بادئ ذي بدء نزجي لرئيس وهيئة التحرير وكل العاملين المخلصين بصحيفة الرياض الحبيبة أحر التهاني وأخلص الأماني بمناسبة إكمالها عقودًا ستة سلفت من عمرها المديد عبر مسيرة ممتدة حافلة بالجد والجهد عامرة بالتجديد والعطاء. أما رسالتي ل"الرياض" في هذه المناسبة (الستينية) فهي رسالة معطرة بالحب، مؤطرة بالود، مضمخة بالشذى وعابقة بالأريج، رسالة تحمل في طياتها تهاني خالصة وأماني مخلصة لهذه "الرياض" التي كانت بمثابة نبتة طيبة غرست في مدينة الرياض فاستوحت منها اسمها ونمت وترعرعت حتى أضحت دوحة خضراء باسقة الأغصان وارفة الظلال. "الرياض" منذ نشأتها ما فتئت تطل علينا بثغرها الباسم ومحياها المشرق وجبينها الناصع مع إشراقة كل يوم بلا كلل أو غياب تحمل في ثناياها الخبر والمقال والتحقيق والبحث والاقتصاد والتحليل والحوارات والتراث والاستطلاع، فنراها أحيانًا منتجعًا رحبًا لكتابنا ومثقفينا وعلمائنا وشبابنا لطرح قضايا ثقافية وعلمية ومعرفية وسياسية وفكرية وتربوية، وأحيانًا أخرى ملاذًا آمنًا لشبابنا يجدون بين جنباتها الفسيحة متنفسًا لما يعتريهم من هواجس وهموم ومشاعر وتطلعات في محيطهم المجتمعي والعلمي والعملي، كما يجدون فيها منبرًا عاليًا لنثر يراعهم وبسط أفكارهم حيال قضايا تلامس حياتهم وتمس مجتمعهم وحيال قضايا ومشاهد ورؤىً وأحداث أخرى تترى هنا وهناك. لقد صدرت "الرياض" منذ ستة عقود قوية الفكر رصينة الطرح نافذة المعنى عميقة المضمون في إهاب أنيق وثوب قشيب تحمل في تضاعيفها الخبر الشيق والمقال الأدبي والعمل التراثي والإبداع العلمي، وكل ذلك في انسجام تام ومزاوجة مشهودة قل توافرها في بعض الرصيفات المناظرة. إن انتشار "الرياض" ووصولها إلى نخب فكرية وثقافية متباينة ومتعددة يفرض واقعًا جديدًا يتمحور حول المسؤوليات الإعلامية والمعرفية الكبيرة التي يجب أن تتحملها هذه الصحيفة العريقة وبخاصة بعد مراحل التطوير المتتابعة والتحديثات المتلاحقة التي مرت بها وعايشتها وخاضت غمارها عبر مسيرتها الصحفية الممتدة الطويلة. لقد أضحت هذه الصحيفة بحق مطلبًا ماسًا تمليه المسؤولية الكبيرة التي أوكلت لها وحملتها على عاتقها لملء فضاءات متاحة في بيئة مجتمعية مميزة وإرضاء العدد الكبير والكم الغزير من القراء الذين يتطلعون بل ويتعطشون إلى مثل هذه الإصدارات الإعلامية المميزة لملء ساحاتهم الأدبية والعلمية والثقافية، وهذا جزء من الرسالة التنويرية المعرفية الشاملة الذي تضطلع به "الرياض" والذي يعزى إلى انبثاق عصر المعلوماتية التي أضحت البديل الأمثل والشغل الشاغل في السنوات الأخيرة لكافة المتخصصين والباحثين والمهتمين في مختلف الساحات والقطاعات المهنية والفكرية والعلمية والمعرفية والثقافية وكافة أوساط فئات المجتمع ونخبه المختلفة. صحيفتنا "الرياض" صحيفة صمدت طوال ستين عامًا لبناء كيانها وإبراز هويتها وترسيخ مكانتها كما كافحت ونافحت في سبيل أداء رسالتها لإحياء التراث وتعزيز الفكر ونشر الثقافة وتنويع المعرفة، ولقد نبتت هذه الغرسة الطيبة في مدينة الرياض التي تتشرف بحمل اسم عاصمة المملكة والتي أعطاها خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله ويرعاه- جل وقته وعظيم جهده عندما كان أميرًا لها، والتي تسعى جاهدة إلى رسم لوحة مشرفة من العطاء الإنساني سعيًا إلى تجسيد وترجمة توجهات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث إنها تعد سمة من سماته الباقية ومأثرة من مآثره الخالدة على مر الزمن فهو - يحفظه الله - يولي العلم والعلماء والثقافة والمثقفين بالغ اهتمامه ورعايته وعنايته بما يعود بمردود ثريٍّ وباقٍ على الإنسان السعودي علميًا وثقافياً ومعرفياً وسلوكيًّا وحضاريًّا، فالإنسان العالِم - في فكر وهاجس خادم الحرمين الشريفين - لهو اللبنة الأولى والقاعدة الراسخة في إعداد الأجيال وبناء الأمم، وهذا مصداق لقول الله عز وجل في كتابه المجيد في تكريم العلماء وتوقيرهم: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات" المجادلة: 11، وكذلك قوله تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" فاطر: 28. وأخيرًا، هنيئًا لصحيفتنا "الرياض" بما حظيت به من عز وفخار وما نالته من مكانة وغار فاقت به رصيفاتها وتجاوزت مثيلاتها وأضحت علمًا في قمته ضوء مشرق ونور متلألئ، هنيئًا لها وهي تتخطى ستة عقود زاهية متألقة من عمرها المديد الذي نأمل لها فيه نحن قراءها ومحبيها ومتابعيها مزيدًا من الإصدارات المضيئة بنور الثقافة والمعرفة لمواصلة رسالتها الإعلامية والتثقيفية وحمل أمانتها التوعوية والمعرفية يحدوها دعاؤنا المخلص بمزيد من السيْر والثبات والعطاء، ولرجالها القائمين عليها والعاملين فيها المخلصين لها اطراد النجاح والفلاح ودوام التوفيق والسداد. * جامعة الملك سعود