الصحافة ومجالات التواصل الإعلامي قد تبدو في ظاهرها مهنًا محصورة بذوي التخصص الأكاديمي، غير أن الواقع العملي يبرهن عكس ذلك، فهذه المهن تحتضن من يملك الحسّ الصحفي، والشغف الصادق، والقدرة على اكتساب المهارات وصقلها بالممارسة والتعلّم المستمر، مستفيدًا من أدوات رقمية حديثة تُسرّع الإنجاز وتُحسّن جودة الأداء. في المشهد المحلي، وزارة الإعلام أعلنت مطلع 2024 بداية التحوّل الإعلامي، واضعة أهدافًا كمية واضحة لرفع مساهمة القطاع إلى نحو 4.3 مليارات دولار وزيادة فرص العمل إلى 67 ألف وظيفة، وهذه القفزة لا يمكن أن تتحقق بالشهادات الأكاديمية وحدها، بل بقدرات بشرية تمتلك المرونة والتعلّم السريع، وتعمل بكفاءة عبر المنصات الإعلامية المتعددة. إحصائيًا، يُظهر موقع CareerExplorer أن نحو 15 % فقط من العاملين في الصحافة والإعلام يحملون شهادة أكاديمية متخصصة في المجال، بينما يُبيّن موقع Zippia أن 26 % فقط من العاملين درسوا الصحافة تحديدًا؛ هذه النسب تكشف أن أغلب المشتغلين في الإعلام جاؤوا من تخصصات متنوعة، لكن جمعهم حسّ إعلامي ومهارة اكتسبوها بالتجربة والممارسة. في المقابل، تشير بيانات LinkedIn إلى أن «التواصل» هو المهارة الأكثر طلبًا عالميًا للسنة الثانية على التوالي، وأن التوظيف القائم على المهارات يرفع فرص القبول بنسبة 24 % مقارنة بالتوظيف القائم على المؤهلات الدراسية. كما تغيّرت المهارات المطلوبة للوظيفة الواحدة بنسبة 25 % منذ عام 2015، ما يعني أن سوق العمل يعيد تعريف نفسه وفق ما تُجيده لا ما درسته. على الصعيد العالمي، يؤكد تقرير الأخبار الرقمية لعام 2025 أن الجمهور بات يتجه أكثر نحو استهلاك المحتوى عبر المنصات الاجتماعية والفيديو، وأن المنظومة الإعلامية الجديدة يقودها صانعو المحتوى على يوتيوب وتيك توك والبودكاست أصبحت هي المتسيدة للساحة. هذه التحولات ترفع من قيمة المهارات مثل: السرد البصري، والكتابة المختصرة، وإدارة الحسابات الرقمية، وتحليل البيانات، وهي مهارات أصبحت عملة العصر في غرف الأخبار وإدارات الاتصال. وفي الولاياتالمتحدة، تفوقت الشبكات الاجتماعية لأول مرة على التلفزيون كمصدر رئيس للأخبار، في مؤشر واضح على تغيّر موازين التأثير الإعلامي. وتدعم مبادرات اليونسكو هذا التوجّه عبر أدلّتها المفتوحة لمناهج الصحافة وبرامجها التدريبية، التي أثبتت أن الدورات القصيرة والمناهج التطبيقية قادرة على رفع جودة الممارسة لمئات الصحفيين والطلبة بدلًا من المناهج التنظيرية، مختصرة سنوات من الخبرة المكتسبة، كما توفّر التقارير السنوية مثل "الأخبار الرقمية" ثروة من البيانات والمقارنات التي تساعد فرق التحرير على اتخاذ قرارات مبنية على أسس صحيحة. ختامًا، يمكن القول إن الصحافة والاتصال ليسا حكرًا على خرّيجي أقسام الإعلام، بل مجال مفتوح أمام كل من يمتلك الشغف والمهارة والقدرة على التطوير، فالشهادة الأكاديمية قد تكون أداة مساعدة، لكنها ليست الأساس، والموهبة المصقولة بالشغف والمعززة بالأدوات الصحيحة تصنع الأثر وتفتح الأبواب التي لا تفتحها الشهادات وحدها.