في وقت تتسابق فيه الأسواق العالمية لتحقيق قمم جديدة، تقف السوق المالية السعودية عند مفترق طرق، تعيش مسارًا أفقيًا يحدّ من جاذبيتها ويزيد من فتور المستثمرين، ومع تشتت السيولة وكثرة الإدراجات، تتسع الفجوة بين توقعات المستثمرين وواقع التداول، المؤشر العام يراوح مكانه في نطاق ضيق، ما دفع كثيرًا من المتعاملين خاصة الأفراد، إلى البحث عن بدائل توفر فرصًا استثمارية أكثر ديناميكية، الأرقام تتحدث، فقد قفزت تداولات المستثمرين السعوديين في السوق الأميركية خلال الربع الأول من العام الجاري إلى نحو 160 مليار ريال، مع توقعات بأن تتجاوز هذه الأرقام في الربع الثاني، هذا التوجه يعكس شعورًا متناميًا بأن السوق المحلية لم تعد تقدم الحركة السعرية المرجوة، رغم النتائج المالية القوية التي تحققها الشركات المدرجة، وعلى رأسها البنوك والشركات الكبرى. من أبرز أسباب هذا التحول تزايد الإدراجات الجديدة التي أدت إلى تشتت السيولة بين عدد أكبر من الشركات، ما قلل من زخم التداول في الأسهم القيادية وأضعف فرص تحقيق عوائد رأسمالية مجزية، ومع استمرار الضغط على السوق، ما سبب تراجع أرباح شركة تداول بنسبة تقارب 40 % نتيجة لانخفاض النشاط، فيما بدأ المستثمر الأجنبي يتردد في ضخ سيولة جديدة، خاصة مع الأداء القوي الذي تشهده الأسواق المجاورة والعالمية، المفارقة أن السوق السعودية تمتلك أساسيات اقتصادية قوية، إذ تحقق الشركات المدرجة نموًا في الأرباح يعكس متانة الاقتصاد المحلي، إلا أن غياب الاتجاهات الصاعدة الواضحة واستمرار حالة التذبذب الضيقة أضعفا جاذبية السوق حتى للمستثمر طويل الأجل، الحل لا يكمن في إبطاء الإدراجات، بل في إدارة وتيرة الطروحات بشكل متوازن، إلى جانب تحفيز السيولة المؤسسية وتعزيز الأدوات الاستثمارية الجديدة التي تعيد العمق والحيوية للسوق، كما أن استعادة الثقة تحتاج إلى خطوات تنظيمية تعزز الشفافية وتجذب المستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء. في نهاية المطاف، تبقى السوق السعودية أمام مفترق طرق: إما أن تتجاوز حالة الركود الأفقي وتستعيد زخمها الطبيعي، أو أن يستمر نزيف السيولة نحو أسواق بديلة تقدم فرصًا أسرع وأكثر وضوحًا للنمو.