سمو أمير منطقة الباحة يناقش في جلسته الأسبوعية المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    13 عاما لاستكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء    أمير الباحة يستقبل مدير وأعضاء مكتب رواد كشافة بعد إعادة تشكيله    تغطية أرضيات مشعر منى بالسيراميك.    أمير حائل يشكر المعزين في وفاه أخيه: البدر جسد احساس ومشاعر أسرته وشعب المملكة في شعره    نائب أمير الرياض يرعى احتفال معهد الإدارة العامة بالخريج والوظيفة ال 28    تزايد الهجمات السيبرانية في ألمانيا والخسائر 1ر16 مليار يورو    الصحة النباتية    تعطل مكائن الصرّاف الآلي واحتجازها للأموال    تراث يمتد عبر العصور.. دروب الحج القديمة.. مسارات للثقافة والمعرفة    رئيس منتدى الحوكمة السعودي معلقاً على إلغاء أصوات «انتخابات الرياض»: تعارض المصالح ليس شعارات    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    سيتي لسحب البساط من تحت قدمي أرسنال    أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من (6) أشهر وأقل    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن : ماذا بعد سقوط "دولة الجنوب"
نشر في الحياة يوم 11 - 07 - 1994

بدأت الحرب اليمنية - اليمنية بأسئلة صعبة وانتهت بأسئلة أكثر صعوبة وإيلاماً. ولكن قبل الحديث عن الأسئلة لا بد من التساؤل عما إذا كانت هذه الحرب قد انتهت فعلاً وعما إذا كان الحسم العسكري يكفي لانهاء هذا النوع من الحروب.
سيبقى الخميس 7 تموز يوليو يوماً مؤلماً في الذاكرة اليمنية حتى للذين اعتقدوا ان ذلك النهار أكد انتصارهم. ففي ذلك اليوم دارت في شوارع عدن حرب شوارع ترافقت مع ممارسات بالغة القسوة. كأنما لم يكف المدينة ما عانته من ويلات الحصار لتنتقل الحرب الى أزقتها ومداخل مبانيها وليرتبك الهاربون من جحيم القصف بالجثث المتروكة في الشوارع وسط حالة من الذهول واليأس. وفي اليوم نفسه تأكد ان المكلا سقطت فعلاً. واتضح ان انهيار الجبهات الجنوبية رافقه تضعضع كامل في الأوساط القيادية للحزب الاشتراكي. هناك من غادر ومن كان يسعى الى المغادرة وهناك من قتل أو أصيب.
هل انتهت دولة الجنوب أي دولة "جمهورية اليمن الديموقراطية" التي أعلنها السيد علي سالم البيض في 21 أيار مايو الماضي؟ وهل انتهت الحرب التي اندلعت في الخامس من الشهر نفسه؟
لا شك في أن التطورات العسكرية التي أكدها ذلك النهار كشفت ان الجمهورية التي أعلنها البيض خسرت معاقلها ومعظم أرضها والأخطر من ذلك انها خسرت رموزها الجغرافية التي حاولت الاحتماء فيها بانتظار تطور ما يقلب سير الأحداث. ماذا يستطيع قادة "الجمهورية الجنوبية" ان يفعلوا بعد خسارة الأرض وهل تراودهم فكرة اعلان حكومة منفى لخوض حرب استنزاف طويلة ضد القوات الشمالية؟ وهل يحتمل الوضع في هذه المنطقة الحساسة نزاعاً طويلاً من هذا النوع؟
بعد هذا النوع من التطورات تبدو صورة المستقبل القريب ضبابية اذ أنها تتوقف الى حد بعيد على الطريقة التي سيدير فيها الخاسر ملف خسارته وسيدير فيها الرابح ملف ما يعتبره انتصاره. وإذا كان الخاسر سيسأل بالتأكيد داخل فريقه عن الحسابات التي استند اليها في بدايات الأزمة والمراحل التي تلتها فإن الرابح سيسأل أيضاً داخل فريقه عن الثمن الباهظ وكذلك عن الحصص.
منذ اندلاع القتال بدا واضحاً ان الرئيس علي عبدالله صالح اختار طريق الحسم العسكري على رغم قرارات مجلس الأمن والجهود الدولية والعربية. لا بل انه بدا ان التجاوب الظاهري مع الدعوات الى وقف اطلاق النار لم يكن أكثر من أسلوب لاستكمال قضم المناطق الجنوبية مع تحاشي التسبب في ردود فعل دولية توقف عملية القضم هذه.
والواقع هو ان الرئيس علي عبدالله صالح يواجه بإلحاح سؤالاً صعباً عما سيفعله بالجنوب. فالاستمرار في خيار القوة وحده يؤسس لمتاعب أمنية دائمة ولمشاعر قهر تتجمع في انتظار لحظة الانفجار. اما العودة الى الحوار والمصالحة فتستلزم متحاورين يتمتعون بحد من الصفة التمثيلية. فهل يعثر علي صالح على محاورين من بين مسؤولي الحزب الاشتراكي نفسه أم سيكون خياره اعطاء دور للرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد؟ ثم ماذا عن الجيش اليمني نفسه وهل يمكن حكم اليمن بكاملها بقوات شمالية وهل تسهل اعادة توحيد الجيش بعد المجازر التي وقعت بين وحداته.
وثمة اسئلة أيضاً عن التوازنات في مركز القرار في صنعاء. فماذا ستكون حصة التجمع اليمني للاصلاح بزعامة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب وشيخ مشايخ قبيلة حاشد؟ وفي صورة أدق ماذا سيكون موقع الاسلاميين المنضوين في التجمع خصوصاً ان مسلحيهم لعبوا دوراً في بعض الاختراقات على جبهات الجنوب. طبعاً مع التساؤل عن موقع بكيل التي آثرت البقاء على الحياد والتي كان يمكن وقوفها الى جانب الجنوبيين أن ينقل الحرب الى صنعاء نفسها.
"سقوط عدن لا ينهي أزمة اليمن". هذا ما قالته واشنطن التي كانت شددت على ضرورة وقف اطلاق النار لكنها لم تصل الى حد فرضه أو القبول "بعقاب سياسي كبير موازٍ لاستمرار الحرب" الأمر الذي أبقى الاعتراف ب "جمهورية اليمن الديموقراطية" ورقة ضغط مؤجلة.
قبل ان تسقط عدن وجد وزراء خارجية دول اعلان دمشق في الكويت ان قيمة ورقة الاعتراف بپ"الجمهورية الجنوبية في اليمن" تكمن في التلويح بها لا في استخدامها وذلك بانتظار ان تتوضح حيثيات المشهد السياسي الدولي، خصوصاً الموقف الاميركي، الى جانب ما ستسفر عنه التطورات العسكرية في الجمهورية اليمنية، لا سيما على جبهتي عدن والمكلا.
وخلال اتصالات مكثفة مع غالبية قيادات الحزب الاشتراكي المتواجدة خارج الجنوب اليمني لوحظ انهم كانوا يترقبون باهتمام نتائج اجتماع الكويت. كل قيادات الحزب الاشتراكي، وحتى المتواجدة في المكلا وعدن، راهنت خلال الايام القليلة التي سبقت اجتماع الكويت على تطورين اثنين املاً بتحريك الموقف الثابت منذ اعلان الدولة الجنوبية في 21 ايار مايو الماضي. وهي كانت تتوقع حدوث أحد أمرين: الاعتراف بشرعية الدولة التي اعلن قيامها في جنوب اليمن، أو حدوث تطور عسكري لمصلحة مشروع الدولة الحديثة الولادة. وثمة من تفاءل فأمل في حدوث الأمرين معاً: تطور الميزان العسكري لمصلحة جمهورية اليمن الديموقراطية والاعتراف بالجمهورية الجديدة. إلا أن التطورات العسكرية على جبهتي عدن والمكلا جاءت على غير ما تمناه الجنوبيون. وخلال انعقاد اجتماعات وزراء خارجية دول اعلان دمشق، كانت القوات الشمالية تطبق على مدينة عدن لتكمل الاستيلاء على غالبية ضواحي عاصمة الجنوب، في حين احاطت كتائب الجيش اليمني بمدينة المكلا ثم تقدمت اليها. وباستثناء جيوب في عدن خاضت معارك ضارية لابقاء وجودها العسكري في المدينة، استطاعت قوات صنعاء إعلان حسم المعركة لمصلحتها. التطورات على الأرض قلصت تماماً مساحات الارض اللازمة لمساندة مشروع الدولة الجنوبية التي اعلنت في عدن في 21 ايار مايو الماضي. واذا كان المشروع السياسي الذي أذن بقيام جمهورية اليمن الديموقراطية بدأ يتهاوى على جبهتي عدن والمكلا، فإن وزراء خارجية دول إعلان دمشق المجتمعين في الكويت كانوا يتابعون الموقف العسكري عن كثب ويشاهدون انحسار رقعة الأرض التي كانت جمهورية اليمن الديموقراطية اعلنت انها تبسط سلطتها عليها. وزادت التطورات من صعوبة صدور قرار الاعتراف بهذه الدولة في غضون اليومين اللذين استغرقتهما اجتماعات الكويت، لذا لم يكن من قبيل المفاجأة ان يجيء إعلان الكويت على النحو الذي جاء فيه، مقارنة مع بيان أبها في 5 حزيران يونيو الماضي. وبقيت اهمية ورقة الاعتراف في التلميح اليها والتلويح بها كوسيلة لوقف نزيف الدم.
انتظار جنوبي
قادة الحزب الاشتراكي ومسؤولو الدولة الجديدة في جنوب اليمن تخوفوا من ان تكون محاولات الانقاذ تأخرت وان يستغل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح التأخير لمواصلة تطبيق الخيار العسكري لحل الأزمة، وهذا ما حصل. وبكلام آخر فإن الجنوبيين اعتبروا ان التطورات تضمنت نوعاً من الاقرار الضمني بالطابع الداخلي للنزاع، علماً ان صدور القرار 924 كان الحلقة الأولى في حلقات تدويل هذا النزاع. ولم يكن سراً ان قيادات الدولة الجنوبية دخلت في ما يمكن اعتباره الرهان الأخير. اذ لوحظ ان حيدر أبو بكر العطاس، رئيس وزراء "جمهورية اليمن الديموقراطية" وعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، فضّل تأجيل إعطاء أي تصريحات صحافية ريثما يصدر البيان الختامي لاجتماعات الكويت. وحين اتصلت به "الوسط" في نيويورك، عشية صدور اعلان الكويت، كان العطاس مجتمعاً مع سفير مصر في الولايات المتحدة بانتظار آخر أخبار الكويت. انتظار بيان الكويت كان الحلقة الأهم في برنامج قيادات الاشتراكي للمرحلة المقبلة. وهكذا بعث العطاس برسالة مطولة الى الامين العام للامم المتحدة في 5 تموز يوليو الجاري معلناً اعتذاره عن عدم استطاعته مواصلة الاجتماعات مع وزير التخطيط اليمني الدكتور عبدالكريم الارياني برعاية الأخضر الابراهيمي، مبعوث الامم المتحدة الى اليمن، وعزا العطاس ذلك الى مسألتين: الخروقات المتواصلة لوقف اطلاق النار والبطء الواضح الذي يمارسه "الطرف الآخر" لتشكيل آلية وقف اطلاق النار. ولكن ما تمخضت عنه اجتماعات الكويت اضطر حيدر العطاس الى العودة مجدداً الى أروقة الامم المتحدة.
تفسيرات الارياني
قبل ساعات قليلة من صدور البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية دول اعلان دمشق في الكويت، قال الارياني لپ"الوسط" من نيويورك "سيكون من المستغرب في تقديري ومن الأمور التي لا يحكمها المنطق اذا لم يتمخض اجتماع دول اعلان دمشق في الكويت عن التزام واضح بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية اليمنية". وفي هذا السياق قالت مصادر ديبلوماسية عربية في الكويت لپ"الوسط" "ان سورية ضغطت قبيل انعقاد لقاء وزراء خارجية دول اعلان دمشق، وخلال اللقاء، بكل ما لديها من امكانات لاقناع الدول العربية المعنية "بعدم صوابية الاعتراف بجمهورية اليمن الديموقراطية". وكانت دولة قطر تدفع في "الاتجاه نفسه"، غير ان وزير التخطيط اليمني رفض التعليق على هذه المعلومات مكتفياً بالقول "عندي انطباعات واضحة حول موقف سورية الرافض مشروع الانفصال في اليمن ولا امتلك معلومات تؤكد هذه الانطباعات". وكان وزير الخارجية المصري عمرو موسى صرح قبيل مغادرته الكويت وصدور بيان لقائها الختامي "ان خلافات جمة برزت بوضوح بالنسبة الى الكيفية التي سيتم اعتمادها للتعاطي مع ملف الازمة اليمنية". وفي لندن قال ديبلوماسي يمني جنوبي لپ"الوسط"، تعليقاً على بيان الكويت، "كيف نتوقع صدور اعتراف بالجمهورية اليمنية الديموقراطية ولم يعد لدى هذه الدولة مساحة من الأرض ترتكز عليها وتساند المشروع السياسي الذي احاط باعلان هذه الدولة؟". ولوحظ خلال متابعة تطورات الوضع العسكري على جبهتي عدن والمكلا ان غالبية القيادات السياسية في الحزب الاشتراكي كانت غير قادرة على تقديم صورة واضحة لتقويم الوضعين العسكري والسياسي.
وفسر الديبلوماسي اليمني الجنوبي نفسه هذه الظاهرة بقوله صراحة لپ"الوسط": "غياب المرجعية هو السبب الأساسي لهذه الضبابية. كل منا يعتمد على مصادره الذاتية داخل اليمن لمتابعة ورصد ما يجري في عدن والمكلا". ولوحظ ان تواتر الحديث عن مغادرة علي سالم البيض مدينة المكلا في حضرموت فاقم النتائج السلبية المترتبة عن غياب المرجعية السياسية القادرة على ادارة ملف النزاع الذي دخل مراحله الاخيرة بعد استكمال القوات الشمالية سيطرتها على عدن والمكلا.
وفيما كان وزراء خارجية دول اعلان دمشق يعدون الصياغة النهائية لبيانهم الختامي اكدت وكالات الانباء في تقاريرها العسكرية الواردة من عدن والمكلا، سقوط المدينتين عسكرياً. ونقل مراسلون من عدن ان شوارع المدينة باتت خالية من حواجز قوات الحزب الاشتراكي.
حرب شوارع
وعلى رغم تأكيد صنعاء استكمال بسط سلطتها على عدن والمكلا، تحدثت مصادر الحزب الاشتراكي لپ"الوسط" عن "حرب شوارع تشهدها مدينة عدن بما يؤذن لانطلاق مقاومة شعبية ضارية ضد قوات الشمال" ما يفتح الباب مجدداً للحديث عن "حكومة منفى يمنية جنوبية قد يتم الاعلان عنها قريباً" كما قال قيادي بارز في الحزب الاشتراكي "حكومة بلا أرض؟" رد الوزير الارياني مستغرباً وقال: "نأمل ان يسود منطق العقلاء ويتم الكف عن منطق التدخل".
بيان الكويت الذي اعاد ملف النزاع اليمني الى اروقة الأمم المتحدة من خلال الدعوة الى تطبيق قراري مجلس الأمن 924 و931 اعتبره الارياني "منطقاً تجاوزته الاحداث، لا سيما منطوق القرار 931 تاريخ 30 حزيران يونيو الماضي الذي أحدث نقلة نوعية في نمط التعاطي الدولي مع ملف النزاع اليمن". ويرى المسؤول اليمني الشمالي ان هذا الملف رجع الى داخل حدود الجمهورية اليمنية حيث سيتم التعاطي معه بإشراف الجامعة العربية ودول الجوار الاقليمي.
"التدويل والعودة الى الداخل"
حتى الساعات القليلة التي سبقت صدور بيان الكويت راهنت القيادة السياسية في صنعاء على "ان يسود المنطق ويحسن المجتمعون قراءة ما بين سطور قرار مجلس الأمن 931". وبعد ساعات قليلة من صدور قرار مجلس الأمن قال الدكتور عبدالكريم الارياني "ان القرار الاممي استجاب الى الجهود الديبلوماسية التي قامت بها صنعاء لا سيما في الفقرة الاولى التي ورد فيها ذكر الجمهورية اليمنية. ووضعت كلمة اليمن بين قوسين لهدف قانوني بحت، سببه ان تعبير اليمن هو بمثابة اختصار للجمهورية اليمنية في سجلات الأمم المتحدة" ولاحظ ان القرار 931 لم يرد فيه "ما يدل على ان ما يدور في اليمن ليس داخلياً. فالقرار 931 ينطلق كله ويتأسس على القرار 924. وحتى في مرحلة القرار 924 كان كل الاعضاء الدائمين على اقتناع بأن ما يجري في اليمن قضية داخلية بحتة. انما حدث التجاوب مع توجهات محددة خشيت ان يؤثر هذا الوضع الداخلي اليمني على الأمن والسلام اقليمياً، ما حمل الأمم المتحدة على اصدار القرار 924". وكان صدور القرار 924 في 2 حزيران يونيو الماضي بمثابة بداية لمرحلة تدويل الأزمة اليمنية، بعد بدء المواجهة المسلحة في 4 أيار مايو الماضي اثر تبلور قرار مركزي في صنعاء قضى باعتماد النهج العسكري لحل الازمة الناشبة مع الحزب الاشتراكي وعدد من قياداته التي كانت قد تمركزت في عدن اثر العودة من الأردن بعد التوقيع على اتفاقية العهد والاتفاق بين حزبي المؤتمر والاشتراكي في 17 شباط فبراير الماضي.
المخاوف الاميركية
في 8 أيار مايو الماضي، وبعد أيام قليلة من بدء الاخذ بخيار المواجهة العسكرية لحسم الخلاف بين الحزب الاشتراكي والقيادة السياسية في صنعاء، وفي ذروة المعارك العسكرية التي كانت تدور على اكثر من جبهة بين الوية عسكرية موالية للاشتراكي والوية موالية للسلطة في صنعاء اطلق روبرت بلليترو، مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط، خلال جولة شملت سلطنة عُمان والامارات بعد زيارة قام بها الى صنعاء، سلسلة تصريحات صحافية اعتبر فيها "ان الاوضاع في اليمن خطيرة للغاية وان احتمالات المستقبل غير مبشرة على الاطلاق". واضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في مسقط: "ان الحرب الدائرة في اليمن تنطوي على اخطار هائلة على الاستقرار الاقليمي في شبه الجزيرة العربية وعلى المصالح الاميركية في اليمن والمنطقة". وحذر المسؤول الاميركي من مخاطر النزاع اليمني وابرزها "تدفق اللاجئين اليمنيين على دول الجوار وسقوط الضحايا الابرياء". وفي هذا السياق لوحظ ان النزاع اليمني اكتسب طابعاً دولياً حتم الانتقال بملفه الى مجلس الأمن. وبعد مرور 28 يوماً تنقل خلالها الملف في اروقة المتحدة ومجلس الامن، شهد التعاطي الدولي معه تغيراً جذرياً مفاجئاً. فمن التعاطي معه في ضوء الفقرتين 6 و7 من ميثاق الامم المتحدة الى التعاطي الجديد حصلت نقلة نوعية، بحسب الارياني، الذي تابع مداولات الأمم المتحدة مع قضية بلاده وقال: "انا اعتقد ان الدول الدائمة العضوية بالذات تولت ادارة المناقشات والصياغات المتكررة للقرار 931، ولم تقف موقف المتفرج بالنسبة الى القرار 924 الذي كان بداية التدويل للملف اليمني. حيث كان لدى الدول المتبنية للقرار ولفكرة التدويل قلق وخوف، والخوف من تدفق اللاجئين اليمنيين من جراء القتال على الدول المجاورة لنا. وحين لم يحدث هذا الامر لم يعد هناك اي مجال للاستمرار في نهج تدويل النزاع اليمني".
ومنذ اندلاع المواجهة لوحظ ان محافظة المهرة اليمنية المحاذية لسلطنة عُمان، والمحافظات اليمنية المحاذية للمملكة العربية السعودية لم تشهد حركة نزوح بشرية على الاطلاق. حيث لم يطاولها القتال والمواجهات العسكرية.
مأساة عدن
داخل عدن المحاصرة استمعت "الوسط" الى رواية مختلفة عن اسباب معاناة سكان المدينة الساحلية. أبو بكر باديب، وزير الثقافة والاعلام في حكومة "جمهورية اليمن الديموقراطية" وعضو المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي، الذي قرر "الصمود" في عاصمة الجنوب شكك في رواية وزير التخطيط اليمني عبدالكريم الارياني لپ"الوسط" عن نسف قوات الحزب الاشتراكي لآبار المياه الحلوة في منطقة بئر ناصر، قرب عدن. وتساءل باديب قائلاً: "هل يعقل ان ننسف آبار المياه حتى نضطر الى شرب مياه الآبار القديمة التي اعدنا فتحها؟ نحن قادة الاشتراكي في عدن ليس عندنا مياه شرب خاصة بنا. نحن نغلي مياه الآبار القديمة ونشربها رغم ملوحتها. غير صحيح ما يقوله الدكتور الارياني، تحياتي له. قولوا له اني احادثكم وانا اتصبب عرقاً فالحر الخانق تجاوز 45 درجة مئوية. والتيار الكهربائي دائم الانقطاع. ما الذي تبقّى من مشاعر الاخوة والمواطنة؟". وأكد الوزير باديب "ان فرق الصيانة التابعة للصليب الأحمر متواجدة في عدن وتنتظر موافقة صنعاء حتى تعيد اصلاح الآبار في منطقة بئر ناصر. هم دمروا الآبار وهم راغبون في اصلاحها واعادة المياه الى عدن حين يحكمون السيطرة عليها املاً بكسب ود المواطنين الذين هالهم القصف المدفعي المكثف على مدينتهم".
ندرة المياه الصالحة للشرب وانقطاع التيار الكهربائي لم يكونا السببين الوحيدين لمعاناة سكان عدن. "المواد الغذائية تشهد نقصاً خطيراً، لا سيما الخضار والفاكهة التي تصل عدن من منطقة ابين. كميات الدجاج تتناقص باستمرار. كذلك مخزون الارز والسكر. اما المستشفيات فتغص بالجرحى وغالبيتهم من الاطفال والمسنين. الامصال شهدت شحاً كبيراً وامراض الصيف راحت تتفشى. وظهرت اعراض اسهال جماعي عند اطفال عدن ويقول الاطباء انها بداية التيفويئد او الكوليرا. من يصدق ان الحزب الاشتراكي يفتعل كل هذه المعاناة كي يحمل الامم المتحدة على ارسال مراقبين او التدخل لانقاذنا"؟
وسألت "الوسط" الوزير باديب عن قيادات اشتراكية اخرى او وزراء آخرين ما زالوا في عدن فأجاب "مجموعة لا بأس بها. على العموم المكلا جبهة اخرى وهي ليست بعيدة عن خط النار والمعاناة". ورفض المسؤول الاشتراكي الحديث عن مشاعر الاحباط التي خلفها لدى ابناء عدن رحيل قيادات الاشتراكي البارزة الى المكلا وما يتردد عن مغادرتهم اليمن واكتفى بالقول: "في فمي ماء واذا عشت حتى تنتهي هذه الحرب القذرة فسوف اتكلم بصراحة". ورأى باديب ان دخول عدن سيفاقم مشاعر العداء للوحدة "كان يفضل ان لا يتم الدخول الى عدن بهذه الطريقة حتى لا يتحول النزاع الى حرب جهوية بين شمال وجنوب". مع هذا يواصل الوزير باديب تعلقه بفرص الحوار بين اليمنيين. واسأله: على اي اساس؟ فيرد "الحوار في اطار وحدة الشعب اليمني من دون الالتفات الى الالقاب والتسميات. الوحدة تمت بتسرع ورافقها كم كبير في الارتجال والعاطفة اللذين غيبا المنطق والعقل. وربما اعتقد من اختار الانفصال ان اعلان دولة الجنوب اليمني سيحسن الشروط الموضوعية للوحدة. وانا شخصياً كنت ادعو الى التريث. شكل من اشكال التوحد يبقى ضرورياً بين الشطرين". ورفض الوزير باديب "ما يردده الطرف الآخر عن وحدويين وانفصاليين في الحزب الاشتراكي. كلنا نؤمن بالوحدة حتى لو قلنا بالانفصال لتحسين شروط هذه الوحدة". ولا يعرف المسؤول اليمني كيف ستنتهي "هذه الحرب القذرة التي دمرت كل شيء" لكنه يلتقي مع زميله الوزير الارياني حول مسألة جوهرية مفادها امكانية الحوار في اطار وحدة الشعب اليمني. ولكن ماذا عن جروح الحرب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.