القادسية يتعادل مع ليفانتي ودياً في إسبانيا    انطلاق أولى جولات المشاورات السياسية بين المملكة وكندا    الذهب يستقر ويتجه لتكبد خسارة أسبوعية    إحباط تهريب أكثر من 797 ألف حبة "كبتاجون" بمنفذ البطحاء    الشيخ الدوسري: المملكة نموذج يُحتذى في التقدّم التقني دون تفريط بالقيم    الحذيفي: تقوى الله طريق النجاة والصراط أعظم ساعة كرب    الأسهم الآسيوية تتجه نحو أسوأ أسبوع منذ أبريل بعد فرض الرسوم الجمركية الأمريكية    القيادة تهنئ رئيسة الاتحاد السويسري بذكرى اليوم الوطني لبلادها    العادات الدخيلة على مجتمعنا    زخات البرد والامطار تجتذب السواح في عسير والباحة    محافظ الدرعية يستقبل رئيس مركز سدوس    الرئيس الفلسطيني يبحث مع رئيس الوزراء الهولندي التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة    محافظ الدرعية يجتمع مع مدير إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بالمحافظة    الواصل: معرض المدينة للكتاب منصة حضارية تُجسّد تطلعات المملكة الثقافية    أمير المدينة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    الروبوت الرسامة    تحولاتنا الثقافية    صناعة الرياضة السعودية: من استضافة البطولات إلى بناء الاقتصاد    تنوع أحيائي فريد وحياة فطرية مزدهرة    مؤتمر نيويورك يُلجم الظواهر الصوتية؟!    الغرق.. أسبابه والحاجة لزيادة الوعي    اكتشاف جديد يمهد لعلاج التوحد    المملكة تستضيف بطولة اتحاد غرب آسيا التاسعة للسيدات في نوفمبر    6 فرسان يمثلون المملكة في بطولة العالم للخيل الصغيرة بفرنسا    الجيب يذبل قبل الورد    الاتفاق يوقع مع المصري"أحمد حسن"لمدة موسم واحد    مدارس الرياض.. خمسة عقود من التميز والعطاء    «أرامكو السعودية» تمكن شباب المملكة عالمياً    محافظ الطائف يوجه بسرعة رفع نتائج التحقيقات في حادثة سقوط إحدى الألعاب    أحمد الصانع.. الكفاءة والاقتدار    محافظ الطائف يوجه بإغلاق منتجع شهد سقوط إحدى الألعاب    أمير منطقة المدينة المنورة يزور معرض الكتاب ويشيد بمكانة المدينة الثقافية    في معرض المدينة الدولي للكتاب مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث والحِرَفِ اليدويّة    نائب امير منطقة مكة يكرم رعاة الحملة الوطنية الإعلامية لتوعية ضيوف الرحمن (الحج عبادة وسلوك)    السعودية ترحب بإعلان حكومة البرتغال عن بدئها بالإجراءات التي تمهد لاعترافها بالدولة الفلسطينية    فهد سندي يفوز برئاسة الاتحاد    "برق" في عامه الأول: 7 ملايين مستخدم و تعاملات ب 73 مليار ريال    أمير جازان يقلّد مدير جوازات المنطقة رتبته الجديدة    السعودية: لا اشتراطات جديدة على معتمري الخارج    تكريم "التخصصي" لدوره في تعزيز الصحة المجتمعية بالمدينة المنورة    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    مؤتمر حل الدولتين: إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهرا    موجز    ضبط 12 مروجاً ومهرباً و380 كجم من المخدرات    أوفياء كشافة شباب مكة يطمئنون على فضل    أسرة الزهراني تحتفل بزواج أحمد    أول جهة حكومية تنال شهادات (CREST) العالمية.. سدايا تحقق التميز في الأداء الحكومي ورفع الإنتاجية    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    14 قتيلاً برصاص الاحتلال في غزة.. نزيف مستمر قرب مراكز المساعدات    مؤتمر نيويورك يعيد الزخم لتحقيق سلام عادل.. رؤية سعودية حاسمة تقود «حل الدولتين»    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا إيلسون» إلى الرياض    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - النافذة
نشر في الحياة يوم 26 - 11 - 2013

تطل على الساحة التي أمام الحصن وعلى الجامع الملحق به. عبر قضبان حديد الضلفة اليمنى يُمكن رؤية مدخل الحصن ومئذنة الجامع وموكبي الوالي والقاضي وحلقة الرجال المحيطة بهما عند سارية العلم كل صباح. كل صباح، عند السابعة، يصل موكب الوالي، سيارتا لاندروفر رماديتا اللون، سيارة الوالي، وخلفها سيارة العسكر. يترجل الوالي، وسائقه ويترجل العسكر الثلاثة من سيارتهم. الوالي في منتصف الثلاثينات، مربوع القامة، دمث الأخلاق، سمح المحيّا، لحية سوداء مشذبة بعناية تُزين وجهه المدور، تبدو عليه النعمة، متأنقاً من دون تكلف.
قبل دخوله الحصن يقوم بجولة في الساحة، يمشى إلى حيث سارية العلم، في تلك اللحظة تكون حلقة الرجال أوشكت على الاكتمال عند السارية في انتظار الوالي لمصافحته والتصبيح عليه وتبادل الأخبار والعلوم معه، سُنّةً قديمةً، حرص عليها جميع الولاة الذين تعاقبوا على الولاية، الوالي السابق – يقال - لم يكن على درجة حرص الوالي الحالي، كان يتأخر أحياناً وأحياناً يكلف القاضي بلقاء الصباح أو نائب الوالي.
بعد دقائق يصل موكب القاضي، سيارة لاندروفر رمادية اللون، يترجل منها معه سائقه وحارسه العسكري. في حدود السبعين من العمر، وجه شمعي يخلو من التعبيرات، خدان ممتلئان يلمعان، عينان واسعتان حذرتان سريعتا الحركة، قصير القامة، لحية كثة مدورة معتنى بها يخالطها قليل من السواد، يعنى بمظهره، يتأنق في لباسه وغالباً تصحبه نفحة خفيفة من خليط عطور مركزة، ينضم القاضي إلى حلقة الوالي والرجال، يسلم على الوالي بتواضع تفرضه هرمية المنصب، يقف إلى جواره فيتوالى عليه الرجال مصافحين ومصبحين. يسأل القاضي الوالي عن الأخبار والعلوم، فيعرض الوالي سؤال القاضي على الرجال، لكن أحداً لا يجيب، فيجيب الوالي ان أحداً لم يأت بخبر أو علم إلا خبر الخير وعلمه، وحين يتحرك الموكبان إلى داخل الحصن تتنفس الولاية الصبح وتدب الحياة مسبّحة بحمد الله وشكره.
عبرها، وحتى حين تكون مغلقة، تعبر إلى الداخل أصوات الساحة، خطوات البنات والأولاد ذاهبين وغادين من المدرسة، عراك الصبية، شجار بين رجلين أو أكثر، سيارة رجب الشيفروليه السوداء تستعجل من استأجره لمشوار إلى الطبيب أو إلى العاصمة وأحيانا لتأدية واجب عزاء في ولاية أخرى، صياح بائع السمك، صياح بائع الفجل، البحر ليس بعيداً، على مسافة خطوات، أحياناً يُسمع صوت الموج على الشاطئ خصوصاً ساعات الليل، صوت الأذان يصل وحوقلة المؤذن قبل أذان الفجر أيضاً، حتى جلبة أهل الحصن تصل أحياناً.
الحياة داخل الحصن طبيعية لا تختلف كثيراً عن الحياة خارجه، عدا الغرفة المستطيلة المدهونة بالنورة، التي على الركن الأيمن لسور الحصن، على يمين البوابة الرئيسة والتي يقضي فيها المحكومون عقوبة السجن. لهذه الغرفة كوة صغيرة بشبك من قضبان حديد، مرتفعة حتى تكاد تلامس حافة سور الحصن تكفي لدخول قليل من الضوء وقليل من الهوء، لكنها تسمح لأصوات، لهمهمات المحكومين، لضحكهم وبكائهم ولصلوات بعضهم بالسباحة مع تيار الهواء إلى الخارج.
لا يُعرف شيء عن الحال داخل هذه الغرفة، لكن أحدهم نقل عن عسكري الوالي قوله، ان صاحب السعادة وحده يدخل إلى المحبس كل ظهيرة يقضي مع المحكومين نصف ساعة بين الثانية عشرة والثانية عشرة والنصف وهو ما لم يكن يفعله الولاة السابقون.
«خشبية» بضلفتين تزينهما من الخارج عصافير حفرها إزميل ماهر، أربعة في كل ضلفة، عصافير رمادية بمناقير صغيرة ناعمة وأجنحة مضمومة، تنظر إلى الأمام، إلى الأعلى قليلاً، كأنها تنظر إلى الكوة التي في حائط المحبس الذي في الحصن، تحرسها قضبان حديد، ثلاثة على كل ضلفة. تغرد العصافير ثلاث مرات في اليوم، أول الصباح، وبعد أذان العصر والثالثة لا وقت لها، يمكن أن يُسمع تغريد العصافير في أي وقت حتى بعد أن تُصِر مفاتيحُ الإمام في قفل باب جامع الحصن بعد صلاة العشاء وخلو الجامع من المصلين، لكن لا يمكن أن تُسمع بعد أن تُرجَمَ نافذةُ الدخول إلى الحصن التي تشبه عينا صغيرة في ضلع البوابة العملاقة، بمغاليق الحديد من الداخل، وفي اللحظة التي تُشعلُ فيها القناديل التي على أبراج الحراسة تصمت العصافير التي على خشب النافذة وتصمت الولاية كلها وتنام. قيل، مرة، إن القاضي سمع تغريد العصافير فقال إنه يشبه تغريد عصافير الجنة، وقيل إن أحد حضور مجلسه سأل «ومتى سمع فضيلته تغريد عصافير الجنة؟»، فنهر القاضي من سأل وأخرجه من مجلسه.
تنام العصافير عندما تضاء قناديل أمن الحصن ويكتم المحكومون أصواتهم وتخلو الساحة من الناس. وعندما تُغلق الضلفتان، يسهر قنديل في الداخل يفكر في الزمن الذي يتحرك، بطيئاً، في دائرة مفرغة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.