الحمد لله رب العالمين، الحي القيوم، خلق الموت والحياة، وجعل لآجال الناس كتاباً.. فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، نحمده سبحانه وتعالى على قضائه وقدره، ونشكره ونثني عليه أن جعلنا من المسلمين الذين إذا اشتد عليهم أمر قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وإذا امتحنهم الله بمصيبة، يلهمهم عزوجل بقوله:{إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}. ومع إيماننا المطلق بأن الموت حق، إلا ان خبر وفاة سمو الأمير أحمد بن سلمان - رحمه الله - كان لاشك مؤلما وحاداً وعاصراً للقلوب، كان خبراً محزناً تلقيته بعد ظهر يوم الاثنين في طريق عودتي الى المكتب بعد مشاركتي في اجتماع ترأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، ولم يكن يدور بخلد أي أحد أو يتوقعه ولكن لم يكد ينفض الاجتماع.. حتى نزل الخبر كالصاعقة، فسبحان مغيّر الأحوال ومقدر الآجال، وسرعان ما طاف بمخيلتي شريط سريع من ذكريات ومواقف ما حدث في العام الماضي، فهذا والده الأمير الصامد الشامخ الراسي، المنتظر لما عند الله سلمان بن عبدالعزيز، وهذه والدة سمو الأمير أحمد الصابرة المحتسبة، وهؤلاء إخوة الأمير أحمد وأخته وزوجته وأبناؤه، وهذه شرائح متنوعة ومتعددة من المجتمع السعودي، جميعهم ما زالوا يعيشون ذكرى وفاة الأمير فهد بن سلمان - رحمه الله -، وما زال الجميع يذكر موقف آل فهد بن سلمان وصبرهم واحتسابهم، ومشاركة الناس لهم في مصيبتهم وتأثرهم الذي لم يسبق له مثيل، وانعكاس ذلك كله في الوفود والحشود من المجتمع الداخلي والخارجي الذين شاركوا في العزاء، واليوم يتكرر العزاء في الابن الثاني لسمو الأمير سلمان. كان آخر لقاء لي بسمو الأمير أحمد - رحمه الله - خلال الشهر الماضي، حيث كان من ضمن ما تحدث به رحمه الله هو اهتمامه البالغ بمركز الكلى ورغبته في تطويره والارتقاء بمستواه، وعزمه على تخطي كل العوائق وتذليل كل العقبات في سبيل ذلك، مذكراً بشدة حاجة مرضى الكلى الى العناية الفائقة والرعاية المستمرة. وعندما تتاح لك الفرصة في التعرف على بعض جوانب شخصية الأمير أحمد بن سلمان - رحمه الله - يأسرك ما تتميز به من خصال حميدة، فقد كانت شخصية مليئة بالطموح والثقة والنظرة الايجابية المتفائلة، يستشف المتحدث معه هذه الخصال فيشعر بأخوته وتقديره وخصوصيته، ويلتزم معه النقاء والمصارحة والإخلاص والوفاء، والعمل سوياً لمستقبل أفضل، كان رحمه الله نشيطاً في عمله ومخلصاً في أداء ما يوكل اليه، ومهتماً بالمجالات الخيرية المختلفة، يجود لها - وبلا حدود - بجاهه وماله. ومما يحسب له رحمه الله مشاركته ونجاحاته على الصعيد الدولي في عدة ميادين، وتمكنه من المساهمة بنجاح في التواصل ومدِّ الجسور بين المجتمع السعودي والعالم الخارجي، سواء فيما حققه من بطولات في سباق الخيل عالمياً، أو في ادارته الناجحة لأكبر شركة مطبوعات وتوزيع في العالم العربي.. وما تجربة مطبوعات الشركة السعودية للأبحاث ونجاحها في استكتاب أعداد كبيرة من الكتاب والأدباء والمثقفين العرب بمختلف تخصصاتهم، وانتشار توزيعها وقرائها في جميع الأقطار العربية.. إلا تظاهرة تنفرد بها الشركة في المساهمة في توحيد الرأي والصف العربي والسعي لايصاله دوليا، وتأسيس صورة مشرقة من صور الوحدة الثقافية للعالم العربي.. وهاهي مطبوعات الشركة التي يرأسها ويديرها الأمير أحمد بن سلمان تُطلب وتُقرأ في تونس وصنعاء وفي الكويت والقاهرة وفي أغلب عواصم ومدن العالم العربي، بل قد لا تجد تجمعاً عربياً في أي دولة غير عربية لا تتواجد فيه هذه المطبوعات، ويكفينا في ذلك هذا النجاح المنفرد والاستمرار فيه. إن فقد عزيز كأحمد بن سلمان فاجعة، ولكن ما يعزي النفس انه رحل في مسيرة حافلة بحب الخير والكرم والرجولة والتواضع والشهامة والطموح.. مسيرة تفوح بأريج أكرم الأخلاق وأنبل السجايا، وسيرة غرست علاقة متميزة اتضحت في حشود عظيمة تدافعت للمشاركة في العزاء، ودعوات صادقة من قلوب مخلصة أحبت الأب سلمان، الذي طالما شاركها أفراحها وأتراحها، وغمرها بأفضاله ورعايته واهتمامه، وأحبت الابن أحمد الذي نهل من مدرسة سلمان فسلك دروب الخير وتحلى بمكارم الأخلاق. لقد جمعتني بالأمير أحمد بن سلمان، كما جمعت الآلاف من شباب ومواطني هذا البلد الكريم، أبوة الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. تلك الأبوة التي انعكست في مواقف حانية كريمة لسموه في كل بيت وكل عائلة.. وامتدت هذه المشاعر والمآثر منه الى أبنائه البررة، بتوفيق من الله عزوجل، وبفضل تربيتهم الصالحة وما حباهم الله من مواهب وصفات حميدة قويمة، إنه تميز الأب الذي امتد الى الأبناء. إن الحزن على رحيل الأمير أحمد يعتصر القلوب، ولكننا لا نقول إلا: الحمدلله على ما قضى والحمدلله على ما أمضى، ونبتهل الى العلي القدير ان يجزيه الجزاء الحسن على خير ما قدم، وان يتغمده بعفوه وغفرانه، ويشمله برحمته ورضوانه، ويسكنه فسيح جناته، ويجعل اجتماعنا به في دار كرامته. كما أسأل المولى سبحانه ان يجبر مصاب الجميع بفقده، وان يلهم سمو الأمير سلمان الصبر والسلوان، ويلهم والدته واخوانه وشقيقته وزوجته وأبناءه وبناته حسن العزاء.. إنه سميع مجيب.