عقد عدد من أبرز الصحافيين واساتذة الجامعات ومحلّلي وسائل الاعلام الاميركيين ندوة اخيراً لدرس "أهم الاخبار التي تم التعتيم عليها سنة 1992". واتفق الخبراء المجتمعون على الاخبار الآتية: - اكتشاف ان 2.4 في المئة فقط، لا عشرة في المئة من الناخبين الاميركيين مصابون بالشذوذ الجنسي، رغم التركيز المستمر على اهمية اصوات الشاذين. وكانت "نيويورك تايمز" أجرت استفتاء اكد ضعف اصوات الشاذين فدفنت الخبر في صفحة داخلية وتركته من دون تعليق. - تحسن وضع الاقتصاد الاميركي باستمرار سنة 1992. - "العطلة" التي قضاها بيل كلينتون في موسكو والحرب الباردة على اشدها. - انخفاض عدد الفقراء في الولاياتالمتحدة، كما أثبتت احصاءات باحثي مؤسسة العيش المديني. - شراء الفضلات من عمليات الاجهاض وبيعها الى شركات مستحضرات التجميل في اوروبا، ثم تصديرها للبيع في الولاياتالمتحدة. ماذا يجمع بين القصص السابقة؟ القارئ العادي قد لا يجد رابطاً بين الشاذين والاقتصاد و"عطلة" كلينتون والفقراء والاجهاض، غير ان ثمة قاسماً مشتركاً أكيداً هو ان كتم هذه الاخبار، مفردة ومجتمعة، أسهم في انتخاب كلينتون رئيساً للولايات المتحدة. الشاذون أيدوا كلينتون، وهو أيدهم، واعتبر صوتهم مهماً لنجاحه، وجذب آخرين الى الحملة الناجحة. وجورج بوش اقسم يميناً ان الاقتصاد تحسن، فلم يصدقه احد، ونشرت الصحف اخباراً عن انهيار الاقتصاد، فلم تنته الانتخابات بانتصار كلينتون حتى اعترفت الصحف نفسها بأن الاقتصاد تحسن في الصيف، وهو بدأ حركته صعوداً قبل ذلك. وكان يفترض ان يخسر كلينتون الانتخابات اذا ثبت انه تعامل مع موسكو خلال حرب فيتنام، او حاول تغيير جنسيته للفرار من التجنيد، الا ان الموضوع طوي رغم العلم به، ولم يحظ بأكثر من سطور قليلة في الصحف النافذة ووسائل الاعلام الاخرى. وكان الانطباع العام خلال الانتخابات، ان عدد الفقراء زاد في ولاية بوش، ثم تبين ان ولايته شهدت اول خفض في عدد الفقراء منذ عقود، ومع ذلك فوسائل الاعلام تجاهلت قصة تخدم بوش انتخابياً. وأخيراً، نذكّر القارئ بأن بوش كان ضد الاجهاض وكلينتون معه، وكتمت وحشية استغلال الاجنة في مستحضرات التجميل لانها لا تخدم كلينتون. شخصياً، لو كنت من اعضاء الندوة لاخترت كأهم خبر كتم سنة 1992، وكل سنة منذ السبعينات، امتلاك اسرائيل اسلحة نووية، فهذا الخبر لا ينشر حتى يطوى، فيما الولاياتالمتحدة تحارب كل دولة اخرى تحاول امتلاك اسلحة نووية، وهي اليوم تقود حملة لمقاطعة كوريا الشمالية عالمياً حتى تتوقف عن انتاج اسلحة نووية. غير انني سأتجاوز قنبلة اسرائيل النووية اليوم لانني كتبت عنها غير مرة في السابق. هل يقدر القارئ مدى نفوذ جهات تسيطر على وسائط الاعلام الاولى في العالم؟ هي لا تسيطر عليها فحسب بل تمنع الرئيس الاميركي، الذي يفترض ان يكون الاقوى في العالم، من نشر الحقيقة، ناهيك عن ان يحاول تزيينها لاغراضه. ربما استطعنا اعادة بدء خسارة جورج بوش الانتخابات الى ايلول سبتمبر 1991 عندما تحدى اللوبي اليهودي، واوقف ضمانات القروض لاسرائيل، فربح المعركة وخسر الحرب امام اسرائيل وانصارها. الحقيقة ان مضمون الندوة لم يخرج عن محتويات كتاب جورج ودوغلاس بول "الالتزام العاطفي: علاقة اميركا باسرائيل من 1947 حتى اليوم"، فالكتاب الذي نشرت "الوسط" مقابلة معهما يورد وقائع ثابتة تظهر ان اللوبي اليهودي يستطيع أن يلوي ذراع الكونغرس ساعة يشاء لصالح اسرائيل. وجاء التعامل مع الكتاب في الولاياتالمتحدة ليثبت صدق مادته، فجريدتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وهما اكثر الجرائد الاميركية نفوذاً ويملكهما يهود، تركتا مهمة نقد الكتاب لانصار اسرائيل أنفسهم. وجاء عرض الكتاب في "واشنطن بوست" بقلم والتر لاكير وهو مؤرخ يهودي معروف بولائه لاسرائيل، في حين نقد الكتاب في "نيويورك تايمز" ارثر هيرتبرغ، وهو اسرائيلي، وسخر الناقدان من الكتاب، وعاملاه باحتقار ورفضا معاملة التهم الخطيرة فيه بجدية. والندوة الاميركية لم تشر الى كتاب جورج بول وابنه، وهي أثبتت ما نعرفه مرتين، مرة بتسجيل اخبار جرى التعتيم عليها، ثم بتعتيمها هي على أهم خبر يتحدى النشر باستمرار، وهو القنبلة النووية الاسرائيلية.