حماية وعي المستخدم البسيط ليست مهمة معقدة، بل تبدأ بخطوات صغيرة من الانتباه والتمهل في الاستهلاك والمشاركة، كلما زاد وعي الفرد، زادت مقاومته للقمامة الإعلامية، وأصبح جزءًا من مجتمع إعلامي وتواصلي أفضل في واقع إعلامي واتصالي وتواصلي متسارع وكثيف بالمحتوى المتنوع، والمعلومات الغزيرة، وتدفق الأخبار عبر منصات متعددة، برزت ظاهرة تعرف ب"القمامة الإعلامية"، وهي ليست مواد نفايات مادية، بل محتوى إعلامي عديم القيمة، مكرر، وأحيانًا مضلل، يبتعد عن المهنية وينشر السطحية، بهدف جذب الانتباه واستمالة العواطف بأي ثمن. هذا الكم الهائل من المحتوى الذي يفتقر إلى المصداقية والجودة، وغالبًا ما يُنتج بشكل عشوائي وتشمل هذه القمامة الأخبار الزائفة، أو الإشاعات المختلقة والموهومة، وكذلك المقالات والتسجيلات والصور، أو الفيديوهات السطحية التي تكرر مضامين بدون توثيق مصدري وأيضاً المحتوى الترفيهي الذي يتسم بالصخب واستثارة الأنفس فقط دون هدف معرفي أو ثقافي، وزد عليها الإعلانات الفوضوية والساخنة والدعايات المخفية التي قد تروّج لمنتجات أو أفكار غير نزيهة. ومن أراد فهم الفرق الجوهري بين الإعلام النموذجي الرصين والقمامة الإعلامية فذلك يكمن في القيم المهنية، والأخلاقية، والحرص على المعلومة الدقيقة وبناء ثقة الجمهور، أما القمامة الإعلامية فتسعى إلى الربح السريع والانتشار العرضي، وأحياناً يتم توظيف هذه القمامة لاستهداف شرائح معينة بقصد التلاعب بالرأي العام. مؤكد أن يكون لكل نوع من المحتوى جمهوره، القمامة الإعلامية تستهدف جمهورًا متنوعًا كالفئة الباحثة عن التسلية السريعة دون رغبة في التعمق أو جمهور الشباب الذي يقضي أوقاتًا طويلة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر هذه القمامة بوفرة والأشخاص الذين يستهلكون المحتوى بشكل عشوائي لأنه ليس لديهم قدرة نقدية وطاقة للفرز بين الجيد والرديء من هنا تبرز مسؤولية الجمهور في تطوير الوعي الإعلامي والتفكير الناقد. وكون أن القمامة الإعلامية تسعى لأهداف تجارية وتسويقية أكثر منها مهنية، فهي تعتمد على عدة أساليب: استغلال مساحات التحيز والميول والجدل في مجالات لإقحامها بمحتوى لا علاقة له بالمجال ذاته، فمثلاً استغلال المماحكات الرياضية لتمرير إعلانات، أو إشهارات، أو أخبار، أو شائعات في مواد متنوعة كفيديو وصور ونصوص لا علاقة لها بالمجال الرياضي. استثمار مساحات الشبكات التواصلية لتوسيع الإشهار والانتشار كالوسوم والردود والتعليقات. وضع العناوين الصادمة أو المضللة التي تجذب النقرات حتى وإن كان المحتوى فارغًا أو غير دقيق. تكرار الموضوع نفسه، أو الحدث عبر عدة منصات دون تقديم جديد. إثارة النعرات، الغضب، الخوف، أو الإثارة الجنسية لجذب المتابعين. استخدام لغة مبسطة وأحيانًا مبتذلة لتسهيل وصول المحتوى إلى أكبر عدد ممكن من المتلقين، بغض النظر عن جودة المحتوى. القصص البشرية المغرية أو الفضائح: التي تعتمد على حس فضولي عند الجمهور أكثر من القيمة المعرفية. هذه التقنيات تسهل الانتشار السريع للقمامة الإعلامية، لكنها تؤدي إلى إضعاف القيمة الحقيقية للإعلام. القمامة الإعلامية تحمل آثارًا مزعجة للمتلقي غير المدرك فهي تعمل على: تشتت الانتباه: تجعل الجمهور غير قادر على التمييز بين المعلومة الحقيقية والمزيفة، مما يضعف قدرة التفكير النقدي. نشر المعلومات المغلوطة: قد يؤدي إلى مواقف اجتماعية وسياسية خاطئة، ويؤثر على القرارات الشخصية والعامة. تقليل المصداقية الإعلامية: عندما تنتشر القمامة، يتراجع احترام الجمهور للإعلام ويقل ثقته به. تعزيز الانقسامات الاجتماعية: المحتوى المثير والمتطرف يزيد من الكراهية والفرقة بين شرائح المجتمع. إهدار الموارد: الوقت والجهد الذي يُنفق على استهلاك هذا المحتوى يمكن أن يُوجه نحو تنمية الذات أو التعلم. لمكافحة هذه الظاهرة، لا بد من تعاون عدة أطراف: المؤسسات الإعلامية: يجب أن تلتزم بالمعايير المهنية وتبتعد عن الإثارة المفرطة والترويج غير النزيه. التشريعات والقوانين: سن قوانين تحارب الأخبار الزائفة وتحمي حرية الإعلام في الوقت ذاته. التربية الإعلامية: تعزيز وعي الجمهور بمهارات التفكير النقدي والتمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة وذلك عن طريق وسائل التوعية المتاحة والدورات. المستهلك الإعلامي نفسه: إن كان فضولياً فليكن حذراً فلا يصدق كل ما يشاهده، أو يقرأه أو يسمعه على الفور، ويسأل نفسه دائمًا: من أين جاءت هذه المعلومة؟ وهل تبدو منطقية؟ لذلك ليبحث عن المعلومة من مصادر متعددة، ولا يشارك أو ينشر المحتوى المشكوك فيه، ويتجنب المصادر التي تنشر أخبارًا كثيرة بلا إثباتات أو دون أسماء مؤسسات إعلامية واضحة. كذلك عليه ألا يشارك حتى يكون متأكدًا فقبل أن يضغط زر المشاركة أو إعادة النشر، يتوجب أن يفكّر إن كان هذا المحتوى مفيدًا أو صحيحًا، كما عليه ألا يساعد في توسيع النشر وتجنب الإثارة لكل قمامة إعلامية أو تواصلية قد تثير النعرات، أو العصبية، أو الغضب الشديد أو التخويف بشكل مبالغ فيه فغالبًا ما يكون مدسوسًا أو غير موثوق. وعلى المستخدم ألا يدع العواطف تتحكم في تصرفاته على وسائل التواصل، وأن يثقف ويطور نفسه معلوماتياً وثقافة حول ما يحدث حوله، وينظم أوقات مطالعاته ويحدد خياراته بشكل عقلاني، ولا يتردد في إلغاء المتابعة أو الحظر على ما ينشر محتوى دائمًا سلبيًا أو غير مفيد. ويبقى القول: حماية وعي المستخدم البسيط ليست مهمة معقدة، بل تبدأ بخطوات صغيرة من الانتباه والتمهل في الاستهلاك والمشاركة، كلما زاد وعي الفرد، زادت مقاومته للقمامة الإعلامية، وأصبح جزءًا من مجتمع إعلامي وتواصلي أفضل.