تتعدد مسارات السياحة في الباحة وهي لا تقتصر على جماليات الطبيعة واعتدال الطقس وظروف الأجواء المناسبة رغم أهمية هذه الجوانب عند كل من يفد إلى المنطقة، فالأمكنة هنا منغومة بالألوان وبالضوء المنكسر بأسراب الضباب الذي يوشح قمم الجبال وممتد عبر النظر البعيد وبلون الثلج ويتعطف حول سفوح الجبال كخمار المليحة . إن من يعيش في رواق المكان تتغير لديه النظرة وتتحدد دوافع أخرى مختلفة ففي محافظة المندق احتضنت دوس هذا العام فعاليات رياضية استمرت على مدار يومين متتاليين، وقد شجع على هذا الاستمرار تباينات البيئة بعمقها اللافت، فلا يشعر الجوالة والمتسابقون ببعد المسافة أو إرهاق الطريق فالبيئة المحيطة في دوس توحي بقيمة فنية بصرية مشجعة على السير وممارسة الرياضة جراء تباينات مختلفة تطرب لها النفس وتقر لها العين فضلا عن معرفة تاريخ الصحابة حين انتظموا صوب إشعاع النور ومنطلق الرسالة لتتشكل أعظم حضارة عرفتها البشرية، حين وضعت الجميع على قدم المساواة وعلى أثر الرجع الأول (كلكم لأدم)، وهنا في دوس لا تكاد تنفك من جماليات المكان إلا في معلم أثري أو موقع تاريخي، وتدهشك الحصون والمنازل المنغومة بأحجار المرو بعد أن شكلت ملامح هندسية بديعة زادت من زهو فنون العمارة ، فقد نظمت جمعية دروب السروات الرياضية تظاهرة رياضية في دوس، حيث شارك في اليوم الأول في سباق تحدي الحسام 2025 وبإشراف من فرع وزارة الرياضة وبحضور ممثلها في الباحة الأستاذ خالد بن عثمان الغامدي شارك سبع مئة وسبعون متسابقا من الرجال من مختلف الأعمار، وخمسة وأربعون من السيدات، كذلك من مختلف الأعمار، وشارك في السباق من جميع مناطق المملكة ومن أربع وعشرين دولة، وكانت البداية للكرنفال الرياضي مدخل قرية آل نعمة بدوس بني فهم المحاذية لجبل العرنين التاريخي وينتهي السباق في حديقة جبل ظهر الغدا بطول مسافة تتجاوز خمسة كيلو مترات وقد أحرز المتسابق يوسف نصر المركز الأول من دولة المغرب الشقيق ويليه المتسابق الثاني شكيب الأشقر، كذلك من دولة المغرب، أما المتسابق الخامس من السودان والسادس من إثيوبيا والسابع من اليمن والبقية من الفائزين من المملكة العربية السعودية، كما اجتهدت اللجنة المنظمة في جمعية دروب السروات الرياضية توزيع الجوائز بطريقة عادلة من خلال الاستعانة بحكام ألعاب القوى من وزارة الرياضة، حيث ذهبت للثمانية الأوائل، ولثلاثة تليهم وهم أول امرأة تصل إلى خط النهاية، وكذلك لأول طفل ولأكبر رجل مسن شارك في السباق. وقد قدم الجوائز مشكورا سعادة وكيل محافظ محافظة المندق الأستاذ تركي العنزي وبحضور رئيس مركز دوس سعادة الأستاذ عون بن عبدالله القرني، وقد أوضح الأستاذ محمد الدهري رئيس جمعية دروب السروات أن مثل هذه الفعاليات تدعم السياحة في المنطقة عموما وفي دوس على وجه الخصوص، ولفت الأستاذ صالح البركات الرئيس التنفيذي للجمعية أهمية مثل هذه الأنشطة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع على مبدأ الحكمة العربية (العقل السليم في الجسم السليم)، وفي اليوم التالي انتظمت الجموع بمسار جديد في وادي ثروق بدوس بني منهب، وقد أدرج في هذا البرنامج جوانب ثقافية ومعرفية للتعريف بالأماكن الأثرية والتاريخية وقد انطلقت قافلة السير من جوار جامع أبو هريرة -رضي الله عنه- ومن قلب سوق الاثنين التاريخي وشارك في المسيرة رئيس مركز دوس ورئيس جمعية الباحة الخضراء الأستاذ سعود بن خضران الدوسي وفي مثل هذه الفعاليات الوطنية دائما نستحضر دور القيادة التي أتاحت الفرصة من خلال الرؤية التي اتسعت لكل عطاء ممتد نحو الوطن، وفي هذا الاتجاه لا يغيب دور الوجيه الأستاذ صالح بن رمضان آل مسفر الذي أسهم بشكل مباشر في الفعالية من خلال التنسيق والدعم المباشر ماديا ومعنويا، ولا يفوتني حضور المرشد السياحي والعارف بالتاريخ الشيخ عبدالله بن على الدوسي الذي أضاء بصوته معالم مهمة ومواقع أثرية وتاريخية، حيث وقفت الجموع أمام نقوش تاريخية تعود إلى ما قبل الإسلام وقد استعرض أماكن متعددة ومختلفة ومنها قصر شهران الذي استقبل وفد الملك عبدالعزيز وكان مقرا لضيافة كبار الشخصيات آن ذاك إبان توحيد هذا الكيان العظيم على يد المؤسس -طيب الله ثراه- وكذا عَرّفَ بحصن ريحان الذي شكل في فترة زمنية ماضية المزولة الفلكية لمعرفة مواسم نفح البذور ومواسم الحصاد والأمطار وغيرها، وأثناء الجولة كان لا بد من الوقوف على قلعة عمرو بن حممة الدوسي وكذا قرية رمس التاريخية التي يقع في خاصرتها سوق سليم التاريخي، حيث لا تزال شجرة الرقع في قلب السوق تنتصب فارعة في السماء وهي من الأشجار المعمرة، حيث تجاوز عمره أربعة قرون تتمدد أغصانها في كل الاتجاهات وقد حمل كل غصن اسم معين، حيث تواجد في المكان الأستاذ عبدالله جارالنبي الدوسي وبعض الأعيان للتعريف بالمكان مع لمحة سريعة عن نشاط السوق والأنظمة الناظمة التي كانت تمارس قديما في رواق السوق والتي تهدف إلى بث القيم الاجتماعية والمثل العُليا، ما يعني أن السوق تجاوز بعده التجاري متّخذا مساحة للإعلام وأصوات الخبر وتبادل المعلومات، وحتى يكتمل العقد لفعاليات دوس هذا العام كان لفريق دراجة الباحة جولة في الفترة المسائية حول الحزام الأخضر لوادي ثروق الطريق الدائري، حيث تواجد الفريق بعد صلاة العصر في نقطة الانطلاق بقيادة الرحال فهد عبدالعزيز الزهراني الذي حظي بشرف لقب عابر القارات من سمو سيدي الأمير الدكتور حسام بن سعود -يحفظه الله- وقد أشرفت جمعية دروب السروات الرياضية على الجولة التي قد عاش فيها الفريق رحلة ثقافية تاريخية لا تنس، وفي كل فعالية ونهاية كل جولة تستتبعها مطالبات حثيثة من المشاركين أن تتكرر كل عام في محاولة جادة لإيصال رسالة للتعريف بالأماكن السياحية والتاريخية لاستقطاب المزيد من السُياح لهذا الجزء الغالي من الوطن، ومن خلال جهود تتسق مع رؤية الوطن لإيصال رسالة للتعريف بالأماكن السياحية والتاريخية، وما جرى في حقيقته هو ترجمان لجهود كل الجهات الرسمية والأهلية في المحافظة ولا يسعني في هذه العجالة إلا أن أشكر كل من امتد عطاؤه نحو هذا الوطن بعطاءات مختلفة في ظل قيادته الرشيدة -وفقها الله-. الرحالة الدولي الأستاذ فهد الزهراني عابر القارات عوضة بن علي الدوسي