحثي نحو الصناعة رافعة محورية لتعزيز الأمن الغذائي    احتفال نور الرياض يقدّم أول تجربة ضوئية في محطات القطار    أمير تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    أمير الشرقية يستقبل الدوسري المتنازل عن قاتل أخيه    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    انطلاق معسكر العمل الكشفي التقني البيئي المركزي 2025م بمنطقة الرياض    مركز الفلك الدولي يوثق بقع شمسية أكبر من الأرض بعشر مرات    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    أكاديمية الأمير سلطان تنظم حملة تبرع بالدم    طرح 21 مشروعا عبر منصة استطلاع لأخذ مرئيات العموم والقطاعين الحكومي والخاص    انطلاقة مشروع "رَواحِل" بجمعية التنمية الأهلية بأبها    المركز الوطني للعمليات الأمنية يتلقى (2.720.218) اتصالًا عبر رقم الطوارئ الموحد (911)    اعتداء جديد للمستعمرين يعطل مصادر المياه في «رام الله»    قوات الاحتلال تحتجز فتاة وتعتقل طفلًا    النحاس يسجل سعرًا تاريخيًّا وسط مخاوف من أزمة إمدادات عالمية    تصنيف صندوق الاستثمارات العامة عند (A-1)    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    مجلس الوزراء يعقد جلسة مخصصة للميزانية اليوم    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    وزير الطاقة يطلق منتدى الاستثمار المشترك.. السعودية وروسيا.. مرحلة جديدة من التعاون الشامل    في قمة الجولة 15 من الليغا.. برشلونة يواجه أتلتيكو مدريد لتأكيد الصدارة    هنيدي خارج السباق الرمضاني    التعالي الصامت    «مركز الموسيقى» يحتفي بإرث فنان العرب    سمو أمير قطر يفتتح كأس العرب    خربين يقود المنتخب السوري للفوز على نظيره التونسي    أعادت إشعال الضفة باقتحامات واسعة.. إسرائيل تناقض الهدنة وتكثف القصف على غزة    علماء الآثار الروس يكتشفون آثارًا فنلندية وقطعًا معدنية عربية في منطقة إيفانوفو    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    البروفيسورة حياة سندي تنضم لجائزة Galien    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    عد الأغنام لا يسرع النوم    اختراق أمني يستهدف ChatGPT    وفاة أول معمرة في روسيا    تقنية تعيد تمييز الروائح للمصابين    دورة علمية للدعاة والأئمة والخطباء بجزيرة لومبوك الإندونيسية    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    أمير منطقة جازان ونائبه يطمئنان على صحة مدير عام التعليم ملهي عقدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد الخليجي.. رؤى موحدة عابرة للنفط
نشر في الرياض يوم 01 - 12 - 2025

تستضيف مملكة البحرين الأربعاء القمة الخليجية السادسة والأربعين لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في تأكيد متجدد على التزام الدول الأعضاء الست -المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، ودولة قطر، ومملكة البحرين، وسلطنة عمان - بدعم مسيرة التعاون والتكامل الخليجي المشترك، الممتدة لأكثر من أربعة عقود.
منذ انطلاق المسيرة المباركة للعمل الخليجي المشترك في 25 مايو 1981، ومجلس التعاون الخليجي، يواصل بذل جهود حثيثة للارتقاء بأداء دوله في مختلف مجالات الحياة، سيما في المجالين الاقتصادي والمالي، من خلال التنسيق المتكامل وفق ما نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي للمجلس، ووفق أيضًا ما أكدت عليه المادة على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس.
وقد أكدت جميع مواد النظام الأساسي لمجلس التعاون على ترسيخ العلاقات بين الدول الأعضاء، لتكون علاقات متينة تنبثق من سمات مشتركة وأنظمة متقاربة، أساسها العقيدة الإسلامية، والإيمان بالمصير الواحد ووحدة الهدف. وهو ما يجعل من تعزيز التعاون والتكامل بينها ضرورة ملحة تخدم الأهداف السامية للأمة العربية.
مستقبل اقتصادي متين يقود التحولات العالمية
وقد جاءت الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون، التي وقعت في نوفمبر 1981 وتم تحديثها لاحقًا في ديسمبر 2001، لتعزيز التعاون الاقتصادي والتكامل بين دول المجلس، استجابة لتطلعات دول الخليج وشعوبها، حيث هدفت إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الشامل، بما في ذلك إنشاء سوق خليجية مشتركة واتحاد جمركي موحد، إضافة إلى تسهيل حركة البضائع والخدمات ورؤوس الأموال بين دول المجلس، بما يسهم في دعم التجارة البينية وزيادة كفاءتها.
وهدفت الاتفاقية أيضًا إلى تأسيس سوق خليجية مشتركة، التي أُعلن عن بدء العمل بها في عام 2008، بغية تعزيز حرية تنقل المواطنين ورؤوس الأموال والسلع والخدمات بين دول المجلس، وتحقيق تنمية صناعية وزراعية مشتركة، تسهم في تعزيز الأمن الغذائي والتكامل الصناعي الخليجي. كما ونصت الاتفاقية على تنسيق السياسات النقدية والمالية بين دول المجلس، بما يعزز الاستقرارين الاقتصادي والنقدي في دوله، ويسهم في قدرتها على مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية.
وقد تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من مواكبة التحولات الاقتصادية العالمية عبر تبني مجموعة من السياسات والمبادرات الرامية إلى تعزيز الاستدامة الاقتصادية والمالية، من خلال تنويع القاعدة الاقتصادية ومصادر الدخل القومي، والانفتاح الواسع على الاقتصاد العالمي.
ومن بين أبرز توجهات سياسات الإصلاح الاقتصادي في دول المجلس، السعي لتقليل الاعتماد على النفط بوصفه المصدر الرئيس للدخل، عبر تطوير قطاعات اقتصادية واعدة مثل السياحة، والتقنيات المتطورة، والخدمات اللوجستية، والصناعات المختلفة، بما يعزز النمو المستدام ويزيد من مرونة اقتصادات دول المجلس.
وكان للرؤى المختلفة لدول المجلس كرؤية السعودية 2030، ورؤية دولة الامارات العربية المتحدة 2031، ورؤية دولة الكويت 2035، وبقية رؤى دول المجلس، دوراً مهمًا للغاية كخطط ضمن إطارًا استراتيجيًا لتطوير كافة القطاعات الاقتصادية والاستثمارية غير نفطية، مما يسهم في تنويع الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاعات الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
فعلى سبيل المثال ترتكز الرؤية السعودية على ثلاثة محاور رئيسة، تمثل مجتمع متماسك نابض بالحيوية ينعم بالازدهار الاقتصادي لمجتمع مواطنه مسؤول، وجذوره راسخة تستند على قيم الإسلام السمحة والفخر بالوطن، مع الاعتزاز بالتراث والثقافة السعودية، في بيئة توفير خيارات ترفيه على مستوى عالمي، ونمط حياة مستدام، وأنظمة رعاية صحية واجتماعية فعالة، حيث تتميز المملكة بثقافتها الغنية، ووحدتها الوطنية وعقيدتها الإسلامية، مفتخرة على مدار العصور بضيافة الحجاج والمعتمرين وإبراز قيمها للعالم.
ومن بين مستهدفات الرؤية السعودية، إرساء الرفاهية الصحية والنفسية والاجتماعية ضمن أهم أولوياتها، بحيث ينعم الجميع بجودة حياة عالية وصحية في بيئة عامرة وداعمة. وتهدف الرؤية إلى بناء مجتمع متين البنيان، من خلال تعزيز التنمية الاجتماعية، وتقوية الروابط الأسرية، وتطوير التعليم لبناء شخصيات قوية وقادرة على الإسهام في نهضة الوطن، إضافة إلى إنشاء أنظمة رعاية صحية واجتماعية متقدمة تواكب المعايير العالمية.
وبالنسبة للرؤية الإماراتية 2035، فهي ترتكز على أربعة محاور رئيسة، تشمل كافة القطاعات الحيوية التي تتضمن المجتمع، والاقتصاد، وعلاقات الإمارات مع مختلف دول العالم، والمنظومة الممكنة، حيث تَهدف على الجانب المجتمعي، أن يكون المجتمع الإماراتي الأكثر ازدهاراً عالمياً، في حين تسهم السياسات والخطط الاقتصادية في تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية في كافة القطاعات، بما يَعكس إيمان دولة الإمارات بأهمية رأس المال البشري باعتباره المحرك الأساسي لخطتها التنموية العشرية.
كما ركزت الرؤية الإماراتية على إبراز جانب التعاون الدولي، بما يعكس ترسيخ دعائم السلام والتعاون المشترك على المستويين الإقليمي والعالمي، والإسهام في نشر الخير والرخاء بين كافة الشعوب انطلاقاً من احترام القيم الإنسانية.
وأخيرًا، ركزت الرؤية الإماراتية على تعزيز كفاءة الأداء الحكومي، من خلال الاهتمام بتقديم أفضل الخدمات الحكومية، وتطوير نماذج عمل حكومية مرنة ترتكز على تحقيق النتائج والفاعلية، من خلال التركيز على تطوير البنية التحتية وفق أحدث الأساليب التكنولوجية، وتعزيز البنية الرقمية بما يدعم مسيرة التنمية الشاملة.
ولا شك أنّ تأسيس مجلس التعاون والتوقيع على الاتفاقية الاقتصادية، في إطار السعي نحو تحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية المنشودة لدول المجلس، قد أسهما بشكل كبير في تعزيز تماسك اقتصادات دول المجلس واستقرارها المالي، حيث قد تمكنت اقتصادات دول المجلس من الصمود أمام ما واجه معظم دول العالم من تحديات وصعوبات جسيمة، نتجت عن الصراعات العسكرية والتجارية، إضافة إلى الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، كان من أبرزها وأشدّها في العصر الحديث الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في منتصف عام 2008.
إصلاحات مالية وهيكلية تدعم صعود القطاعات غير النفطية وتسرع مسار السوق المشتركة
ووفقًا للتقرير الصادر عن المركز الإحصائي لمجلس التعاون لعام 2023، فقد شهدت دول مجلس التعاون ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات النمو خلال الاثنين وعشرين عامًا الماضية.
فعلى سبيل المثال، بلغت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في عام 2023 نحو 71.2 %، في حين وصلت مساهمة الصادرات غير النفطية من إجمالي الصادرات السلعية إلى 19.3 %، كما وبلغت مساهمة الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات الحكومية نحو 38 %.
وبلغت نسبة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في عام 2011 نحو 52.6 %، في حين بلغت نسبة مساهمة الصادرات غير النفطية من إجمالي الصادرات السلعية 11.1 % ومساهمة الإيرادات غير النفطية في إجمالي الإيرادات الحكومية نسبة 13.7 %.
رغم ما حققته الاتفاقية الاقتصادية من تعزيز للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأعضاء، وما أسهمت به في تحقيق الرخاء والازدهار لشعوب المنطقة، فإن دول المجلس، ومنذ مطلع الألفية الجديدة، تواجه -شأنها شأن بقية دول العالم- سلسلة من التحديات التنموية والاقتصادية غير التقليدية، والتي تتمثل أبرزها في الانتشار المتسارع للتقنيات المتطورة، وعلى رأسها تقنيات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى التوجّه العالمي نحو استخدام الطاقة النظيفة بمختلف بدائلها وتفرّعاتها.
رغم حدة تلك التحديات، فإن دول مجلس التعاون تنبّهت مبكرًا لخطورتها، وانطلقت في مسيرة اقتصادية ومالية مباركة، مستندة إلى رؤى طموحة بدأت ثمارها تتجلى سريعًا في تحقيق مستهدفات تنموية واقتصادية واستثمارية غير مسبوقة، تفوقت في كثير من جوانبها على ما حققته بعض الدول المتقدمة اقتصاديًا داخل مجموعة العشرين. وقد جاء هذا التقدّم مدعومًا برؤى اقتصادية ومالية طموحة، صادقة، وواضحة المعالم والأهداف.
فالبرغم من تباطو النمو الاقتصادي العالمي، إلا أن دول المجلس استمرت في تحقيق معدلات نمو إيجابية، حيث على سبيل المثال لا الحصر؛ نقلاً عن وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، استنادًا إلى ما أشار إليه التقرير الصادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية - بعنوان "آفاق الأداء الاقتصادي 2024 لمجلس التعاون تمكين الاستدامة المالية وتعزيز النمو غير النفطي"، أن اقتصادات دول المجلس سجلت أداءً متوازنًا خلال عام 2024، رغم التحديات العالمية؛ إذ بلغ معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي نحو 1.9 %، مدفوعًا بنمو القطاعات غير النفطية بنسبة 4.4 %، مما يعكس التقدم في تنفيذ استراتيجيات التحول الاقتصادي.
وتوقّع التقرير أن تتسارع وتيرة النمو خلال الأعوام المقبلة لتصل إلى 4.3 % بحلول عام 2027، مع توسّع الاستثمارات في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية والتكنولوجيا.
تشير تلك المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي حققتها دول مجلس التعاون إلى قدرتها على إحراز المزيد من التقدم الاقتصادي والمالي، القائم على التنويع الاقتصادي وتعزيز التكامل بين اقتصاداتها، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية والنقدية المنشودة.
ومن هذا المنطلق، فإن تحقيق الزخم الاقتصادي المأمول يتطلّب استكمال جميع خطوات تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، التي ستُمكّن دول المجلس -بلا شك- من بلوغ أهدافها في تعزيز التكامل الاقتصادي، عبر تسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال بين الدول الأعضاء.
كما أن استكمال مراحل الاتحاد الجمركي سيُسهم، دون أدنى شك، في توحيد الرسوم الجمركية وتسهيل انسياب التجارة بين دول المجلس، بما يعزّز قدرتها التنافسية في الأسواق الإقليمية والعالمية.
لا جدال في أن دول مجلس التعاون، عبر رؤاها المختلفة، تسعى جاهدة لتحقيق معدلات نمو اقتصادية إيجابية، وتنويع اقتصاداتها ومواردها المالية، واعتماد خطط واضحة نحو الاستدامة -سواء في مجال الطاقة المتجددة أو في توظيف التقنيات المتطورة كالذكاء الاصطناعي وغيرها- إضافة إلى تبنّي تقنيات الاقتصاد الأخضر ومختلف التكنولوجيات ومجالات الابتكار.
سياسات متزامنة للطاقة النظيفة والتقنية تعزز موقع المجلس إقليميًا وعالميًا
إلا أنّ تكامل الجهود بين رؤى دول المجلس المختلفة سيُسهم في تسريع بلوغ الأهداف، وبشكل أكثر تنسيقًا وفاعلية، بما يحقق وفورات اقتصادية كبيرة، ويعزز تبادل الخبرات الخليجية وتطويرها بما يخدم مسيرة التعاون المشترك.
فعلى سبيل المثال، ورغم وجود شراكات فعلية بين دول المجلس في مجال تطوير المدن النظيفة والمستدامة، فإن الحاجة ما تزال قائمة لتبنّي رؤى موحّدة ومتكاملة في مجال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة -مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح- لما لذلك من أثر بالغ في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق مستهدفات الاستدامة البيئية. وفي الوقت ذاته، فإن هذا التوجّه المشترك من شأنه خفض التكاليف المرتبطة بمختلف مراحل تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، وصولًا إلى تحقيق الهدف الخليجي المتمثّل في تعزيز مفهوم الاقتصاد الأخضر.
ويشمل ذلك أيضًا الاستمرار في توظيف سياسات عملية للحدّ من انبعاثات الكربون، مثل إنشاء مشاريع ومدن خليجية مشتركة تعتمد على التقنيات النظيفة والمستدامة، الكفيلة بتوفير احتياجات دول المجلس من هذا النوع من الطاقة، وتعزيز أمنها واستقرارها في هذا القطاع الحيوي.
وفي مجال التكنولوجيا المتطورة والابتكار، فإن دول المجلس تشجع الاستثمار بتلك المجالات، من خلال إنشائها لمراكز بحثية، ومسرعات الأعمال متطورة، وتبنيها لبرامج دعم للشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين. ولربما تعزيز جهود المشاركة بتلك المجالات بين دول المجلس، بما في ذلك تعزيز البنية التحتية الرقمية، سيضمن الاندماج في الاقتصاد الرقمي العالمي بوتيرة أسرع من واقع الحال، بما في ذلك تطوير شبكات 5G ودعم التحول الرقمي في القطاعات المختلفة.
إن تبنّي دول مجلس التعاون لسياسات مالية ونقدية مرنة أسهم -بلا شك- في تمكين اقتصاداتها ومالياتها العامة من الصمود أمام الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدها العالم خلال الأعوام الماضية، مما يبرز الحاجة إلى تسريع وتيرة التكامل الاقتصادي وصولًا إلى الوحدة النقدية، بما يضمن استكمال خطوات التكامل والوحدة الاقتصادية المنشودة.
ولا شك أن تجويد التعليم في دول مجلس التعاون سيُسهم بشكل كبير في بناء جيل يمتلك مهارات علمية ونوعية، لا تلبّي فقط احتياجات سوق العمل فحسب، بل تدعم كذلك التحوّل الاقتصادي المنشود. فهذا التطوير التعليمي يُعدّ ركيزة أساسية للانتقال من اقتصادات اعتمدت -حتى وقت قريب- بشكل كبير على النفط كمصدر رئيس للدخل، إلى اقتصادات متنوعة ومتقدمة، تضاهي الاقتصادات العالمية من حيث الإنتاجية وقدرتها على تعزيز حجم الناتج المحلي الإجمالي.
ولا شكّ أن استمرار دول مجلس التعاون في تبنّي سياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي سيُسهم بفاعلية في دعم جهود التنويع الاقتصادي عبر تطوير قطاعات ونشاطات غير نفطية لم تكن -حتى سنوات قريبة- تشكّل عنصرًا أساسيًا في تعزيز الاستدامة المالية والاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط.
فعلى سبيل المثال، لعب القطاع السياحي في المملكة العربية السعودية دورًا اقتصاديًا وماليًا غير مسبوق، حيث أشار التقرير الإحصائي السنوي لعام 2024 إلى ارتفاع لافت في مؤشرات السياحة على مختلف الأصعدة.
فقد بلغ إجمالي عدد السياح الذين قدموا إلى المملكة -من الخارج وداخلها- نحو 116 مليون سائح في عام 2024، من بينهم 29.7 مليون سائح دولي بنسبة نمو بلغت 8 % مقارنة بعام 2023، إضافة إلى 86.2 مليون سائح محلي بنسبة نمو بلغت 5 % عن العام الماضي.
وتُعد هذه المؤشرات دليلاً واضحًا على نجاح الإصلاحات الاقتصادية في المملكة العربية السعودي، التي هَدفت إلى تعزيز دور القطاعات غير النفطية، خاصة في ظل تطور الخدمات السياحية، وتنوع الفعاليات، وتحسن البنية التحتية، بما يسهم في رفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق أحد أهم مستهدفات التنويع الاقتصادي، سيما حين النظر إلى إجمالي حجم الانفاق السياح الوافدين والسياح المحليين 283.8 مليار ريال سعودي، منها 168.5 مليار ريال سعودي حجم إنفاق السياح الوافدين من الخارج Inbound Tourism ، بنسبة نمو وصلت إلى 19 %، في حين بلغ إنفاق السياح المحليين 115.3 مليار سعودي، مسجلا نسبة نمو بلغت 1 % مقارنًةً بعام 2023.
كما قد تصدّرت المملكة العربية السعودية قائمة الوجهات السياحية الكبرى عالميًا من حيث نمو الإيرادات السياحية من الزوّار القادمين من الخارج، واحتلّت المركز الثاني عالميًا بين أبرز الوجهات السياحية من حيث نمو أعداد السياح الدوليين خلال الفترة من الأشهر التسعة إلى الأحد عشر الأولى من عام 2024، مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019، وفقًا للأرقام الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للسياحة في سبتمبر 2024.
ومن المؤكد أن هذا الإنجاز التاريخي وغير المسبوق الذي حققه قطاع السياحة في المملكة خلال عام 2024، ينسحب أثره كذلك على بقية دول مجلس التعاون، مما يؤكد أهمية استمرار دول المجلس في تعزيز إسهام القطاعات والأنشطة الاقتصادية غير النفطية في الناتج المحلي، باعتبارها ركيزة محورية في بناء اقتصادات أكثر تنوعًا واستدامة، حيث وفقًا لصحيفة "سبق الالكترونية"، نقلاً عن المركز الإحصائي الخليجي، أن قطاع السياحة في دول مجلس التعاون الخليجي قد سجّل نموًا ملحوظًا خلال عام 2024، حيث ارتفعت القيمة المضافة للقطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 247.1 مليار دولار أمريكي، محققة زيادة بلغت نسبتها 31.9 % مقارنة بعام 2019.
وأشار التقرير أيضًا الذي حمل عنوان "السياحة في مجلس التعاون .. بوابة للتنمية والتحول المستدام" إلى أن السياحة أصبحت أحد المحركات الرئيسية للاقتصادات الخليجية، ومصدرًا مهمًا لتوليد الوظائف، مع توقعات بارتفاع مساهمتها في الناتج المحلي إلى 13.3% بحلول عام 2034، بقيمة تصل إلى 371.2 مليار دولار أميركي.
كما وكشف التقرير أن عدد السياح الخليجيين الذين تنقلوا بين دول المجلس بلغ 19.3 مليون سائح في عام 2024، ما يمثل 26.7 % من إجمالي السياح الدوليين الذين زاروا المنطقة، بنمو بلغت نسبته 52.1 % مقارنة بعام 2019، في دلالة واضحة على تعزيز التكامل السياحي الخليجي.
وتصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول الخليجية من حيث استقبال السياح الخليجيين، مدفوعة بمشاريعها العملاقة مثل القدية، ونيوم، والبحر الأحمر، إضافة إلى فعاليات ترفيهية ضخمة مثل موسم الرياض، ما جعلها الوجهة المفضلة للسياحة العائلية والترفيهية في المنطقة.
اتحاد جمركي وتكامل استثماري تفتح مجالات السياحة والتقنية والاقتصاد الأخضر بقوة
ختامًا، يتضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تمضي بثبات نحو مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة، مستندةً إلى رؤى طموحة وإصلاحات جوهرية بدأت تؤتي ثمارها على أرض الواقع. ورغم التحديات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، فإن دول المجلس تمتلك المقومات التي مكّنتها في الماضي، وستُمكّنها في الحاضر والمستقبل من التعامل مع تلك التحديات بكفاءة ومرونة، بما يعزز قدرتها على تحقيق مؤشرات نمو إيجابية، وتنويع اقتصادي فعّال، وتطوير بُنى مؤسسية أكثر قوة وكفاءة.
كما ستُسهم تلك الإصلاحات في تعزيز قدرة دول المجلس على مواصلة مسيرة التطوير والازدهار. إذ إن استكمال خطوات التكامل الاقتصادي، وتعميق التعاون في مجالات التعليم، والتقنيات المتقدمة، والطاقة النظيفة، سيساعد في ترسيخ مكانة دول المجلس كقوة اقتصادية مؤثرة وقادرة على مواجهة التحولات العالمية بثقة واقتدار، وبما يخدم شعوب المنطقة ويعزز نهضتها واستقرارها.
وتزداد أهمية ذلك في ظل مؤشرات النمو الجيدة والواعدة التي تحققت خلال السنوات الماضية، خصوصًا مع التزايد الملحوظ في الاستفادة من مسارات السوق الخليجية المشتركة، التي ستمنح دول المجلس مكانة مرموقة اقتصاديًا وماليًا على المستويين الإقليمي والدولي. ويظهر ذلك جليًا في سوق خليجية متنامية تضم أكثر من 57 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 2.1 تريليون دولار أميركي، وتجارة خارجية تصل قيمتها إلى 1.5 تريليون دولار، فضلًا عن صناديق سيادية تتجاوز قيمتها 4.4 تريليون دولار لعام 2023.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.