في الماضي، عندما كان المثقف يكتب، تلاحظ أنّ كلَّ جملة فيها فكرة يريد إيصالها للقارئ، يسترسل بعفويّة دون تنميق، لا مجازات مبالغ فيها، ولا مفردات رنّانة تطغى على النص على حساب الفكرة والرسالة. تقرأ بين سطوره ارتباكاته، حتّى أخطاءه البشرية أحياناً، ثم جاءت الآلة ذات الخوارزمية، لا لتكتب عنه، بل لتكتب مكانه وتزيحه. وبدأنا نقرأ نصوصًا تُتقن الوزن والنحو، حتى توليد الأفكار. لكنها تفتقد التلقائية البسيطة، اللمسة المتواضعة، النَفَس البشري. لقد صار من السهل أن ينتج الذكاء الاصطناعي نصوصاً شبيهةً أو أرقى من تلك التي ينتجها العقل البشري. يمكن بتركيز بسيط لا يحتاج إلى ذكاء يستطيع للقارئ أن يميّز بين النصّين دون عناء، كيف؟ في الكتابة البشرية، ثمّة نَفَس غير متوازن، عبارة تترنح من ثقل التفكير، يولي الرسالة المراد إيصالها اهتماماً وأولوية، أكثر من اهتمامه بالأسلوب الأدبي. أمّا نص الآلة، فهو كمرآة صافية لا غبار عليها تزخر بالمحسّنات البديعية، التشبيهات، المجاز، والمفردات الأدبية النادرة. حتّى برغم أنّ الكاتب المثقف الحقيقي، يستطيع كتابة مقالٍ أو رواية منمّقة، لكنّه صار يتحاشى ذلك، حتى لا يتّهم أنّه تكاسل وقام بتوكيل الذكاء الاصطناعي ليكتبَ عنّه. في الأيام المقبلة ستمسي الكتابةُ والنصوص المنمّقة تُهمةً وسيتجنّبها الكُتّابُ الحقيقيون ويعزِفُ عن مواصلة قرائتها القُرّاء الحصيفون، لأنّها صارت مفضوحة ومملّة ومكرّرة لا تعكس جهد وثقافة الكاتب الحقيقيتين.