في اليوم الذي كتبت فيه ربع مقال عن بيان جبر صولاغ، وزير الداخلية العراقي تلقيت عشرات الرسائل الالكترونية كلها محفوظ عندي بين مؤيد ومعارض ما جعلني أسأل نفسي ماذا كان حدث لو كتبت عنه زاوية كاملة. أشكر الذين أبدوا رأياً مثل رأيي، وأعطي أنصار الوزير الذين لا بد من أن يكونوا على شاكلته حقهم في ابداء رأيهم، مع اصراري على موقفي، ثم أزيد التالي: احتج بشدة على نقطتين وردتا في كلام أنصار الوزير. الأولى أنني كتبت"مدفوعاً"أو أن"الأمير"طلب مني أن أكتب. اذا كان هناك دفع فأنا أدفع للآخرين. وبمنتهى الصراحة ففي وضع رُشى أنا الراشي لا المرتشى، ولا أحتاج الى أحد غير ربّي. أما أن يُطلب مني أن أكتب، فهذا لم يحدث لي في حياتي، ولا أحد يطلب من صحافي عربي أن يكتب، ولكن قد يقال له"علشان خاطري"لا تكتب عن هذا أو ذاك، أو"بعرضك بلاش فضايح". وأهم من هذا كله أن ناشر"الحياة"هو الأمير خالد بن سلطان، وهو لم يطلب مني أو من أي كاتب غيري في"الحياة"يوماً أن يكتب أو لا يكتب، وموقفه معروف ومسجل، فهو يرفض أي تدخل في عمل الصحيفة والصحافيين، ولو ثبت يوماً أن أحداً منا كتب بإيعاز من أحد لانتهى عمله في الجريدة. وخارج كل ما سبق هناك المنطق المجرد، فأنا لم أكتب قبل أسابيع مدافعاً عن الأمير سعود الفيصل ازاء قلة أدب صولاغ، وانما كتبت عن الوزير بعد انتشار أخبار تعذيب المعتقلين في وزارته. الثانية ان قراء أصروا على أنني هاجمت صولاغ لأنه شيعي، وهذه تهمة حقيرة ككل واحد رددها، فقد انتصرت دائماً لإيران، ودافعت مرة بعد مرة عن حقها في امتلاك أسلحة نووية لتواجه اسرائيل. كما انني أعتبر حزب الله حركة تحرر وطني، وقد دافعت عنه باستمرار، ولي مع أركانه أفضل علاقة. وفي العراق رموز الشيعة الأهم لي هم آية الله السيستاني ومقتدى الصدر وأياد علاوي وابراهيم الجعفري، ولم يحدث يوماً أن هاجمت أحداً منهم. اسألوهم. لا حاجة بي هنا أن أدون 60 اسماً بين مؤيد ومعارض ولكن أرجو من الجميع أن يقدروا ان تعليقي كان انطلاقاً من تعذيب المعتقلين، وهو موضوع كتبت عنه زاوية كاملة قبل أسبوع، وتلقيت عليها بريداً كثيراً. وأرفض أن يختبئ صولاغ وراء شيعيته كدفاع رخيص فهو يمثل عصابة لا طائفة. العقيد الركن المتقاعد مجاهد سمعان انتقل من الاعتداءات الأميركية على السجناء والمعتقلين ليطالبني بالحديث عن"ارهاب الدولة ضد مواطنيها، وعن الشوفينيين المتطرفين الذين يبررون ارهابهم بالدفاع عن مصالح المسلمين زوراً وبهتاناً". أرجو من القارئ أن يلاحظ انني نقلت عن التعذيب الذي يمارسه الأميركيون من مصادر أميركية خالصة، وهناك تعذيب حتماً في غير بلد عربي، الا التعذيب في بلد لا يجعله مقبولاً في بلد آخر. وأهم من ذلك بالنسبة الي انني لم أدافع عن أي بلد عربي ولن أدافع، فبلادنا غير ديموقراطية وقد سجلت هذا دائماً. وأمامي رسالة الكترونية باسم فني هو"امنستي"، أو عفو، يتحسر كاتبها على أيام صدام حسين، بعد أن أصبح الأميركيون يكسرون رجل عراقي للتسلية. وأقول بوضوح ان صدام حسين مجرم لا دفاع عنه، وان كان للاحتلال الأميركي ايجابية واحدة وسط بحر السلبيات فهي اطاحة صدام حسين الذي دمر العراق، ويكاد يدمر المنطقة معه. في المقابل القارئة عايدة سعيدي تسأل أين الحكومات العربية، ولماذا لا تدافع عن مواطنيها، وتقول انني أتكلم لغة لا تفهمها هذه الحكومات. وأتصور انها تفهم ولكن لا تقرأ. هل يصدق القارئ أن هناك من يؤيد أحمد الجلبي؟ كتبت غير مرة منتقداً رئيس المؤتمر الوطني العراقي، فأنا أرفض سياسياً عاد الى العراق على ظهر دبابة أميركية، وكان يقبض مرتباً شهرياً من الاستخبارات، وقدم معلومات زائفة أدت الى حرب قتل فيها مئة ألف عراقي ودمِّر بلدهم. هذا رأيي ولن أتراجع عنه، فالمنشور منه أقل كثيراً من غير المنشور. مع ذلك أحاول الموضوعية وأقول ان من أصل بضع عشرة رسالة الكترونية أمامي، هناك ست رسائل تدافع عن الجلبي. وهذا يذكرني بطرفة لتخفيف وطأة الجدل، فقد قيل لرئيس أميركي مرة إن فلاناً مغفل ومع ذلك فاز بمقعد في الكونغرس. ورد الرئيس: هذا ضروري، ففي البلد مغفلون كثيرون يجب أن يكون لهم من يمثلهم في الكونغرس. في العراق هناك ناس من مستوى الجلبي وفي حاجة اليه لتمثيلهم. أقول: مبروكين على بعض. لم أسجل أسماء قراء الرسائل السابقة لأن بعضها قد لا يكون حقيقياً مع ان العنوان الالكتروني واضح. وأكمل بمجموعة أخرى هي أكثر ما تلقيت في الأسبوعين الأخيرين، وموضوعها الارهاب الذي ضرب فنادق عمان وكنت شاهداً عليه هناك. أشكر القراء الذين هنأوني على السلامة، ولكن أكمل بقراء كثيرين أبدوا الحزن لموت المخرج مصطفى العقاد وابنته. واختار رسالة الوحيدة بالبريد اليوم من القارئ العراقي عبدالرحمن شريف الذي يزور لندن، فهي تعبر عن شعور غالبية القراء، وهو حزين لموت"صديقي وصديق كل انسان مصطفى العقاد"، ويعارض بشدة ازهاق أرواح بريئة بأبشع الطرق، ويرفض التبريرات، ثم يزيد ان ما يحز في نفسه تنفيذ عراقيين هذه الجريمة. القارئ عبدالرحمن وقراء كثيرون يدافعون عن الاسلام ورسالته السمحة ويقول ان الدين براء من الارهابيين، كلنا يعرف هذا وكلنا موافق، والمشكلة ان كثيرين في الغرب أصبحوا يربطون الاسلام بالارهاب، لذلك كان واجبنا جميعاً ادانة الارهابيين علناً وبإصرار، وهو واجب رجال الدين قبل غيرهم.