جبل ظهر الغدا المتفرد عن غيره، ممتد في أبعاد المكان يجثم كالمارد الضخم، كما هي مخيلة الصورة في الأساطير القديمة، يتجاور مع جبل الجبهة من الجهة الجنوبية، وأعلى قمته شمالاً تعرف بأم غيلان، من يقف عليها يشعر بأنه جار للقمر، كان لجبل ظهر الغدا حضور أفقي في معادلة الحياة حيث شكل الرافد الأول لمواد البناء من خلال أشجار العرعر وأحجار المرو البيضاء لتزيين أعالي الحصون والمنازل وخصوصاً قرية رمس الأثرية والتاريخية، بل إنه يتجاوز هذا المفهوم إلى توفير مواد الطاقة من خلال أشجار الزيتون التي تشكل إحدى أهم السمات البارزة في الجبل وتعرف محلياً بأشجار (العُتم) ويستخرج منها مواد بترولية تستخدم لجوانب مختلفة في حياة الإنسان الدوسي، حيث لا تغيب عن منازل دوس مادة القطران والقار، ولا يكاد يخلو أي منزل من طلاء نوافذه وأبوابه لهذه المادة فضلاً عن حصاد وفير كل عام لبعض أنواع الحبوب؛ حيث تنتظم على سفح الجبل من الجهتين الشرقية والغربية المدرجات الزراعية التي كانت غنية بالحصاد والمنتجات الزراعية. واليوم تسهم بشكل مباشر في رسم مشهد جمالي بأنساق مشهدية ذات طابع خلاب وشفيف باعث لحالة انفعالية مبهجة، من شأنها أن تعزز السياحة في منطقة الباحة مع تقديم تجربة فريدة للزوار، بل إن الجبل يتجاوز إلى أبعد من ذلك؛ فعبقرية المكان الحاضنة لسلسة من النباتات والأشجار المختلفة، الجبل يشي بأسرار كثيرة لا يعرفها إلا من يقف على إطلالاته الجميلة حيث الأمكنة القادمة من عمق التاريخ فضلاً عن طبيعته الخلابة التي تستدعي حالة من الأنس والسرور، وأنت تجول في أبعاده تستلهم المَقّدم الميمون للصحابي الجيل الطفيل بن عمرو الدوسي حين قدم من مكة بعد هجرته الأولى، ولا يزال المكان الأشهر (قدوم ضان) ماثلاً في المكان يشهد على سيرة التاريخ ورحلة الإيمان والدعوة العظيمة لنبي الهدى مع بواكير إشعاع النور ومنطلق الرسالة حين دعوة أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم حينما قال: (اللهمَّ اهْدِ دوساً وأتِ بهم). حينها انتظمت الناس في درب رحلة طويلة طالت كل الأمصار ليتشكل بعد ثقافي معرفي تزدحم به أرفف المكتبة العربية، وتلك الجهود المعرفية رديفة مع من انتظم من الجند في صفوف الفاتحين ليتشكل بعد ذلك أعظم حضارة عرفتها البشرية اتكأت على مبدأ المساواة (كلكم لآدم)، أما المكان في أروقة الجبل يعد شاهداً حياً إلى يوم الناس هذا، ولا يزال الأثر قائماً في جنبات المكان يتحدث عنه بعمق جبل ظهر الغدا العتيد، وبالأمس القريب، وبرعاية سمو سيدي الأمير حسام بن سعود بن عبدالعزيز -يحفظه الله- وبحضور سعادة محافظ المندق ونائبه ورؤساء المراكز والإعلاميين والمهتمين لهذا الشأن من أبناء المنطقة، وبتنظيم من «جمعية ديار» لحفظ التراث والعناية بالموروث، وكذا «جمعية التنمية الأهلية ببرحرح» يفتتح سوق الخميس الذي لطالما عُرف جبل ظهر الغدا بطرقه المختلفة وجموع من الناس ينسربون بين منعطفاته التي تأخذهم إلى سوق الخميس الوجهة التجارية التي يفد إليها الجميع من كل مكان كمحطة تجارية ومركز للإعلام وتبادل الأخبار بين القبائل، ولا تزال بعض معالم الطرق إلى ذلك السوق منتظمة في المكان والتي تشكل أكثر سطوعاً عن غيرها ليس لأنها شاهدة على بعد اقتصادي فحسب، بل لأنها تشهد وتؤكد طبيعة الجغرافيا الناظمة لحياة الإنسان وجالبة للخير والنفع والنماء. تلك هي ملامح من وجه الجمال لجبل ظهر الغدا كأحد أهم المعالم في محافظة المندق، تعرّفك على التاريخ وأنماط من الحياة الثقافية في دوس، واليوم مع رؤية الوطن المؤمّل أن يشرق من جناته وجهاً آخر للسياحة الريفية ليكون مزاراً ووجهة سياحية لنموذج مختلف ومتفق تماماً مع رؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله، وإلى لقاء.