هندسة جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تشارك في مبادرة "مجتمع أبحاث المياه    ستانيشيتش: بلوغ نهائي الدوري الأوروبي أهم لليفركوزن    استمرار هطول أمطار رعدية متوسطة على معظم مناطق المملكة    النصر يهزم الأخدود بثلاثية في "روشن"    بيئات قتالية مختلفة بختام "الموج الأحمر 7"    35 طالباً سعودياً يرفعون التحدي ب"آيسف 2024″    629 موقعاً مزيفاً تستهدف جيوب السعوديين ب«الاحتيال»    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    الشاعرة الكواري: الذات الأنثوية المتمردة تحتاج إلى دعم وأنا وريثة الصحراء    العرب ودولة الإنسان    حين يتحوّل الدواء إلى داء !    أدوية التنحيف أشد خطراً.. وقد تقود للانتحار !    مصير مجهول للمرحلة التالية من حرب روسيا وأوكرانيا    الاتفاق والنصر إلى المباراة النهائية لممتاز قدم الصالات    الاتحاد يتغلّب على الهلال وينتزع ذهب نخبة الطائرة    جمال الورد    ذكاء التوقيت والضمير العاطل    المركز الوطني للمناهج    ب 10 طعنات.. مصري ينهي حياة خطيبته ويحاول الانتحار    سقوط الجدار الإعلامي المزيف    99 % انتشار الإنترنت في المملكة    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    رَحِيلُ البَدْرِ    انكسار الهوية في شعر المُهاجرين    المقاهي الثقافية.. والمواهب المخبوءة    مفوض الإفتاء في جازان يشيد بجهود جمعية غيث الصحية    لاعبو الأندية الإيطالية خارج القائمة.. ولاعبو «البريمير ليغ» الأكثر حضوراً    الاتفاق يكمل جاهزيته لمواجهة الاتحاد في الجولة 31 من دوري روشن    «البعوض» الفتاك    تعزيز الاستدامة وتحولات الطاقة في المملكة    أمير منطقة جازان يلتقي عدداً من ملاك الإبل من مختلف مناطق المملكة ويطّلع على الجهود المبذولة للتعريف بالإبل    الحياة في السودان مؤلمة وصادمة    رئيس جامعة جازان المكلف ⁧يستقبل مدير عام الإفتاء بالمنطقة    رئيس المجلس العسكري في تشاد محمد إدريس ديبي إتنو يفوز بالانتخابات الرئاسية    أولمبياكوس يهزم أستون فيلا ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    أمانة الطائف تسجل لملّاك المباني بالطرق المستهدفة لإصدار شهادة "امتثال"    أسماء القصيّر.. رحلة من التميز في العلاج النفسي    كيف نتصرف بإيجابية وقت الأزمة؟    حقوق الإنسان في القاموس الأمريكي    رسالة من أستاذي الشريف فؤاد عنقاوي    بلدية صبيا تنفذ مبادرة لرصد التشوهات البصرية    وزير النقل: 500 ريال قيمة التذكرة بين الرياض وجدة.. ولا نتدخل في أسعار «الدولية»    دلعيه عشان يدلعك !    للرأي مكانة    تجنب قضايا المقاولات    شركة ملاهي توقّع اتفاقية تعاون مع روشن العقارية ضمن المعرض السعودي للترفيه والتسلية    مكان يسمح فيه باقتراف كل الجرائم    قُمري شلّ ولدنا    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    الملك وولي العهد يعزيان رئيس الإمارات في وفاة هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان    مستشار أمير منطقة مكة يرأس الأجتماع الدوري لمحافظي المنطقة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    أمطار رعدية ورياح تؤدي إلى تدني في الرؤية بعدد من المناطق    القيادة تعزي رئيس البرازيل    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرارات الحد الأدنى تنتظر التنفيذ . ماذا يبقى من قمة القاهرة ؟

"لم تكن الاهداف التي انعقدت القمّة من أجلها أكثر من النتائج التي تمكّنت من تحقيقها. ولهذا نجحت لمجرّد أنّها جمعت الملوك والرؤساء العرب تحت سقف واحد، وأعادت صياغة المواقف العربية حيال القضايا الرئيسية التي تواجهها المنطقة في إطار الحدّ الأدنى المطلوب من التصوّرات والأهداف المشتركة".
هكذا لخّصت مصادر ديبلوماسية عربية رفيعة المستوى نتائج قمّة القاهرة، وهو تلخيص عبرت عنه بوضوح ايضاً ظاهرة الارتياح العام الذي خرج به المشاركون فيها عقب اختتام اعمالها، بالمقارنة مع اجواء الاحتقان الشديد التي سادت قبل انعقادها.
ولا يعني هذا التقويم المتفائل نسبياً لأعمال القمة ونتائجها انها تمكّنت من ايجاد العلاجات اللازمة والمطلوبة بالحاح للأزمات والمشاكل الحادة التي تواجه الوضع العربي. ولا أنها نجحت في ازالة الخلافات العربية ومحت اسبابها. فهذا الهدف لم يكن مطروحاً اصلاً، كما ان التفكير بامكان التوصل اليه من خلال قمة واحدة بعيد جداً عن الواقعية السياسية. لكن القمة انعقدت في ظلّ وضع ربّما كان الاصعب من نوعه والأشدّ تعقيداً منذ زمن بعيد. ومجرّد انعقادها في وضع كهذا شكّل انجازاً، كما انّ مجرّد وصولها الى بيان مشترك يتناول قضايا الخلاف الأساسية العربية - العربية والعربية - الاقليمية شكّل بدوره انجازاً. فالقمة نجحت من دون شك في وضع حدّ، ولو موقتاً، لمسار التدهور المتسارع الذي كان محدقاً بالمنطقة ومحاورها ودولها، وهي وفّرت في الوقت نفسه متنفسّاً زمنياً ونفسياً سيكون ضرورياً الآن على جميع الاطراف العمل على الاستفادة منه للحؤول دون عودة ذلك التدهور الى وتيرته السابقة، وربّما الانطلاق في عملية معالجة جذرية للتحدّيات والخلافات العميقة في وجهات النظر التي تفصل بين مواقف هذه الأطراف وأهدافها.
سياسة الحلول الوسط
والسؤال الذي يبرز دائماً عقب انعقاد القمم العربية وخروجها ببيانات ختامية تحمل في نصوصها الكثير من الصياغات والآمال والمواقف المشتركة هو مدى توافر المقدرة او الرغبة في وضع تلك النصوص موضع التطبيق وتحويلها من مجرّد اعلانات مبادئ ومذكرات تفاهم الى اسس عملية للسياسات العربية. وينطبق هذا السؤال حالياً على ما تحقق في قمة القاهرة التي جاءت مداولاتها ونتائجها لتكرّس مبدأ "الحلول الوسط" في صياغة المواقف العربية على حدّ تعبير مصدر ديبلوماسي مصري اضاف ان "المطلوب بالحاح الآن هو نقل هذه الحلول الوسط من الاطار اللفظي والنظري في الاعراب عن المواقف والتوجّهات، الى حيّز التنفيذ الفعلي في تطبيق السياسات والممارسات".
والمهمة الأساسية الأولى التي ستواجه صانعي القرارات العربية في مرحلة "ما بعد قمة القاهرة" ستكون التوصّل الى "تحديد أسس التعامل العربي مع الوضع الاقليمي القائم في المنطقة حالياً حسب المصدر المصري نفسه. فللمرة الأولى منذ زمن بعيد، اصبح "الترابط كاملاً وعضوياً"، في نظر هذا المصدر، "بين القضية المركزية التي تواجه العرب منذ نصف قرن، اي الصراع مع اسرائيل وإمكانات تحقيق السلام معها، وبين شبكة العلاقات والتحالفات التي تربط او تفرّق الدول العربية نفسها من جهة، وتلك القائمة بينها وبين دول الجوار من جهة ثانية".
ولعلّ المقصود هنا هو الفارق الجوهري الذي بات يميّز الموقف العربي الحالي حيال قضية الحرب والسلام مع اسرائيل عمّا كان عليه ذلك الموقف خلال مراحل الصراع السابقة. آنذاك، كان ثمة اجماع عربي على "الحدّ الأدنى" من المواقف المشتركة فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي والأسس المطلوبة لايجاد تسوية شاملة ودائمة له. وحتى عندما "خرجت" مصر عن ذلك الاجماع بتوقيعها معاهدة السلام مع الدولة العبرية ظلّ موقف الدول العربية الاخرى متماسكاً الى حدّ بعيد، وسارعت جامعتها الى اتخاذ قرار بتجميد عضوية مصر فيها ولو الى حين.
لكن هذا "الاجماع العربي" حيال كلّ ما له علاقة باسرائيل لم يعد متوافراً اليوم، بل ان مسألة "العلاقة" او عدمها مع الدولة العبرية اصبحت موضع نقاش عربي - عربي ونقطة تجاذب واستقطاب عربي - اقليمي. وسواء اطلق على هذه "العلاقة" تعبير "التطبيع" ام غير ذلك، فان وجودها اصبح امراً واقعاً على الخريطة السياسية والاستراتيجية العربية والاقليمية. وفي ضوء الامتدادات الاوسع نطاقاً لهذه "العلاقة"، يبدو الوضع العربي جديداً ومختلفاً الى حدّ كبير عمّا كان عليه من قبل. فهناك الآن دول عربية ترتبط بعلاقات تعاون سياسي واقتصادي وحتى امني ودفاعي مع اسرائيل، وبالتالي مع دول جوار غير عربية في محور واحد يشكّل، وان ظلّ غير معلن، واقعاً حيوياً وأساسياً في موازين القوى الاقليمية. وهناك، على الجانب الآخر، دول عربية لا تزال ترفض علاقات كهذه وتحاول عرقلتها ومنعها من التطوّر لما ترى فيها من مصدر تهديد شديد لمصالحها وحساباتها الامنية والاستراتيجية، بل وتعتبرها اضعافاً خطيراً للموقف العربي العام. وهذه الدول ترتبط من ناحيتها بعلاقات تحالف وتعاون مع أطراف عربية واقليمية غير عربية تشكل بدورها إطاراً محورياً آخر في مواجهة المحور الأول. وبين هذه الدول وتلك، اقطار عربية لا تزال تعمل على الحؤول دون دخول المنطقة في "عصر جديد من المحاور والاحلاف" لا يكون العنصر العربي وأهدافه وأولوياته هو الغالب فيه.
المحاور... المحاور
وكانت الخشية ان يتمكن هذا "الطابع المحوري" لسياسات المنطقة وتحالفاتها الحالية من السيطرة على أعمال القمة فتفشل حتى قبل ان تبدأ، ويتكرّس بالتالي الانقسام العربي تمهيداً ربما لدخول الوضع برمّته مرحلة تفجيرية مليئة بكل أنواع الاحتمالات والعواقب. بل ان اجواء ظهرت خلال الفترة التي سبقت القمة دفعت الى الاعتقاد بأن الامور تسير فعلاً في ذلك الاتجاه. فالتأزم بين سورية والأردن كان بلغ ذروته وسط تصعيد ديبلوماسي واعلامي واحتقان امني متبادل، وكذلك كان الأمر بالنسبة الى التوتر بين سورية وتركيا على خلفية التحالف السياسي والاستراتيجي الذي يزداد وثوقاً بين أنقرة واسرائيل، والذي لم تتردّد المصادر السورية في اعتبار الأردن طرفاً غير معلن فيه، اضافة الى النزاع المزمن بين دمشق وأنقرة على مسائل المياه والأكراد وغيرها. وفي مقابل ذلك كانت العلاقة التحالفية الوثيقة بين سورية وايران في ظلّ المخاوف المتزايدة التي تشعر بها حيال هذه الأخيرة وسياساتها دول خليجية وعربية عدة في ما يتعلق بمسائل عدة مثل تدخّل طهران في شؤونها الداخلية ودعمها للحركات الاصولية المتشدّدة العاملة في المنطقة ومحاولاتها اشاعة عدم الاستقرار واحتلالها الجزر الاماراتية في الخليج.
وفوق هذين المحورين كانت قضية العلاقة مع اسرائيل ومستقبل "التطبيع" العربي معها في ضوء الاخطار الحقيقية التي باتت تواجه عملية السلام بعد فوز بنيامين نتانياهو وتكتل "ليكود" اليميني في الانتخابات وتمسّكه، أقلّه حتى الآن، ببرنامج سياسي متشدّد من شأنه ان ينسف آفاق التسوية وامكانات التوصل اليها من اساسها، لا سيما على مساريها السوري واللبناني، ناهيك عن الجمود الحاصل على المسار الفلسطيني.
لكنّ القمة نجحت في تفادي الوقوع في المأزق الكبير، وتمكّنت في نهاية الأمر من "ارضاء سورية، وإثارة ارتياح الأردن، وعدم اغضاب ايران أو تركيا، وتجنّب حفيظة الولايات المتحدة التي اضطرت الى وصف مقرراتها بالاعتدال". وكانت هذه فعلاً السمة التي سيطرت على أعمالها ونتائجها، اي "الاعتدال وتبنّي صيغة الحل الوسط تجاه الجميع".
واذا كان هناك اجماع على ان "الفضل في ذلك يعود اساساً الى الديبلوماسية المصرية والسعودية"، اللتين لعبتا الدور المؤثر في "اشاعة اجواء الاعتدال وازالة الاحتقان والتشدّد، وتحقيق المصالحات واللقاءات بين القادة العرب الذين شاركوا في القمة مهما كانت نسب الخلافات ومستويات التأزم في علاقاتهم"، فان التقويمات التي خرجت بها المصادر السورية والأردنية، والوقائع التي اوردتها المصادر المصرية وأوساط خليجية وعربية أخرى شاركت في القمة، تؤكد جميعها هذا "المناخ الايجابي" الذي ساد مداولاتها، وطبع نتائجها.
الارتياح السوري
وتعكس اجواء دمشق حيال القمة هذا الشعور، اذ أبدى المسؤولون السوريون "ارتياحاً تاماً الى النتائج في حال انطلقنا من الظروف العربية واخذناها في الاعتبار، اذ ان ما جرى بدءاً من اجتماع الزعماء العرب وانتهاء بمضمون البيان الختامي، كان حلماً قبل سنوات".
وفي العودة الى أولويات الوفد السوري، فان الرئىس حافظ الاسد ذهب الى القاهرة مع نائبه السيد عبدالحليم خدام ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع، بجدول اعمال يركز على "التأكيد على التزام تحقيق السلام على اسس مؤتمر مدريد ومبادئه وبالتالي دراسة اثار فوز رئيس تكتل ليكود بنيامين نتانياهو، ومحاولة بداية مرحلة جديدة في العلاقات العربية، وبحث الوضع الاقليمي وتطوراته".
واستطراداً فان السوريين ارادوا "حشد الدعم العربي لاعادة الاراضي السورية المحتلة الى خط 4 حزيران يونيو 1967، وتجميد التطبيع العربي مع اسرائىل وربطه بمدى التزام اسرائىل بتحقيق السلام وتنفيذ ما تحقق الى الان، اضافة الى ادانة عربية واضحة لتركيا واعتبار الاتفاق العسكري مهدداً للامن القومي والعربي وعدم صدور ادانة مماثلة لايران وربط اسمها بالاضطرابات الداخلية في البحرين او دول اخرى".
وعليه فان المصادر السورية اوضحت ل "الوسط" ان دمشق "حصلت على الحد الاقصى الممكن"، اذ ان البيان الختامي قال ان عدم التزام نتانياهو عملية السلام وأُسُسها سيدفع العرب الى "اعادة النظر في الخطوات المتخذة تجاه اسرائىل" بما فيها تطبيع العلاقات معها، وجاء هذا الموقف ك "حل توافقي" بين دعوة سورية الى "ربط" التزام السلام بخطوات التطبيع وعدم الاشارة الى ذلك.
اما بالنسبة الى تركيا فان الاهم في البيان هو ان الدول العربية استطاعت الاتفاق على الاشارة الى خطورة الاتفاق العسكري وتحديد اسم تركيا بشكل واضح في اطار الدعوة الى "اعادة النظر" فيه. وعلمت "الوسط" ان الجانب السوري بذل جهداً واضحاً للحصول على ذلك اذ ان دولاً عربية بينها الاردن، حاولت تجنب الاشارة الى تركيا، وان الجانب السوري كان يريد الحصول على الدعم العربي ضد تركيا في ثلاث نقاط هي "الحشود العسكرية التركية على الحدود، ودعوة تركيا للدخول في مفاوضات لقسمة المياه، واعادة النظر في الاتفاق باعتباره يهدد الامن السوري الان والعربي في المستقبل".
وصدرت تلك الدعوة على اهميتها، ليس بالقوة التي ارادتها دمشق بسبب موقف تلك الدول العربية ومحاولتها ربط اي لهجة مضادة لتركيا بلهجة مماثلة لايران بسبب "تدخلها في الشؤون الداخلية" لبعض الدول العربية. لذلك فان "الحل الوسط" الذي حصل في نقاط متعددة مثل التطبيع وتركيا والارهاب والسلام، اندرج ايضاً على موضوع ايران وصيغ بشكل يظهر مدى نجاح الديبلوماسية السورية في ترك القراءتين محتملتين. اي ايصال رسالة الى ايران بنجاح الجهود السورية، واخرى الى دول الخليج بتأييدها من الموقف ضد ايران.
في كل الاحوال فان المصادر الديبلوماسية قالت ل"الوسط" ان القمة افسحت في المجال مرة اخرى لسورية كي تظهر مدى اهمية العلاقة السورية - الايرانية بالنسبة الى الدول الخليجية واعتبار دمشق البوابة التي يحاور عبرها العرب الايرانيين". واكدت المصادر نية الرئىس الاسد القيام بوساطة بين البحرين وايران وبين موقفين يقول أحدهما ان "ايران تتدخل في شؤون البحرين الداخلية وتدعم المعارضة، واخر ينفي ذلك ويبدي استعداداً للقيام بوساطة بين الحكومة البحرينية والمعارضة".
وبقي الاجتماع الذي عقده الاسد مع الرئىس ياسر عرفات والاجتماعات مع الملك حسين من اهم الاجتماعات الثنائية التي حصلت على هامش قمة القاهرة، باعتبارها الاولى منذ توقيع الطرفين اتفاقات سلام مع اسرائىل بعيداً عن التنسيق مع دمشق. وقال مسؤول سوري ل "الوسط" انها جاءت في اطار "الحرص على التضامن العربي وحل الخلافات والتأسيس لمرحلة اخرى"، لكن مسؤولاً اردنياً اكد ل "الوسط" ضرورة "التريث لمعرفة المرحلة المقبلة في العلاقات" فيما اشارت مصادر سورية الى ان العلاقة السورية - الاردنية مرتبطة بمدى "بعد عمان عن اسرائىل".
... والأردني
والارتياح السوري حيال القمة قابله ارتياح أردني مماثل عبّرت عنه عمّان في تركيزها على "نجاح القمة" إذ بدا الملك حسين ورئيس وزرائه عبدالكريم الكباريتي مرتاحين تماماً لما أسفرت عنه مداولاتها ولقاءاتها.
وبالنسبة الى الأردن فان ابرز نجاحات القمة تمثلت في الآتي:
- اخراج العلاقات الأردنية - السورية من جمودها المتصل منذ اكثر من سنتين، والحيلولة دون المزيد من الانهيار الذي كاد ان يصل الى درجة الصدام.
- الدعم العربي لمسيرة السلام على جميع المسارات من دون تمييز بين مسار وآخر.
- استئناف الحوار العربي - العربي عبر مؤسسة القمة المتوقفة منذ ست سنوات كخيار وحيد لازالة الخلافات بين العرب.
ومثل المصادر السورية، اعتبرت عمّان قمة الحسين - الاسد من أبرز منجزات القمة. وحسب السيد عبدالكريم الكباريتي رئيس الوزراء في حديث لاعضاء مجلس النواب الأردني فان "الملك حسين سلم الرئيس الأسد خلال لقائهما ملفاً كاملاً يتضمن وثائق وصوراً ومعلومات تفصيلية عن المحاولات الارهابية التي اعتزمت بعض التنظيمات التي تتخذ من دمشق مقراً لها تنفيذها في الأردن". ورفض الكباريتي الحديث عن المحاولات بالتفصيل. إلا ان مصدراً اردنياً مطلعاً قال ل "الوسط" انها "بلغت 56 محاولة، من أبرزها محاولة لاغتيال الأمير حسن ولي عهد الأردن بواسطة سيارة مفخخة، وان سيارة مماثلة كادت تنفجر بين حافلات سياحية في منطقة البتراء اشهر المعالم السياحية الاردنية".
وكشف النقاب في عمّان عن ان الملك حسين "ذكّر الرئيس السوري بحادثة جرت في الثمانينات عندما اوقف الأردن عملاً تخريبياً كان يستهدف أمن سورية، وانه اعرب عن اسفه في حينه للرئيس السوري لأن المحاولة انطلقت من الأراضي الأردنية وطالب الأسد بموقف مماثل". غير ان الرئيس السوري "نفى علمه بالمحاولات الارهابية التي استهدفت الأردن وتعهد بدرس الملف والتحقيق فيه".
واعتبر الكباريتي ان "لقاء الحسين - الأسد كان ناجحاً ومهد الطريق للقاءات قريبة للحوار". وقال انه "ليس بين الأردن وسورية ازمة بل اختلاف في وجهات النظر". اما وزير الاعلام الأردني الدكتور مروان المعتزّ فقد صرح عقب جلسة لمجلس الوزراء الأردني يوم الثلثاء الماضي 25/6/1996 بان القيادتين الأردنية والسورية ستواصلان الحوار بينهما بهدف الوصول الى تنسيق كامل للمصلحة العليا.
وكانت الشكوك المتبادلة بين عمان ودمشق سيطرت على الاجواء قبيل انعقاد القمة وبلغت ذروتها في اجتماع وزراء الخارجية - التمهيدي للقمة. وأوضح رئيس الوزراء الأردني بوصفه وزيراً للخارجية ان "توجهه بالحديث والتحية الى الشعب السوري كان رداً على مخاطبة فاروق الشرع وزير الخارجية السوري للشعب الأردني". وعندما تحدث الشرع عن "الهرولة" رد الكباريتي بالحديث عن "النفاق السياسي".
اما على صعيد مداولات القمة فان الخلاف في وجهات النظر لم ينشأ بين الأردن وسورية فحسب اذ ان جميع الدول العربية كانت طرفاً فيه. فالأردن، مثل غالبية الدول العربية، اعتبر ان "ايران تهدد امن واستقرار بعض دول المنطقة، ومنها الخليجية، اضافة الى احتلالها اراضي عربية من دولة الامارات". لكن سورية لم تنظر الى ايران على هذا النحو. وكانت المسألة الأخرى ان "الأردن يعتبر ان تحالف تركيا مع اسرائيل ليس موجهاً ضد أي دولة عربية، ومن ضمنها سورية، خصوصاً ان مثل هذه التحالفات ليست جديدة"، وهو موقف عارضته سورية كذلك.
وعلى صعيد مسيرة السلام يبدو الأردن مرتاحاً الى الموقف العربي الجماعي بالتزام السلام كمسيرة وكنهج ودعمه كل المسارات لأن "الأردن كان يخشى من التركيز على المسار السوري على حسابات المسارات الأخرى، خصوصاً الفلسطيني لما لهذا المسار بالذات من تأثير مباشر على الأردن سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً".
واخيراً واجه رئيس الوزراء الأردني سؤالاً من اعضاء مجلس النواب حول استثناء العراق من حضور القمة فرد بأن "الأردن لم يكن له دور في هذا الاستثناء".
ويتركز الاهتمام على مرحلة ما بعد القمة في اتجاه متابعة قراراتها التي كلف الرئيس حسني مبارك بها وتحديد آلياتها بوصفه رئيس القمة العربية الحالية وشكل مبارك لجنة متابعة باشرافه تضم وزير الخارجية عمرو موسى ومستشاره السياسي أسامة الباز ورئيس الديوان الجمهوري زكريا عزمي وعددا من كبار المسؤولين.
وعُلم ان المشاورات المصرية - السعودية - السورية في أعقاب القمة أسفرت عن اتفاق على متابعة ثلاثية من خلال وزراء خارجية الدول الثلاث الذين سيلتقون في آب اغسطس المقبل لمناقشة نتائج الاتصالات والتحركات المصرية، قبيل اجتماع مجلس الجامعة العربية في ايلول سبتمبر، الذي سيناقش هذه النتائج في اطار الاعداد للقمة العربية المقبلة. اما أهم محاور عمل هذه اللجنة فهي:
السلام والعراق وليبيا
1- عملية السلام: حيث بعث الرئيس مبارك برسالتين الى كل من الرئيسين بوريس يلتسين وبيل كلينتون رداً على الرسالتين اللتين تلقاهما قبل القمة يؤكد فيهما التزام العرب مواصلة السلام واستئناف المفاوضات على الاسس نفسها التي قامت عليها في مدريد وهي مبدأ الارض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية.
وتؤكد القاهرة انها ستنتظر نتائج زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو الى الولايات المتحدة ومصر والاردن لتسمع منه، وزيارة مبارك لواشنطن 30 تموز يوليو الجاري لتحديد موقف عربي من الموقف النهائي للحكومة الاسرائيلية. وتوضح المصادر المصرية ان الجانب العربي ملتزم ببيان القاهرة في شأن التطبيع مع اسرائيل في حالة رفض مبدأ الانسحاب الكامل من كل الاراضي المحتلة. واعتبار مرجعية مدريد شروطاً مسبقة.
2 - العراق: قررت لجنة المتابعة في شأن مسألة العراق التحرك في اتجاهين: الاول احترام بغداد قرارات مجلس الامن، والثاني اتصالات مباشرة من اجل ضمان التنفيذ الكامل للقرارات. وسيزور القاهرة قريباً وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف حيث يجري محادثات مع الوزير عمرو موسى في هذا الصدد. ولم يستبعد مصدر مصري مسؤول ربط كل خطوة عراقية نحو التنفيذ الكامل للقرارات - لبدء تنفيذ المادة 22 من قرار مجلس الامن 687 في شأن الرفع التدريجي للعقوبات - بخطوات من مصر ودول عربية اخرى نحو استئناف العلاقات الطبيعية مع العراق. واشار في هذا الصدد الى احتمال رفع مستوى التمثيل الديبلوماسي بين مصر والعراق عن المستوى الحالي بعثة رعاية مصالح. واوضح المصدر ان مصر "عندما ترسم سياستها تجاه العراق لا تأخذ رد فعل دولة او دول أخرى" وقال: "قد يكون حساب مواقف الآخرين أحد عناصر البحث لكن ليس كل عناصر البحث". وتابع: "نحن نأخذ الامر بجدية وما يهمنا عمله تجاه العراق اليوم هو رفع المعاناة عن الشعب العراقي وسلامة اراضيه لان ذلك مسؤولية عربية جماعية". اما بالنسبة الى قرارات مجلس الامن فإن "هناك تمييزاً بين احترام العراق للقرارات وتنفيذها كاملة وبين اساليب التنفيذ التي تتعارض احيانا مع السيادة العراقية، ونحن نؤيد الموقف العراقي في رفض هذه الاساليب".
وأشار الى أن أجواء القمة في هذا الموضوع توضح ان "الظروف الآن افضل من ظروف 1990 ... والكثير المطلوب عمله يتوقف على ما سيقوم به العراق لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية".
3 - ليبيا: بالنسبة الى الازمة الليبية - الغربية، اكد المصدر ان مجلس الجامعة العربية في ايلول سبتمبر المقبل تنفيذ بيان القمة الذي اكد ان "عدم التعاطي الايجابي من جانب الاطراف الغربية مع مقترحات حل الازمة سلمياً سيدفع الدول العربية الى بحث الوسائل الممكنة لرفع الضرر عن الشعب الليبي". وسيبحث المجلس طبيعة هذه الوسائل. ولم يعقب المصدر على سؤال "الوسط" عما اذا كانت هذه الوسائل ستتعارض مع قرار مجلس الامن الرقم 833 بفرض العقوبات على ليبيا، وقال: "هناك مذكرة روسية واخرى فرنسية وثالثة صينية قدمت الى مجلس الامن شددت على ضرورة مراجعة اسلوب العقوبات في التعاطي مع الدول لان الشعوب هي التي تتضرر اولا واخيرا". واضاف: "انه من المنطقي ان تؤخذ خطوات عكسية نحو رفع العقوبات في حالة التزام ليبيا قرار مجلس الامن 748 في شأن تسليم المشتبه فيهما، والذي وافقت ليبيا على تنفيذه وتسليمهما الى دولة ثالثة ... ومن المنطقي ألا تستمر العقوبات بناء على رغبة دولة او دولتين".
وعلى صعيد الجامعة العربية علمت "الوسط" ان خبراء قانونيين وسياسيين في مصر والجامعة العربية والسلطة الفلسطينية يدرسون حاليا موضوع اعادة افتتاح مقر الجامعة في القدس الشرقية، الذي اغلق في اعقاب عدوان 1967. وتتم الدراسات الوافية للموضوع لاتخاذ خطوة سياسية وتحسب هذه الدراسات ردود الفعل المحتملة. لكن مصدرا مسؤولا في الامانة العامة للجامعة العربية ذكر ل"الوسط" ان الجامعة "لا تسعى الى خلق واقع جديد، بل الى استئناف نشاط احد مكاتبها في الخارج".
5- المصالحات العربية: تعتبر مصر تطورات عملية السلام احد الدوافع المهمة لتكريس المصالحات التي تمت على هامش القمة، خصوصاً السورية - الاردنية والسورية - الفلسطينية. وعلمت "الوسط" ان الرئيس المصري سيدعو - في كل الاحوال - عقب زيارته المقبلة لواشنطن الى اجتماع لدول الجوار لاسرائيل الطوق للتشاور والتنسيق حول الخطوات المقبلة.
وعلى صعيد المصالحة المصرية - السودانية، اكدت المصادر المصرية ان العلاقات لم تصل الى مرحلة "المصالحة" بعد وهي حاليا في مرحلة "المصارحة" وان تم تجاوز هذه المسألة فإن المصالحة امر يسير. وكانت اجتماعات امنية على مستوى كبار المسؤولين في اجهزة الامن في البلدين عقدت في اعقاب لقاء الرئيسين مبارك وعمر البشير على هامش القمة. وقدم الجانب السوداني فيها ايضاحات ومعلومات تؤكد عدم ايواء السودان أي ارهابيين او معسكرات للتدريب على الاعمال التخريبية. وعلم ان الدكتور اسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك سيزور الخرطوم قريبا في حالة احراز تقدم على صعيد المحادثات الامنية للبحث في آلية حل المشاكل العالقة. وتأتي الزيارة في اطار ما كشفت عنه المصادر المصرية ل "الوسط" حول عرض البشير استعداد حكومته للبحث في كل القضايا الساخنة من خلال اجتماعات بين ممثلين عن الاجهزة - في البلدين - المعنية بهذه القضايا، ومراجعة حكومته كل القرارات التي اتخذت بمصادرة كل اشكال الوجود المصري في السودان من مؤسسات تعليمية واستراحات الري.
اما على صعيد المصالحة بين الكويت ودول الضد الاردن واليمن والسودان ومنظمة التحرير الفلسطينية فعلى برغم نفي الكويت حدوث لقاءات على هامش القمة بين رئيس وفدها، ولي العهد الشيخ سعد العبدالله وبين اي رئيس وفد آخر، وتأكيد وزير الخارجية المصري بعد انتهاء القمة انه "ليس هناك رئيس وفد عربي لم يلتق رئيس اي وفد آخر"، الا ان المصادر المصرية تؤكد ان اللجنة الوزارية المصرية السعودية السورية ستواصل جهودها في هذا الشأن في اطار السعي الى تحقيق المصالحة الشاملة قبل انعقاد القمة المقبلة.
6- دول الجوار: وكانت القمة، حسب مصادر "الوسط"، عهدت الى الرئيس المصري متابعة الاتصالات مع تركيا في شأن قرار القمة دعوة تركيا الى اعادة النظر في الاتفاق العسكري مع اسرائيل. كما عهدت الى الرئيس السوري اجراء اتصالات مع ايران في شأن اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول الخليج العربي، وسيطلع كل من الرئيسين مبارك والاسد الاطراف المعنية على نتائج هذه الاتصالات.
وعلم ان مبعوثين من مصر وسورية سيتوجهان الى انقرة وطهران لمحادثات في هذا الشأن، خصوصاً ان الدول العربية في قمة القاهرة اكدت حرصها على علاقات طيبة ووثيقة مع ايران وتركيا.
7 - الاتحاد العربي: ولعلها المرة الاولى التي يحظى فيها اقتراح ليبي في شأن "الوحدة العربية" باهتمام الدول العربية، وعزت المصادر المصرية ذلك الى "المعقولية والواقعية" التي اتسم بها الاقتراح الليبي الذي احاله القادة العرب على الامانة العامة للجامعة ومجلس الجامعة لعرضه على القمة المقبلة.
ويتضمن المشروع انشاء "مجلس رئاسي" بين دورتي انعقاد كل قمتين عربيتين يضم رئيس القمة ونواب الرئيس لمتابعة القضايا العربية ومجلس وزاري عربي مصغر.
ولوحظ ان الرئيس عرفات قدم اقتراحاً مماثلاً بتشكيل المجلس الرئاسي لكنه حدد اعضاءه بسبعة اعضاء بمن فيهم رئيس القمة.
وفي صورة عامة، فان التحركات الديبلوماسية المصرية في الفترة المقبلة تتضمن ايضاً متابعة موضوع تعويض لبنان عما لحق به من اضرار من جراء العدوان الاسرائيلي الاخير في مجلس الامن، والتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الارهاب، واجراء مشاورات مع قادة الفصائل الصومالية لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية في القاهرة في مقر الجامعة العربية واتصالات مع الدول المانحة، خصوصاً اليابان، لتقديم المعونات والمساعدات المقررة بشكل عاجل لدعم السلطة الوطنية الفلسطينية.
لكنّ هذه المتابعات ستظل مرتهنة بالقدرة التي ستثبتها السياسات العربية على التزام ما ورد في بيان قمة القاهرة من بنود تدعو الى ابقاء الخلافات العربية - العربية وتنافسات المحاور الاقلمية قيد السيطرة، والحؤول دون تصاعدها الى حدود المواجهة المكشوفة. فالمخاطر والتحديات لا تزال قائمة بشدة، والاحتمالات تظل واردة على اكثر من صعيد لعودة التأزم. وهنا سيكمن السباق الجاري حالياً بين مساعي التنسيق ووجهات التصعيد. ونتيجة هذا السباق ستكون هي الاختبار الحقيقي لمدى نجاح قمة القاهرة في تحقيق اهدافها على المدى البعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.