حينما نسمع كلمة الزيارة هذه الأيام، فلا يقفز في أذهاننا إلا زيارة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الأخيرة للولايات المتحدةالأمريكية، وقد تحدثت عنها كل الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية وبرامج التواصل الاجتماعي والمحللون حول العالم، وتحدثوا عن أهميتها وأبعادها وتناولوا الزيارة من جوانب سياسية واقتصادية لأهمية هذين البعدين، وفي حقيقة الأمر أن الزيارة تتجاوز إلى أبعاد أخرى ضمنية لِمن يقرؤها من بعدها الثالث، والقراءة للحاذق الفطن من هذا الجانب لا تقل أهمية عن الجوانب الأخرى، نحو إيصال الرسالة الثقافية من خلال شخصية متفردة ملأت الدنيا وشغلت الناس، ففي الجانب الثقافي كان لسموه ظهور يليق بهذا الكيان العظيم، وبإرثنا الثقافي والحضاري، فاللباس يعد من أبرز مرتكزات الثقافة، لاسيما والمملكة تعيش في هذه الأيام حراكا ثقافيا منقطع النظير بفضل برامج الرؤية وتمتد في اشتباك حميد وتواشج ملتحم مع كل الأبعاد الثقافية، وهذا الحراك أسهم في إحياء إرثنا الثقافي، وسمو الأمير محمد تجلى بروح الواثق وهو يعيد تعريف مفاهيم الانتماء كمثال يحتذى به، واللباس لا يعكس الهوية فحسب، بل يُبرز خصوصية متفردة لكل شخص. ومن هنا يأتي الملمح البصري ويتعدى لدلالات مختلفة، الأمر الذي عكس علاقة ذوق وجمال مظهر، ومضامين جمالية تعتني بصف الزيّ الذي نرتديه مع الاعتزاز بثقافتنا، وهذا لا شك يؤكد حالة الوعي في البعد الثقافي، وبحضور وافر لا تخطئه العين، وأننا لسنا طارئين على الجغرافيا والتاريخ، وأن موحيات الشكل وملامح المنظر العام متوارثة في الثقافة العربية لأبناء الجزيرة العربية ، على مبدأ (انزلوا الناس منازلها)، وحتما كل هذه الجوانب تتجاوز معنى الاعتداد بالذات إلى جوانب ثقافية كنسق ممتد من الأسلاف يكتسي بجوانب معرفية وثقافية تُخلّد في ذاكرة الأخر المختلف جملة من قيمنا الأصيلة وثقافتنا العريقة. إن ما يزيد التأثير الإيجابي وبصورة فاعلة وفي اتجاه أفقي في وسائل الإعلام والوسائط الرقمية هو تناقل تلك الصور والمقاطع أثناء الزيارة من قبل الملايين المنخرطين في تفاعل لحظي، في سابقة لم يكن لها مثيل على الإطلاق، ورغم تدخل الآلة الإعلامية بتوقع مخاتل من قبل بعض قلة من المحللين الذين راهنوا على ارتداء سموه الكريم بدلة سوداء لكنهم خسروا الرهان، وخلف هذه الإشارات التي يرسلها سمو الأمير -يحفظه الله-، ما يضع درسا محفوفا بالمهنية والمرجعية الأخلاقية في الإعلام لتحري الدقة والمصداقية، وبالتالي يضع في السياق نفسه الشخصيات التي تحاول أن تتحرر من مسؤوليتها الثقافية أياً كان جنسها أو عرقها، ليصبح الجميع أكثر تأثراً بمثل هذه الشخصية التي تُلهم الآخرين بكل المعاني الحضارية والثقافية، ليتخلّون طواعية أو جبرا مع نواظم هذه الشخصية المتشحة بحضور لافت في كل الأوقات والمناسبات، وأن الثقافة نسيج جميل، ويتفق عليها العقل الجمعي الواعي والرشيد، ولكون الوقوف على مثل الشخصية يتجاوز حالة الإدهاش التي ينّشدّ إليها الناس بارتباطها الوثيق بالقيم المورثة، من خلال سعة افقها الذي يُكسِب القيم الثقافية قيمتها ويجعلها نمط حياة، ويجسد دلالات الافتخار بالعادات والتقاليد التي تمثل بالنسبة لنا محاسن إنسان الجزيرة العربية، ما يجعل الآخر يشعر بمعنى الثقة على حقيقتها والثقافة في واقعها، دون تكلف مع تبادل في التقدير والاحترام، واستتباعا لذلك اعتبر الجميع أن هذه الزيارة التاريخية تجاوز التوظيف السياسي والاقتصادي، إلى جوانب ثقافية تحمل الكثير من قيمنا وعاداتنا السائدة في المملكة، التي جاءت بغير تكلف أو إعراض عن وجوه الناس، وهذا ما يجعلنا أمام انعطافة دروس مستفادة ومن أسلوب يكتظ بالبساطة والتوازن، ويعانق المرحلة التي نهدف لإيصالها لهذا العالم ثقافيا وحضاريا.. وإلى لقاء.